أخبار عاجلةاخبار افريقياالسودان

الفريق حنفي عبد الله الخبير الاستراتيجي السوداني : السودان دخل مرحلة جديدة من تاريخه المعاصر بتحرير القصر الجمهوري من قبضة مليشيا الدعم السريع

 أكد الفريق حنفي عبد الله محمد مدير مركز السودان لدراسات مكافحة الارهاب أن ميليشيا الدعم السريع أشعلت في 15 أبريل 2023، فتيل تمرد مسلح في محاولة انقلابية خاطفة، كانت تهدف إلى السيطرة على الدولة السودانية خلال ساعات ,غير أن المخطط انهار سريعًا أمام مقاومة القوات المسلحة السودانية وصمود الشعب الرافض للخضوع، ليتحول الأمر إلى صراع طويل الأمد انتهى بسحق التمرد وإفشال مشروعه التخريبي , حيث المليشيا الحرب وهي تمتلك ترسانة عسكرية هائلة، قُدِّرت بنحو 260 ألف مقاتل  ارتفع تدريجيا  الى 860 ألف مدعوما بمرتزقة افريقيا وامريكيا اللاتينية مدججين بأسلحة ثقيلة ومتطورة، معتمدين في البداية على 12 ألف مركبة قتالية رباعية الدفع ومصفحات مجهزة بالمدافع والمضادات الجوية وأسلحة متطورة لا تملكها معظم الجيوش, من مسيرات استراتيجية ومنصات ومراكز تشويش حديثة .

القوة وحدها لا تكفي

وقال عبد الله في تصريحات صحفية ” وظنت هذه المليشيا أن التفوق العددي واللوجستي سيحسم المعركة لصالحها، إلا أن الواقع أثبت أن القوة وحدها لا تكفي لهزيمة جيش محترف وشعب مؤمن بوطنه , مضيفا ” وعلى مدار  ما يقارب عامين من القتال، تكبّدت المليشيا خسائر فادحة، حيث تم تفكيك اكثر من 70% من قدراتها العسكرية وفق تقارير عسكرية موثوقة، ولم تعد قادرة على الاحتفاظ بمواقعها الاستراتيجية، لا سيما بعد تلقيها ضربات قوية أخرجتها من ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض والنيل الأزرق  وشمال كردفان , واجزاء واسعة من غرب وجنوب كردفان , وصمود الفاشر في شمال دارفور رغم الهجوم المستمر.

واعتبر الفريق حنفي عبد الله أنه فجر الجمعة الحادي والعشرين من مارس 2025، دخل السودان مرحلة جديدة من تاريخه المعاصر، بإعلان القوات المسلحة السودانية تحرير القصر الجمهوري من قبضة مليشيا الدعم السريع , لم يكن هذا الحدث العسكري مجرد عملية ميدانية ناجحة، بل لحظة مفصلية تحمل بين طياتها أبعادًا استراتيجية وسياسية عميقة، من شأنها أن تعيد صياغة موازين القوة في السودان، وترسم ملامح مستقبل الدولة السودانية بعد عامان من الحرب الوجودية , ومنذ انطلاق العمليات العسكرية في 15 أبريل 2023، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادتها مليشيا الدعم السريع وداعميها المحلين و الإقليميين رسمت القوات المسلحة خطتها وفق استراتيجية محكمة تقوم على استنزاف قدرات العدو وعزلها ميدانيًا وضرب قوتها الصلبة والاستفادة من غنم قدراتها التليجية الهائلة. وبلغ هذا التكتيك ذروته مع عملية “العبور الكبرى” في سبتمبر 2024، والتي تم فيها تثبيت السيطرة على محاور العاصمة، بدءًا  بخطة السيطرة على الجسور النيلية, بدءا من جسر الحلفايا، وجسر النيل الأبيض مرورًا بجسر الإنقاذ، وصولًا إلى تأمين جسور كوبر والنيل الأزرق لاحقا .

تكتيك الاطباق من أربعة محاور

وذكر أن الجيش السوداني اعتمد على تكتيك الإطباق من أربعة محاور رئيسية، حيث تحركت وحدات المدرعات والمشاة من المعاقيل و كرري وحطاب شمالًا، ومن النيل الأبيض نحو جبل أولياء جنوبًا، فيما تكفلت القوات القادمة من سوبا العيلفون بإغلاق الجبهة الشرقية. هذه الكماشة المحكمة حولت المليشيا إلى جيب معزول داخل العاصمة، فاقدةً القدرة على الإمداد والمناورة.

وقال ” بإحتلالها للقصر الرئاسي حاولت المليشيا محو تاريخ وطني تزينه الكثير من المواقف الوطنية و البطولية بدأت من نزع رأس المستعمر  غوردون باشا فى القرن التاسع عشر إلى دحر و هزيمة كل محاولات الغزو و الارتزاق على مدى عقود من التاريخ فى القرنين العشرين و الواحد و العشرين ..وعرف  السودانيون  القصر الجمهوري  فى تاريخهم  رمزاً للسيادة الذى يمثل قبلة الإحتفال بعيد الإستقلال سنوياً فى اليوم الأول من الشهر الأول من كل عام طيلة 69 عاما.

وأكد الفريق حنفي عبد الله أن عودة القصر الجمهوري إلى حضن الوطن في 21 مارس ليست هي وحدها الحدث المهم للدولة و للشعب السودانى ، و لكن أيضاً يمثل تحرير و استعادة مباني وزارات الحكم الاتحادي و الداخلية و المالية و الصحة و الزراعة و التجارة و شؤون مجلس الوزراء فى نفس اليوم أهمية قصوى لحكومة الفترة الانتقالية حيث ظلت هذه الوزارات تباشر عملها من خلال مباني مؤقتة توزعت فى عدد من الولايات ،  وظلت تدار في ظروف صعبة عبر مباني أشبه بأقسام الطوارئ في المستشفيات التى تقوم بإجراءات إنقاذ حياة المرضى الذين يصابون بأمراض طارئة و خطيرة ، مبانٍ ضيقة لا تسع العدد الضخم من الإدارات العامة و الأقسام و الأفرع التى توجد فى الهيكل التنظيمى لكل وزارة، مبانٍ تحتوي فقط على أثاثات مكتبية (ترابيز و كراسى و دواليب) لإدارة أعمال الوزارات و لكنها تفتقر لكل متطلبات تسيير العمل الإداري و الفني التي كانت متوفرة لهذه الوزارات في مقراتها الرئيسية من شبكات الإتصال و الشبكات الرقمية و شبكات الانترنت المطلوبة للعمل الإداري و الفني بالوزارة.

وقال ”  ومن المفارقات , وفي مفاجأة غير متوقعة، اكتشفت قوات الجيش السوداني، عقب استلامها القصر الجمهوري وعدد من الوزارات السيادية ،أن معظم المكاتب أصبحت خاوية تمامًا من الأثاث الفاخر المصمم بمواصفات عالية الجودة. ووفقًا لمصادر مطلعة، فإن المليشيا التي كانت تسيطر على القصر والوزارات، أقدمت على إحراق الأثاث تدريجيًا على مدار 707 أيام، واستخدمته كحطب للطهي لوجبات الطعام  لعدة آلاف من عناصرها , بسبب انعدام مصادر الوقود، مثل الفحم أو الغاز، داخل القصر.

تحرير القصر بداية لتحرير كل الوطن

وشدد علي أن تحرير القصر بمثابة بداية لتحرير كل الوطن، وذلك لرمزيته التاريخية، كما إنّها النهاية الرسمية لمخططات الميليشيا وداعميها بسيطرة القوات المسلحة على مركز قيادة القرار السوداني ورمز عزته , مشيرا إلي ان هناك منظمات إقليمية ودولية كانت تتمنى أن يظل احتلال القصر في يد التمرد لزمنٍ طويلٍ، وذلك حتى تواصل في تصنيفها توصيف الجيش العريق بطرف مقابل الميليشيا، واتضح  الآن للمجتمع الإقليمي والدولي  فعليا وعمليا ,أنّ الجيش يمثل سيادة، وإلى أنّ تحرير القصر سيقود لتغييرات سياسية كبيرة جدًا.

وقال ” إن إحكام السيطرة على القصر الجمهوري يُعد نقطةً فارقةً في معركة الكرامة، وهي تمهد لمرحلة مهمة تأكدت فيها بما لا يدع مجالاً للشك، قوة إرادة القوات المسلحة السودانية والقوات المساندة لدحر التمرد, وتحمل خطوة تحرير صرح السودان ومركز القرار دلالاتٍ مهمة، حيث إنّه على المستوى السياسي يمثل تقدم الجيش وتحريره للقصر تعزيزًا لموقفه التفاوضي في أي عملية سياسية مستقبلية، كما أنه  قد يعيد حسابات القوى الإقليمية والدولية بناءً على موازين القوة الجديدة، خاصة الدول التي تدعم أو تتوسط لإنهاء النزاع. وفي المبدأ , يُعدُ هزيمةً كاسحةً للمليشيا، وبمثابة النهاية الفعلية لها و أنّ جملةً من المتغيرات ستطرأ بالمشهد عقب الانتصار الكبير، حيث إنّه من المتوقع على المستوى السياسي انهيار مجموعة آل دقلو بشكلٍ كاملٍ، لجهة أنهم كانوا يحتفظون بهذا المبنى التاريخي منذ بداية الحرب، وبتحريره فقدت الميليشيا هذه الميزة. كما إنّها قد تسهم بشكلٍ كبيرٍ بالتعجيل بتشكيل حكومة تنفيذية جديدة، مع بدء استكمال تحرير  العاصمة الخرطوم  والتي لم يتبقى منه الا جيوب في امدرمان وجنوب الخرطوم , بعد استكمال السيطرة الكاملة لمحافظة الخرطوم بحري.

نقلة عسكرية كبيرة

وشدد علي أن تحرير القصر الجمهوري والوزارات السيادية ووسط الخرطوم, سيشكل نقلة عسكرية كبيرة لكنه ليس نهاية الحرب، وهو ما يعني انشغال القيادات العسكرية بمعارك كسر عظم الميليشيا في  جيوبي المناطق التي ما زالت تحتفظ بها خلال المرحلة القادمة، مما يتطلب الإسراع بتسمية رئيس وزراء لقيادة وتفعيل الأداء التنفيذي بالدولة، و أن هذه الخطوة أصبحت أقرب من أي وقتٍ مضى بعد تحرير القصر برمزيته العالية كمقر للحكم وسيادة البلاد فضلا عن الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى . وفرض سيطرة الجيش السوداني على وسط العاصمة الخرطوم ومنطقة الوزارات والمؤسسات الاتحادية والامانة العامة لحكومة ولاية الخرطوم تنتهي المرحلة الاخيرة لمنظومة العمليات الاستراتيجية في معركة الكرامة حيث كانت المرحلة الاولى عملية تحرير الاذاعة والتلفزيون ومحلية امدرمان ، والثانية تحرير مصفاة الجيلي للبترول ، والثالثة فك الحصار عن القيادة العامة وتحرير محليتي بحري وشرق النيل .

وتوقع الفريق حنفي عبد الله ان  انتهاء منظومة العمليات الاستراتيجية سيتبعه عدد من التحولات الكبرى في المشهد , منها  انحسار في تناول الاخبار عن السودان بعد ان تصدر خبر الحرب السودانية (تريند) الاخبار في وكالات الانباء والقنوات الفضائية العالمية والاقليمية..وتحول المعركة الى تحرير ولايات دارفور وبعض الجيوب في كردفان, و اتجاه اصطفاف (الرماديون) و ما يعرف سودانيا بـ(خاطف لونين) من القوى والشخصيات السياسية  للاتجاه باعلان مناصرة الجيش السوداني.. وحدوث اضطرابات  سياسية ومواجهات عسكرية ببعض دول الاقليم والجوار السوداني.. مع محاولات اقليمية ودولية لتصعيد الضغوط الاممية لفرض نوع من الحلول التفاوضية بدعاوى انتهاء الحرب والتحول الديموقراطي..

كما توقع  كذلك , تحول المليشيا الى مجموعات من العصابات وقطاع الطرق لخلق نوع من حالة  عدم الأمن في مناطقها واحداث الفرقعات الاعلامية.. وتفرغ الحكومة السودانية لبناء حكومة تكنوقراط برئاسة رئيس لمجلس الوزراء لتسهيل عملية استعادة استئناف المؤسسات اعمالها من الخرطوم.. والالتفاف الى حسم التفلتات الامنية وحفظ الامن  الداخلي وحماية المدنيين والممتلكات العامة والخاصة.. والاتجاه الى بناء حائط صد منيع في مواجهة القوى السياسية التي ناصرت وتعاونت مع المليشيا .وبدء مرحلة اعادة الاعمار لما خربته الحرب.

إقرأ المزيد :

الدكتور عبد الناصر سلم حامد يكتب : لماذا لا يقصف الجيش السوداني كوبري جبل أولياء؟ .. قرار عسكري محسوب… بين المكاسب التكتيكية والخطر الإقليمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »