الكاتبة الصحفية التونسية حبيبة الماجري تكتب: نحن اصل الداء .. نحن الداء نفسه
نحن العرب، دول وشعوب، رجال ونساء، مدارس وجامعات، وزارات ومدراء، فلاحون وعمال وطلبة. ونخبة ، لا نساوي مثقال ذرة في ميزان حوكمة العالم. نحن مجرد مستهلكين ، لا كلمة لنا تسمع في المحافل الدولية ولا قرار. لا نقرر سعرا ولا نشعل حربا ولا نوقفها، لا في الخارج ولا حتى في الداخل ، نحن الفتى النظيف، المهذب اللطيف ، نحن رواية من ألف ليلة وليلة تقصها العجائز للصغار الحالمين ليهدؤوا ويطول نومهم.
آمنت أجيال كثيرة متعاقبة منا بسيف عنترة وتغنت بجواد امرؤ القيس وتمايلت لقصائد المتنبي وانتظرت أن يأتي صلاح الدين ليحرر الأرض .. نامت.. ولم يأت. عنّه ما أتى.. صاحت بين غفوتين أن الإسلام هو الحل. وتلحفت وأطالت الثوب واللحي فلم تر في الأفق سوى أبا جهل يتاجر جهرا بدين الله وينتشي بالزواج بمثنى وثلاث ورباع..يرعد ويزبد إذا تعرت للمرأة يد ويشهر السيف إذا بانت خارج غطاء رأسها شعرة متمردة.
سكنت.. وارتمت بكل ثقلها بين أحضان الغريب طالبة الرحمة راجية الغوث.. فسباها..وهتك سترها، وسمح لها أن تبقى على قيد الحياة، ما لم تخرج عن طوعه. وكان له ما أراد.. ولما بان هوانها، انكفأت مرددة أنها مؤامرة لئيمة حيكت ضدنا، وأننا ظلمنا نحن الناس الطيّبون، الطيّعون، الشعراء المسالمون..والحقيقة أننا أصل الداء.. نحن الداء .. وليست العروبة الا أرقاما مجردة من كل محتوى، أجساد سميكة لا تحرّك ساكنا وإن كثرت عددا.
استنادا إلى تقديرات سكان العالم الحاليين، يقدر إجمالي عدد سكان الدول العربية في عام 2023 بحوالي 473 مليون نسمة.. وتبرز الأرقام أن العرب مجتمعين يشكلون حوالي 3.5٪ من سكان العالم البالغ عددهم أكثر من 7 مليارات نسمة، وخمس سكان العالم المسلمين الذين يقدر عددهم الجملي بحوالي 1.57 مليار شخص.. تبدو النسبة صغيرة، ولكنها معتبرة جدا إذا ما علمنا أن غيرنا، ممن يلعب اليوم بحاضرنا ومستقبلنا، لا يتجاوزنا بكثير، بل منهم من هو أصغر حجما منا بأشواط.. فمثلا يمثل الأمريكيون حوالي 4.23٪ والإنجليز حوالي 4.24٪ بينما تقدر نسبة الألمان بحوالي 0.91٪ ونسبة الفرنسيين بحوالي 0.83٪ من مجموع سكان العالم.
الأرقام تقول إن المسالة ليست عددية. ط. أين يكمن الخلل إذن؟ لماذا يراكم العرب هذا الكم المخزي من الفشل والعالم من حولهم يتغير ويبدع ؟ ما الذي يجعل العربي قابعا في حالة التبعية المستمرة والخنوع المشين اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ؟ خارج التاريخ وخارج الجغرافيا..ما سبب ما يحل به من هوان مبين؟ يستهلك ما لا ينتج ويأكل بعضه بعضه وينكل بأخيه ويمحقه محقا كلّما دعي لذلك. الأرقام تتكلم فتفحمنا.. تقول أن ما يفوق عن مائة وأربعين مليون عربي، من رجل وامرأة وطفل ورضيع، يعيشون اليوم تحت نار الحرب، بعضهم في العراء وبعضهم الآخر في الخيام، معدم مكلوم، في السودان واليمن وسوريا والصومال، وليبيا، ولبنان، وفلسطين*. ينتظرون مجروحون نازفون منّة أهل البر والإحسان من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاممية. واغنيائنا يرقصون.
البلد
عدد السكان (بالمليون)
السودان
45.66
اليمن
32.98
سوريا
17.50
الصومال
16.00
ليبيا
07.08
لبنان
06.93
فلسطين
05.23
المجموع
140.91
عرب تحت النار
أين العروبة من كل هذا؟ ولكن هل للعروبة وجود؟ هل كان لها يوما وجود؟ الواقع أنه لا وجود إلا لجملة من البلدان المتعددة المسميات التي يتكلم أهلها اللغة العربية .. بلدان، يتداول زورا أنها شقيقة، لا رابط بينها سوى أن أهلها يتكلمون لغة الضاد بدون أي واقع مشترك ولا وحدة مصير.. اللغة وحدها، رغم جمالها، لم تكن لتعوّض الأسس الموضوعية المادية والمعنوية، السياسية والاقتصادية، التي لم يعمل أي منهم على تركيزها ليرتفع البناء ويشتد عوده.. كم كان خطؤهم في الركون إلى اللسان، جسيما. . كيف تعنى لهم ان يتصوروا أن حلاوة الشعر يمكن لها أن تكون موحدة للشعوب ؟ كيف أقنعونا؟ يا لنا من أطفال سذّج.
العروبة لم تكن سوى حلم يقظة مدغدغ، ناعم كالحرير، ولكن لا عروق تسقيه فيحيا.. كان جذعا يافعا لا اصول تغذيه ولا أعمدة يرتكز اليها .. كانت رواية أخاذة من نسج خيال فياض سكنت عقول البعض وأغرتهم سنون طوال.. الهتهم عن العمل الجاد. إنها الخطاف الذي منع قدوم الربيع..حلم الملايين الذي تحول مع الوقت إلى مزحة ثقيلة تزين البيانات السياسية الجوفاء ثم إلى كذبة سمجة بغيضة كخرقة بالية نأبى رؤيتها.. حتى أنها اصبحت في بعض الربوع دعوة شرّ يتتطيّر الكثير من سماعها ويهرب من ذكرها فيصنع لنفسه هوية بديلة، ولو أتت من عصور ما قبل التاريخ.
نحن المذنبون أولا وأخيرا وليس من استغل غباءنا واستثمر فيه.. ادرنا وجهنا للتاريخ وقبلنا من حماقتنا أن نمشي على رؤوسنا خوفا من طول الطريق .. مزقنا قميص عثمان إربا من أجل أن تنبت في ظهر كل واحد منا حدود أخيه .. ضيقنا أفقنا وكان رحبا ممتدا ورضينا بالنزر القليل فخيل لنا ونحن الضفادع أننا أصبحنا في دفئ بيوتنا أسود.. لا المواطن مواطن ولا السيد سيد .. نحن عبء على الإنسانية نتقاتل من أجل الفتات ونتعطر لنغطي رائحة الإثم .. لا جامعتنا جامعة ولا أشقائنا إخوة .. فات ميعاد لقيانا وانقضى أجله، وحل بدل الحلم كابوس مريع واضمحلت النطفة في رحم الكل وأصبح الأخ يأكل لحم أخيه حيا وميتا والجميع يحمد الله أنه مازال فيه بعض من حياة دنيوية فانية سقفها الأعلى شيء من الترف والرفاهية تشبع الاجساد ولا تروي العقول.. لقد فشلنا كأمة فهل سننجح كشرذمة من البلدان ؟ الأفق يبدو ملبد والقرار لم يعد بيد أي منا. سوف يعطينا الغرب وسنرضى …احببنا ام كرهنا.
اقرأ المزيد
بيان « الدوحة » : استمرار الأزمة في سوريا يشكل تطوراً خطيراً على الأمن الإقليمي والدولي