أخبار السياحةأخبار عاجلةالرأي

الدكتورة / ناهد عمران تكتب السياحة الثقافية مدخل للتنمية المستدامة في مراكز وقرى جنوب مصر (ذات تاريخ وتراث)

 تهدف السياحة الثقافية إلى استكشاف التراث الثقافي بنوعيه المادي وغير المادي مثل الفنون بأنواعها والعادات والتقاليد، والآثار، وتتيح هذه السياحة للزوار فرصة التعرف على نمط حياة السكان المحليين، والتعرف على الفنون التقليدية، وزيارة المواقع الأثرية، وحضور المهرجانات الثقافية، كما تساهم  السياحة الثقافية في تعزيز التنمية المستدامة خاصة في المدن الصغيرة، إذ تُعدّ وسيلة فعّالة لدمج الحفاظ على التراث مع تطوير الاقتصاد والمجتمع المحلي،  ومع  ازدياد الاهتمام الثقافي، يبدأ المستثمرون في دعم المشاريع الصغيرة والفعاليات الثقافية التي تعود بالنفع على المجتمع المحلي.

ففي عام 1999م ظهرت حركة المدينة البطيئة  Slow City  في ايطاليا وانتشرت في عدة مدن في كل العالم ، و تهدف لتحسين نوعية الحياة خاصة في المدن الصغيرة والقرى ذات نمط الحياة التقليدية التي تتعرض لغزو العولمة، وتمحو التراث الثقافي المادي والمعنوي بها من خلال تطبيق مفهوم التنمية المتمهلة كمدخل للتنمية المستدامة في القرى التراثية ، من خلال عرض بعض التجارب والتعرف على نتائجها في الحفاظ على هوية المدن والقرى التراثية ،وكيف أصبحت قرى ذات جذب سياحي من خلال تفعيل قيمة الزمن والهوية والمكان ، كما عرض الدراسة أمثلة لمراكز مدن صغيرة لقري مصرية تم فيها بعض تجارب إحياء وحفاظ لحرف تراثية بالمشاركة المجتمعية.

من حق أي مدينة أو قرية أو مجتمع سكاني لا تتعدى عدد سكانها 50 ألف نسمة أن تتقدم بالترشيح لأن تصبح (Slow City أو مدينة بطيئة أو مدينة ساكنة) في حال تنفيذها 55 من الاشتراطات المطلوبة من قبل جمعية المدن المتمهلة.

هناك العديد من الإيجابيات في حال النجاح والحصول على عضوية هذا المجتمع، فعلى سبيل المثال العديد من المدن العالمية غير المعروفة في عالم السياحة تحاول الترويج لنفسها لجذب فئات مهمة من السياح عن طريق الوعد بتقديم خدمات مميزة تبدأ من توفير البيئة ذات الطبيعة الخلابة والنظيفة، واستخدام الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحديثة، والاتصالات اللاسلكية، أما الإدارات المحلية والمجتمع المدني فتقوم بتوفير البرامج التدريبية لسائقي التاكسي لتوفير خدمة مناسبة من حُسن الضيافة للسياح.

وتعرف السياحة الثقافية: بأنها السياحة التي تهدف إلى استكشاف التراث الثقافي، الفنون، التقاليد، والتاريخ الخاص بمكان معين، تتيح هذه السياحة للزوار فرصة التعرف على نمط حياة السكان المحليين، الفنون التقليدية، المواقع الأثرية، والمهرجانات الثقافية، مما يعزز التفاهم بين الثقافات المختلفة.

أما عناصر السياحة الثقافية: فتعتمد على التراث المحلي المادي مثل المواقع الأثرية والتاريخية – مثل القلاع، المساجد، المعابد، والمتاحف، والتراث المعنوي أو غير المادي مثل المهرجانات والفعاليات الثقافية مثل المهرجانات الموسيقية، والاحتفالات الشعبية، والعروض الفلكلورية الحرف اليدوية والفنون التقليدية – مثل صناعة الفخار، السجاد، والنسيج اليدوي وايضاً المطبخ التقليدي – تجربة الأطعمة المحلية جزء مهم من السياحة الثقافية.

والتراث العمراني والمعماري مثل القصور والمدن القديمة مثل القصبة في الجزائر، فاس في المغرب، والبتراء في الأردن.

لكن السؤال المهم هو – كيف تكون السياحة الثقافية مدخل لتنمية المستدامة في المدن الصغيرة؟

 والاجابة انه يجب اعتبار التنمية المستدامة وسيلة فعّالة لدمج الحفاظ على التراث مع تطوير الاقتصاد والمجتمع المحلي، ويقوم مدخل التنمية المستدامة على عدة محاور ذات صلة بالسياحة الثقافية وهي:

  1. الحفاظ على الهوية والتراث الثقافي: ويتم فيه الحفاظ على المعالم التاريخية وحتى تُساهم السياحة الثقافية في مشروعات التنمية المستدامة تتطلب ذلك إبراز وصيانة المعالم التاريخية والأثرية، مما يحافظ على الهوية الفريدة للمدينة.

2- تنشيط الحرف التقليدية: يعمل الطلب السياحي على دعم الصناعات اليدوية والحرف التقليدية، مما يضمن انتقال المهارات والمعرفة بين الأجيال.

3- تعزيز الاقتصاد المحلي وتنويع مصادر الدخل: تتيح السياحة الثقافية فرصًا جديدة للدخل لسكان المدن الصغيرة من خلال الفنادق، المطاعم، الأسواق المحلية، والورش الحرفية.

4- تشجيع الاستثمار: مع ازدياد الاهتمام الثقافي، يبدأ المستثمرون في دعم المشاريع الصغيرة والفعاليات الثقافية التي تعود بالنفع على المجتمع المحلي.

5- تطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات والمرافق العامة: فزيادة حركة السياح يدفع السلطات المحلية إلى تطوير البنية التحتية مثل النقل، الطرق، والمرافق العامة بما يتماشى مع معايير الاستدامة.

6- رفع مستوى الخدمات مع تنامي الطلب ترتفع جودة الخدمات المقدمة للسياح والمقيمين، مما يعزز من مستوى المعيشة في المدينة.

7- تعزيز التفاعل الاجتماعي والمجتمعي بالمشاركة المجتمعية: تُتيح الفعاليات الثقافية فرصًا للتواصل بين السكان المحليين والزوار، مما يخلق بيئة تفاعلية تسهم في تبادل المعرفة والخبرات.

8- تعزيز الفخر بالهوية المحلية: يساهم التعرف على التراث الثقافي في بناء شعور الفخر والانتماء بين السكان، وهو ما يعزز من استمرارية المحافظة على التقاليد.

9- دعم التنمية البيئية المستدامة والسياحة البيئية المتكاملة: غالبًا ما ترتبط السياحة الثقافية بمفاهيم الاستدامة البيئية، حيث تُعنى بحماية البيئة الطبيعية المحيطة بالمعالم الثقافية والتاريخية.

10- تشجيع السياحة المسؤولة: يتم تشجيع الزوار على احترام البيئة والثقافة المحلية، مما يقلل من التأثيرات البيئية السلبية ويساهم في الحفاظ على الموارد.

ومن أمثلة لقرى تم فيها تجارب التنمية البطيئة مدينة روبييلوس دي مورا –إسبانيا: تضم هذه المدينة عددًا كبيرًا من منازل الريفية والمباني البارزة التي تشكل موقعها التاريخي الفني المعترف به على نطاق واسع، وكان الحفاظ على الطراز المعماري الفريد من المبادئ الأساسية، كونه أحد أجمل القرى في اسبانيا والمدينة  لها تاريخ  من العصور الوسطى كما يوجد السوق التقليدي وتمثل حياة الاحتفالات في الأسواق التقليدية جزء من التقاليد الأكثر شعبية المدينة وقد بدأ الاحتفال بها في عام 1987 واليوم هو موقع ثقافي هام لتقديم الحرف التقليدية الخاصة بالمدينة .

وتملك مدينة روبييلوس دي مورا تاريخًا طويلاً في الحرف اليدوية من العصور الوسطى، ولذلك تم عمل صيانة وإعادة تأهيل لجميع المباني لمدة 30 عاما بمشاركة جميع السكان، ويتم تصنيع جميع أنواع الأثاث الريفي ونوافذ والشرفات، وأبواب المباني وترميمها من السكان المحلين، ومن منتجات المدينة صناعة السلال والفخار، وصناعة المنسوجات الحرفية المشهورة في المدينة.

أما الحياة الثقافية في المدينة تكون في تقديم عدد من الاحتفالات التقليدية التي تعتبر مناسبات جذب سياحي ويتم فيه تقديم العروض المسرحية والمجموعات الموسيقية في المنطقة، أما فن الطهي والطعام فيرتبط بالطهي التقليدي والمنتجات التي يتم زراعتها وانتاجها في المنطقة من (الحبوب والبقوليات والخضروات والفاكهة)، وتربية الحيوانات والدواجن، الضأن، الخنازير، إلخ.

كما انتشرت سياحة الطرق وهي انشاء مسار وطرق لمحبي المشي وركوب الدرجات وسياحة المعسكرات في المناطق المحلية من خلال تجهيز أماكن استراحات في مساكن العائلات وتجديد المناطق المفتوحة من ميادين صغيرة وأماكن جلوس مظللة وأماكن تنزه.

يوضح لقطات لمدينة روبييلوس دي مورا في اسبانيا وتظهر المباني التقليدية بها،

1-    نماذج من التراث في مدن وقرى صعيد مصر: يزخر صعيد مصر بالتراث المادي والمعماري من الحضارة المصرية القديمة من معابد ومباني دينية مثل كنائس وأديرة ومساجد وقصور وبيوت تراثية، أما التراث المعنوي من حرف تقليدية يدوية وأدوات موسيقية ورقصات وأطعمة بطرق طبخ متوارثة، كما يتميز جنوب مصر بالأزياء المتفردة في النقوش والأنسجة والحلي الخاصة بهم.

ومن تراث صعيد مصر يمكن ان تساهم في مشروعات السياحة الثقافية إذا تم الاستفادة منها لتكون مدخل للتنمية الاقتصادية لسكان المجتمع المحلي.

ومن الحرف اليدوية التقليدية منتجات وصناعات تقليدية مثل صناعة الحفر على خشب أشجار السرسوع بقرية سرجوس محافظة قنا، وصناعة قماش مشغول بخيوط الفضة والذهب في محافظة سوهاج، وصناعات الزجاج اليدوي، ومن الأعمال اليدوية في النوبة من اعمال من السلال من جريد النخيل والحلي من الفضة ونلاحظ انها تتميز بألوان تماثل ألوان واجهات المباني التي في البيئة المحيطة الغنية بالألوان وكلها في قرى الصعيد جنوب مصر.

«فن التحطيب» او عصاية المحبة او غية الرجال

يتفتخر أبناء الصعيد في جنوب مصر بلعبة التحطيب معتبرينها “لعبة الرجال” يتوارثونها من جيل بعد جيل ومن عائلة إلى أخرى، وتعد لعبة” التحطيب” مصرية خالصة في صعيد مصر في محافظات سوهاج وأسوان والأقصر وقنا، وهي لعبة يتقاتل فيها شخصان باستخدام عصاة وغالبًا ما يتم هذه التقاتل على أنغام آلة المزمار، إلا أن اللعبة لا تزال تجد إقبالًا كبيرًا بين” الصعايدة” الذين يعتبرونها غية الرجال. بذلت مصر جهودًا كبيرة لتسجيل لعبة التحطيب ضمن قائمة التراث غير المادي باليونسكو باعتبارها تراثا مصريا غير مادي، وتحقق ذلك في 30 نوفمبر 2016

أمثلة من التراث المعماري والعمراني في جنوب مصر

مشروع توثيق بيوت زمان وهي المنازل بمدينتي نقادة وقوص بمحافظة قنا تحديدا حيث يتم توثيق البيوت بمشاركة الأهالي لحفظ التراث فهي تعد بمثابة متحف تراثي مفتوح، مثل قرية المهندس حسن فتحي التاريخية بمدينة القرنة بالبر الغربي، تتم عمليات التطوير والترميمات داخل القرية والتي حصلت على دعم كبير لمواصلة أعمال تطويرها ورفع كفاءة المباني التاريخية.

