أخبار عاجلةالرأي

اسيا العتروس تكتب : التهمة كره الرئيس ….ماذا وراء طرد واشنطن سفير جنوب إفريقيا 

فصل جديد من دروس اللياقة الدبلوماسية تضيفه الخارجية الأمريكية في مجال العلاقات الدبلوماسية الدولية في إدارة ترامب بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو طرد واشنطن سفير جنوب إفريقيا لديها إبراهيم رسول، و إمهاله إثنين و سبعين ساعة للمغادرة .

لا خلاف أن السبب الأساسي وراء هذا الموقف مرتبط بموقف دولة جنوب إفريقيا من حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة طوال خمسة عشرة شهرا من التوحش .. و الأكيد أن أول ما يتبادر إلى الأذهان بعد إعلان الإدارة الأمريكية هذا القرار أن بريتوريا كانت أول من رفع شكوى دولية ضد كيان الإحتلال الإسرائيلي أمام الجنائية الدولية و هذا في حد ذاته كاف لدفع الحكومة الأمريكية الراهنة أو السابقة لمعاداة جنوب إفريقيا الدولة الرمز التي ناضلت طويلا ضد نظام التمييز العنصري و تمكنت من ازاحته .

وغير ذلك من الأسباب و المبررات التي تروج لها إدارة ترامب تتنزل في إطار سياسة الترهيب والترغيب و الابتزاز لجنوب إفريقيا و غيرها من الدول لدفعها لتبني سياستها المعادية للحق الفلسطيني .. و سيكون من المهم أن تبادر دول الاتحاد الافريقي الى اعلان تضامنها مع بريتوريا ازاء هذا التوجه العقابي للخارجية الامريكية ..

طرد إدارة ترامب للسفير إبراهيم رسول أحدث فصول تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا التي يمكن القول أنها وراء جر كيان الاحتلال الاسرائيلي و لأول مرة أمام العدالة الدولية .. حيث رفعت بريتوريا قضية ضد “إسرائيل” -حليفة واشنطن- أمام محكمة العدل الدولية واتهمتها بارتكاب جرائم حرب إبادة جماعية في القطاع المحاصر .

القرار ينطوي على أكثر من رسالة لأكثر من طرف و سيتعين انتظار ما سيكون عليه موقف الدول الإفريقية من القرار الأرعن لفهم الى أي مدى يمكن أن تذهب الإدارة الأمريكية الراهنة في ردع و تقليم أظافر كل من يتجرأ على لعل أهمها تلك التي يوجهها القرار ضمنيا لمختلف الدول الإفريقية بأن هذا أيضا ما ينتظر كل بلد يصر على تبني و دعم موقف جنوب أفريقيا إزاء القضية الفلسطينية و إزاء ما أقدمت عليه الجنائية الدولية بعد قرار إصدار بطاقتي جلب في حق مجرم الحرب رئيس وزراء كيان الإحتلال الإسرائيلي ووزير أمنه السابق جالانت ..

وزير الخارجية الأمريكي وصف سفير بريتوريا بأنه “سياسي يكره ترامب و يؤجج التوترات العرقية” و الحقيقة أن الأمر أبعد من ذلك ويتجاوز هذه البدعة التي اعتمدتها الخارجية الأمريكية والتي يفترض أن تدمج في برامج تأهيل الدبلوماسيين على طريق الدبلوماسية الجديدة و لعبة المصالح المعقدة ,والامر لا يستوجب ذكاء خارقا ، و لعلنا لا نكشف سرا إذا اعتبرنا أن السبب الوحيد و الأساسي للقرار الأمريكي غير المسبوق بطرد سفير جنوب إفريقيا إبراهيم رسول مرتبط بالموقف الصريح و القوي و المشرف لدولة جنوب إفريقيا إزاء حرب الإبادة في غزة و جرائم الإحتلال على مدى خمسة عشرة شهرا من القصف المتوحش و التجويع و الابادة الجماعية .

أما الترويج بأن رسول يكره ترامب فهذه في قناعتنا تهمة جاهزة تتنزل خارج إطار اللياقة الدبلوماسية و هي تهمة تضاف إلى تهمة معاداة السامية الورقة الرابحة في كل مواسم العدوان الإسرائيلي لردع كل من يتجرأ على التصدي لجرائم الإحتلال الإسرائيلي و فضحه و ملاحقته أمام العدالة الدولية التي يبدو أنها بدأت تستفيق و تتعافى بعد طول جمود و تهاون خاصة عندما يتعلق الامر بالحق الفلسطيني .

أما النقطة الثانية التي يتعين التوقف عندها فتتعلق بالمساعد الأول للرئيس ترامب ايلون ميسك .. إبراهيم رسول، سياسي و دبلوماسي وهو من المناضلين ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا و قرار طرده يأتي أيضا بعد تجميد ترامب في فيفري المساعدات الأمريكية لجنوب إفريقيا، على خلفية قانون لمصادرة الممتلكات اعتبر أنه ينطوي على تمييز ضد المزارعين البيض.

ومن الواضح أن ظل أقرب حلفاء ترامب وهو إيلون ماسك المولود في جنوب إفريقيا و الذي سبق و اتهم الرئيس الجنوب الأفريقي سيريل رامافوزا بإتباع “قوانين ملكية عنصرية علنية”قد لا يكون بدوره بمنأى عن سيناريو طرد سفير جنوب إفريقيا .

ترامب الذي خاض حملته ضد الهجرة غير الشرعية و أغلق المنافذ على المهاجرين كتب في حينه على شبكته “تروث سوشال”” أن “أي مزارع من جنوب إفريقيا يسعى للفرار من هذا البلد لأسباب أمنية ستتم دعوته مع عائلته إلى الولايات المتحدة مع مسار سريع للحصول على الجنسية الأميركية”.

السفير الجنوب إفريقي كان اعتبر في وقت سابق “ان الشعار “لنجعل أميركا عظيمة مجددا”، وهو الشعار الذي يرفعه الرئيس الأمريكي، “هي رد تفوق البيض على تنامي التنوع الديموغرافي في الولايات المتحدة”.و هو طبعا امر لم يستسغه ترامب و ماسك

 

يعد إبراهيم رسول من رفاق نيلسون مانديلا٬ وقد انخرط في الحركة المناهضة للفصل العنصري مبكراً، ويعد الدبلوماسي الجنوب إفريقي من أشد الداعمين للقضية الفلسطينية. وقبل السابع من أكتوبر بنحو شهر٬ نشر رسول صورة عبر حسابه في فيسبوك لكوفية فلسطينية تحمل توقيعاً من الشهيد إسماعيل هنية زعيم حركة حماس الذي اغتيل في طهران العام الماضي٬ وكان رسول يضع الكوفية في فعاليات عدة داعمة للقضية الفلسطينية في جنوب أفريقيا.

من التصريحات التي اغضبت إدارة ترامب عندما كان رسول يتحدث في معهد “مابونجوبوي” للتفكير الاستراتيجي في جوهانسبرج ٬ وقال إن “التفوق الأبيض هو الدافع وراء عدم احترام ترامب للنظام المهيمن الحالي في العالم، بما في ذلك مؤسسات مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين”.

رسول أضاف في تصريحاته أنه “ليس من قبيل الصدفة” أن ينخرط إيلون ماسك الذي ولد و نشأ في جنوب إفريقيا و استفاد من نظام الأبرتييد في السياسة اليمينية المتشددة، وأن نائب الرئيس جيه دي فانس التقى زعيم حزب سياسي ألماني يميني متشدد قبل الانتخابات هناك.

وأشار إلى أن المزارعين من جنوب إفريقيا الذين قدموا مظالم أفريكانية داخل الولايات المتحدة كانوا جزءاً من هذا الجهد العالمي لتفوق البيض ، وقال رسول ” إن جنوب إفريقيا يمكن أن تقود الجهود للتصدي لنزعة التفوق الأبيض التي يتبناها ترامب لأن البلاد كانت “الترياق التاريخي للنزعة التفوقية للبيض”..و هو ما يمكن اعتباره اعلان للتحدي من جانب جنوب إفريقيا .

طرد سفير جنوب إفريقيا من واشنطن فصل جديد و الأكيد أنه ليس الأخير سيضاف إلى فصول الدبلوماسية الأمريكية في ابتزاز واحتقار ومعاقبة كل من يخالف أو يقف في وجه خياراتها الجائرة مهما كانت معادية للقانون الدولي و للشرعية الدولية التي يبدو و أن إدارة ترامب أعلنت عليها الحرب و تسعى لتقويضها لإحلال الفوضى الهدامة بدلا منها .

 

* آسيا العتروس .. كاتبة و صحفية تونسية .

إقرأ المزيد

الدكتور عبدالناصر سلم حامد يكتب : فشل مشروع آل دقلو في السودان: من الصعود إلى الانهيار

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »