الدكتور مصطفى السنوسي يكتب: هل تنجح التجربة الصينية فى اكتشاف كنز الوادي الجديد المفقود؟

التجربة الصينية في التنمية الزراعية تمثل نموذجًا عالميًا ملهماً، نجحت خلاله الصين في تحويل قطاعها الزراعي من أساسيات متواضعة إلى قوة اقتصادية كبرى، ساهمت في انتشال مئات الملايين من الفقر. بفضل استثمارها في البحث العلمي، واستنباط أصناف محاصيل عالية الإنتاجية وتتحمل الظروف القاسية (كالملوحة والجفاف).
الصين الآن تعد الأولى عالميًا في إنتاج الأرز والقمح وفول الصويا وغيرها. ولا تقتصر أهمية هذه التجربة على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تقدّم مقاربةً مختلفة عن النموذج الليبرالي الغربي، مما يجعلها ذات جاذبية خاصة للدول النامية، ومنها مصر.
وخلال الآونة الأخيرة، نرى خطوات جادة للتعاون المصري-الصيني في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. شهدت الفترة الأخيرة لقاءات مكثفة بين المسؤولين، كان أبرزها اجتماع وزير الزراعة المصري ومحافظ الوادي الجديد مع وفد من شركات صينية كبرى.
لكن ماذا يستطيع أن يقدمه لنا النموذج الصيني في محافظة الوادي الجديد؟ عرض الجانب الصيني تقنياته في استنباط أصناف جديدة، مثل صنف قمح ينتج 5 أطنان للفدان ويتحمل الملوحة والجفاف، مع توجيه وزير الزراعة المصري بتجربته في البيئة المصرية. كما تم الاتفاق على عقد لقاءات فنية بين مركزي البحوث الزراعية والصحراء في مصر ونظائرهما الصينية، وتوقيع بروتوكول تعاون للانتقال من التخطيط إلى التنفيذ.
كما أبدى محافظ الوادي الجديد استعداد المحافظة لتوفير الأراضي اللازمة للمشروعات البحثية والاستثمارية، في إطار تعزيز العلاقات بعد انضمام مصر إلى تجمع “بريكس”.
لكن تظل هناك مخاوف مشروعة وتحديات قد تواجه التنمية الزراعية في الوادي الجديد، نريد أن توضع على طاولة التخطيط لبيان كيفية التعامل معها. على رأس هذه التحديات تأتي التحديات المائية، حيث إن موارد المياه الجوفية غير كافية، بالإضافة إلى مشكلات الصرف الزراعي ومعوقات تسويق المنتجات الزراعية.
لذلك، تُعد هذه فرصة ذهبية لنقل التجربة الصينية في تحسين شبكات الري والصرف، وزيادة أعداد المرشدين الزراعيين. إضافة إلى إنشاء جمعيات تعاونية للتسويق، واستخدام التكنولوجيا لنشر المعلومات الزراعية بسرعة.
وكان مجلس الوزراء المصري قد أعلن عن مشروعٍ صينيٍ طموح لاستصلاح مليون فدان في الوادي الجديد، وإنشاء مجتمع زراعي متكامل، بتكلفة تزيد عن 5 مليارات دولار. ورغم الآمال الكبيرة المرتبطة بالمشروع (مثل توفير مليون فرصة عمل وزيادة الصادرات)، إلا أن العقبات لا تُغفل:
تحديات المياه، عدم كفاية المقنن المائي، والحاجة إلى تراخيص حفر آبار جديدة. إضافة إلى عدم وضوح الرؤية، فلا تزال الدراسات قيد الإعداد، ولم تُحدد المساحات القابلة للزراعة بدقة.
يأتي المشروع الصيني ضمن مساعي مصر لاستصلاح ملايين الأفدنة، مثل:
– مشروع الدلتا الجديدة (2.2 مليون فدان).
– مشروع توشكى (1.1 مليون فدان).
– تنمية سيناء (456 ألف فدان).
مما يعكس خطةً طموحةً لتحقيق الأمن الغذائي، رغم التحديات المائية واللوجستية.
لذلك تُمثِّل الشراكة المصرية-الصينية في الزراعة فرصةً لدمج الخبرات الصينية في الابتكار مع الإمكانات المصرية في التوسع الأفقي. لكن نجاح هذه الشراكة مرهونٌ بمعالجة التحديات المائية، وتعزيز البنية التحتية، وتسريع وتيرة البحث العلمي التطبيقي. وفي ظل الدعم السياسي من الطرفين، نتمنى أن يتم استغلال الفرصة فمحافظة الوادي الجديد تستحق وتستطيع أن تكون نموذجًا ملهماً للتعاون في مواجهة أزمات الغذاء العالمية، ومن قبله في تحقيق طفرة للاقتصاد المصري.