وقد أوصت الدراسة التي قمت بها بعنوان: الاستدامة الثقافية في التصميم المعماري “الحفاظ على التراث مع الابتكار” بالآتي: –

– تشجيع الوعي والمشاركة المجتمعية لسكان المدينة البطيئة وخاصة لجيل الشباب عن أسلوب الحياة الجديد لزيادة المشاركة الشعبية وإتاحة فرص عمل ومبادرات في التكنولوجية الحديثة والطاقة النظيفة.

    – اعتبار خصوصية الحرف أو الصناعات اليدوية والتقليدية مورد اقتصادي لتنمية المدينة وليس كحرف ومصدر رزق محدود لسكان يتطلب التطوير والأبتكار والتسويق الجيد.

  • الزراعات المحلية والطعام التقليدي بطرق طهي محلية هي جزء من السياحة الثقافية وصناعة السياحة لها طرق ومعايير يجب أتباعها بدقة وجدية.
  • تحقيق متطلبات حركة المدينة المتمهلة72 متطلب قد يمثل عبء اقتصادي، ولكنه فرصة لخلق تجربة تنموية جديدة تستحق التجريب والمحاولة خاصة أن لدينا في مصر مناطق لها خصوصية مثل الواحات في سيوة ومنطقة النوبة وجزر النيل في النوبة واسوان وتحتاج لخطط تنمية مختلفة عن التنمية الشاملة المتسارعة النتائج.
  • تستهدف كل التجارب السائح الثقافي الذي يقوم بزيارة معالم التراث العمراني والمعابد والمعالم المعمارية ، ولا يقوم “باقتناء” تلك المعالم و لكن يقوم “باقتناء” تجربة إنسانية نشأت من تلك الزيارة ولكن بشروط تكنولوجية متقدمة ومتطلبات الزمن الحاضر أي من الضروري اعتبار السائح “المستخدم للمدينة البطيئة ” نوعية جديدة من السياح يقوم بتجربة إنسانية وتاريخية والإحساس بعبق الماضي ولكن بمتطلبات جودة حياة (ذات شروط قاسية بالنسبة لكثير من الدول ) تحتاج لدراسة من المتخصصين في مجال السياحة ، فمن المفيد التعرف على نوعية هذا السائح ورغباته و طريقة استخدامه للتراث المعماري و التجربة الإنسانية التي يمر بها و يستخلصها من زيارة القرى البطيئة .
  • التكلفة المرتفعة من أهم المعوقات المتوقعة في تنفيذ التجربة والتحضير لمبادئ فكر الاستدامة والذي يحتاج لاقتناع من الجهات المسئولة (الحكومية – الأهالي –القطاع الخاص) والتدريب والتعاون مع كل الجهات المسئولة وهذا يحتاج لتنسيق وإدارة الفكرة بفكر متقدم وتنسيق عالي الجودة، ولكنها فرصة للمشاركة في فكرة جديدة تغزو العالم وتحافظ على خصوصية مدن/ قرى صغيرة الحجم ولكنها كبيرة القيمة والثقافة قد تندثر مع طوفان العولمة غير المحسوبة العواقب.

الدكتورة ناهد أحمد عمران

أستاذ مساعد الهندسة المعمارية بالأكاديمية الحديثة للهندسة والتكنولوجيا بالمعادي

عضو لجنة تسجيل الحدائق التراثية بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري

عضو لجنة المشاركة المجتمعية بشعبة هندسة العمارة -بنقابة المهندسين

. [email protected]

 اقرا المزيد: – 

الأقصر تستعد لاستضافة النسخة الـ 15 للمؤتمر الدولي الخاص بالاستدامة والتنمية في السياحة والتراث

مصر تعفي السائحين القادمين إلى الأقصر وأسوان من التأشيرات

الأقصر : تدفق كبير للرحلات السياحية من الغردقة عبر طريق طيبة بعد تطويره

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »