أخبار عاجلةالرأي

الكاتب الغيني محمد قطرب باري يكتب : رسمنة لغة هوسا في النيجر ( انطِلاقَةٌ جَدِيدَةٌ فِي دَفْنِ لُغَةِ الكُولُونِيَالِيَّةِ )

لا يَمْترِي عنْزانِ، ولا يتجادَلُ صِنْفَانِ أنَّ اللغةَ هي أداةٌ للتواصلِ بين الشعوبِ، وهي الوسيلةُ لاكتسابِ معرفةٍ ما، واكتشافِ ثقافةٍ معينةٍ، ولكن سحبُ اللغةِ الفرنسيةِ التي كانت اللغةَ الرسميةَ في النيجر وتبديلُها إلى اللغةِ الهوساويةِ، هي خطوةٌ محمودةٌ وانطلاقةٌ جديدةٌ نحو يقظةٍ فكريةٍ أفريقيةٍ وصحوةٍ إيديولوجيةٍ بعد عقودٍ من الدهرِ في استخدامِ اللغةِ الفرنسيةِ في أطرِ المؤسساتِ داخلَ الحكومةِ النيجريةِ.

في إطارِ التغييرِ المنشودِ، واقتراحِ البديلِ الحضاريِّ للتنميةِ المستدامةِ الأفريقيةِ الحرةِ، لقد أصدرتِ الحكومةُ الانتقاليةُ النيجريةُ في 31 مارس الماضي لعامِ 2025م تقريرًا رسميًّا حولَ رسمَنةِ “لغةِ هوسا” لتكونَ هي اللغةَ الأولى على صعيدِ البلدِ، مما يؤكدُ على بدايةِ خطوةٍ جديدةٍ في كتابةِ صفحةٍ تاريخيةٍ جديدةٍ في النيجر.

في الدستورِ الجديدِ الذي يُسمّى “La nouvelle Charte de la refondation” (transition)
معنى ذلك: “ميثاقُ إعادةِ التأسيس” (في مرحلةِ الانتقالِ)، هذا الميثاقُ يحملُ قيمةَ الدستورِ، والذي أُصدرَ في 26 مارس بواسطةِ رئيسِ الجمهوريةِ جنرالِ عبد الرحمن تشياني، رئيسِ النظامِ العسكري، معلنًا فيهِ تغييرَ اللغاتِ الرسميةِ للبلادِ.
“اللغةُ الوطنيةُ هي الهوسا” و”لغاتُ العملِ هي والإنجليزيةُ والفرنسيةُ “، كما ينصّ المادةُ 12 من هذا الميثاقِ الذي نُشرَ في إصدارٍ خاصٍ من الجريدةِ الرسميةِ (JO) بتاريخ 31 مارس.
تُعتبرُ تسعُ لغاتٍ أخرى، بما في ذلك الزارما-صونغهاي، والفولفولدي (البيول)، والكانوري، والغورمانشي، والعربية “اللغاتُ المتحدثُ بها في النيجرِ”، وفقًا للميثاقِ.

تشيرُ الإحصائياتُ إلى أن النيجر تضمُّ 13% من الناطقينَ بالفرنسيةِ، أي أكثرَ من 3 ملايينِ نسمة. وتُعدُّ الهوسا اللغةَ الأكثرَ تحدثًا في البلادِ التي يبلغُ عددُ سكانها 26 مليونَ نسمةٍ، خاصةً في مناطقِ زندر ومارادي (الجنوبِ الأوسط) أو في تاهوا (الغربِذ) تتجاورُ هذه المناطقُ مع دولٍ فدراليةٍ في نيجيريا حيثُ يوجدُ أيضًا ملايينُ الناطقينَ بالهوسا”.

والجدير بالذكر، الإستعمارُ فرضَ على المؤسساتِ الأفريقيةِ لغاتٍ غربيةً لتكونَ لغاتٍ رسميةً في مؤسساتِنا الحكوميةِ والإداريةِ والإقليميةِ منذ فجرِ الاستقلالِ. من بينِ تلكَ اللغاتِ “اللغةُ الفرنسيةُ”، التي كانتْ، ولا تزالُ هي اللغةَ الرسميةَ في 99% من بلدانِ الفرنكوفونيةِ. والإنجليزيةُ تعتبرُ أيضًا لغةً رسميةً في بلدانِ الأنجلوفونيةِ، والبرتغاليةُ تعتبرُ لغةً رسميةً في الدولِ المستعمَرةِ من قِبَلِ البرتغالِ كغينيا بيساو، والإسبانيةُ أيضًا نفسُ الشيءِ.

لا شكَّ أنَّ الاستعمارَ الغربيَّ هيمنَ على بلادِ أفريقيا على مختلفِ الأطراف، ومن بينها هيمنةُ الثقافاتِ الوافدةِ، واللغةُ التي تُعدُّ أداةً من أدواتِ الهيمنةِ على الشعوبِ كانتْ ولا تزالُ لغاتُ الغربيةِ حيّةً في حكوماتِنا رغمَ أنَّ للأفارقةِ لغاتٍ متعددةٍ لبعضِها حروفٌ مكتوبةٌ وحيَّةٌ تسعى.
وعندما يتمكَّنُ الغربُ من رسمةِ لغتهِ في أيّةِ دولةٍ، ستصبحُ ثقافةُ الغربيةِ متجذِّرةً في المناهجِ الدراسيةِ، والنُّظمِ التعليميَّةِ، وهذا واقعٌ مشهودٌ وأقربُ دليلٍ شاهدٍ في أُطرِ المؤسساتِ في بلدانِ الأفارقةِ السود.

الاعتمادُ على اللغاتِ الأفريقيةِ خطوةٌ لا بدَّ منها، لأنَّ الأمةَ التي تعتمدُ على لغاتِ الاستعمارِ ستظلُّ مستعمَرةً وإن ادَّعتْ أنها مستقلةٌ، فالهيمنةُ اللغويةُ الوافدةُ لا تقلُّ خطورةً عن الهيمنةِ الاقتصاديةِ والعسكريةِ، والتاريخُ يؤكدُ أنَّ جلَّ الأممِ العظمى اعتمدتْ على نفسها وعلى لغاتها، على سبيلِ المثالِ: روسيا، والصين، واليابان، وإندونيسيا، وماليزيا، وكوريا الجنوبية والشمالية، وتركيا، وسنغافورة، الخ…
كلُّ هذه الدولِ تستخدمُ لغاتها الخاصةَ وتستثمرُ في تطويرِها عبرَ الابتكارِ العلميِّ والبحوثِ العلميةِ، وما المانعُ لنا نحنُ الأفارقةَ في جنوبِ الصحراءِ أنْ نعتمدَ على لغاتِنا الأفريقيةِ المحليةِ الخالصةِ؟ قد يقولُ قائلٌ: لأنَّ لغاتنا لم تحظَ باعتناءٍ وتطورٍ كبيرٍ…

طيب، لقد حانَ الوقتُ لنهتمَّ بلغاتِنا وتطويرِها، والجديرُ بالتأكيد أنَّ هناكَ لغاتٌ أفريقيةٌ تتطورُ كحروفِ أنكوN’ko التي نالتْ إقبالًا واسعًا عند أهلِها، دراسةً ومدارسةً، وكذلك حروفُ أدلم (Adlam) التي هي اللغةُ الفولانية، هذه اللغةُ أيضًا لها اهتمامٌ كبيرٌ عند المهتمينَ بها، وقبلَ فترةٍ قليلةٍ تمَّ اعتمادُها في Microsoft ميكروسوفت، وأصبحتْ بينَ اللغاتِ المعتمدةِ في غوغل،وكذلك لغةُ الفوريّة التي تعد من اللغاتِ الأفريقيةِ الحيَّةِ كتابةً ونطقًا.

” الأمةُ التي تهملُ وتهمشُ لغتَها ستصبحُ خادمةً للغةِ الآخرين ” .

  • محمد قطرب باري .. كاتب غيني ومهتم بالقضايا الأفريقية .

إقرأ المزيد :

عمر مختار الأنصاري يكتب : أي لغة محلية تستحق أن تخلف الفرنسية في النيجر؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »