أخبار عاجلةالرأي
الكاتب السوداني محمد تورشين يكتب : مستقبل العلاقات الأمريكية – الإفريقية في ظل ولاية الرئيس دونالد ترامب
لطالما كان مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإفريقيا موضع نقاش بين السياسيين والأكاديميين والصحفيين المهتمين بالشأن الإفريقي، خاصة في ظل التغيرات الدولية المتسارعة والتنافس الكبير بين القوى العالمية على القارة الإفريقية. ومع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تثار تساؤلات حول مدى اهتمام إدارته الجديدة بالقارة الإفريقية، خاصة أن فترته الرئاسية الأولى لم تشهد تركيزًا كبيرًا على إفريقيا.
التنافس الدولي على إفريقيا
شهدت إفريقيا مؤخرًا صعود قوى دولية وإقليمية تسعى لتعزيز نفوذها في القارة , أبرز هذه القوى تشمل الصين وروسيا، بالإضافة إلى تركيا والهند. كما أن بعض الدول العربية، مثل دول الخليج، بدأت تلعب أدوارًا بارزة في القارة. بالمقابل، تراجع النفوذ الأوروبي بشكل ملحوظ، مع تراجع الأدوار التقليدية لدول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، التي أصبحت تركز بشكل أساسي على قضايا مثل الهجرة والاتجار بالبشر.
في ظل ذلك، يبدو أن القارة الإفريقية أصبحت ساحة للتنافس بين القوى العالمية، حيث تسعى الصين لتعزيز استثماراتها وبناء مشاريع ضخمة في البنية التحتية، بينما تعمل روسيا على توسيع وجودها العسكري والدبلوماسي , تركيا والهند بدورهما تسعيان لتعزيز شراكاتهما الاقتصادية والسياسية مع الدول الإفريقية، مما يجعل إفريقيا محورًا استراتيجيًا للصراعات العالمية.
ترامب وإفريقيا: غياب الأولوية؟
تاريخيًا، لم تحظ إفريقيا باهتمام كبير خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، حيث ركزت سياساته على القضايا الداخلية للولايات المتحدة وعلى منافسة الصين في آسيا وأمريكا اللاتينية. ومع ذلك، فإن هذا الفراغ الأمريكي سمح لقوى أخرى، أبرزها الصين وروسيا، بتعزيز وجودها في القارة.
تشير التحليلات إلى أن إدارة ترامب الجديدة قد تركز على احتواء النفوذ الصيني عالميًا، وهو ما قد يمتد إلى إفريقيا في السنوات القادمة , إذا نجحت الإدارة في فرض طوق استراتيجي على الصين في آسيا وأمريكا اللاتينية، فقد تنتقل المنافسة إلى إفريقيا، مما قد يحول القارة إلى مسرح صراعات جديدة بين القوى الكبرى.
روسيا وأوروبا: أدوار متباينة
أما بالنسبة لروسيا، فهي تواصل توسيع نفوذها العسكري والاقتصادي في إفريقيا، مستغلةً الفراغ الذي خلفه التراجع الأمريكي. تظهر تحركات روسيا، مثل دعمها العسكري في ليبيا ومحاولاتها لتعزيز تحالفاتها مع دول إفريقية، أنها تسعى لترسيخ وجودها في القارة.
على الجانب الآخر، تبدو أوروبا عاجزة عن استعادة دورها التقليدي في إفريقيا، حيث تركز بشكل أساسي على القضايا الأمنية والهجرة. ومع التوترات المتزايدة بين الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية في عهد ترامب، قد يزداد هذا التراجع الأوروبي في إفريقيا.
فرص إفريقيا في ظل التنافس الدولي
رغم المخاوف من أن تتحول إفريقيا إلى ساحة صراع بين القوى الكبرى، إلا أن غياب رؤية واضحة من إدارة ترامب قد يمثل فرصة للقارة لتعزيز شراكاتها مع قوى إقليمية ودولية متنوعة. يمكن للقادة الأفارقة استغلال هذا التنافس الدولي لتحقيق مكاسب تنموية تعالج مشكلات الفقر والبطالة، وتعزز الاستقرار والسلام في القارة.
في الختام، يظل مستقبل العلاقات الأمريكية-الإفريقية مرهونًا بمدى اهتمام إدارة ترامب الجديدة بالقارة، وما إذا كانت ستسعى إلى منافسة القوى الأخرى فيها أم ستواصل نهج التجاهل الذي ميز ولايته السابقة. في كل الأحوال، يبقى للقارة الإفريقية دور رئيسي في صياغة هذه العلاقات بما يخدم مصالحها طويلة الأمد.
* الدكتور محمد تورشين : باحث وكاتب سوداني متخصص بالشأن المحلي والشؤون الإفريقية
إقرأ المزيد