أخبار عاجلةالرأي

رامي زهدي يكتب :  15 أبريل 2025 .. عامان على الحرب في السودان: الخسائر الاقتصادية هائلة ونزيف لا يتوقف

يمر اليوم عامان كاملان على اندلاع الحرب في السودان، تلك الحرب التي انطلقت شرارتها في 15 أبريل 2023، بين طرفين من مكونات السلطة الانتقالية السابقة احداهما شرعية وهي القوات المسلحة السودانية والثانية منشقة وغير شرعية وهي ميليشيا الدعم السريع، لتتحول البلاد منذ ذلك التاريخ إلى ساحة صراع مسلح دموي، دمّر كل ما تبقى من مؤسسات الدولة، ومزق النسيج الاجتماعي، وحوّل طموحات الشعب السوداني نحو الاستقرار والتنمية إلى سراب.. لكن ما لم يُسلط عليه الضوء بما يكفي هو حجم الخسائر الاقتصادية الهائلة التي ترتبت على هذه الحرب، لا فقط في حاضر السودان، بل في مستقبله لعقود قادمة.

“الاقتصاد السوداني قبل الحرب وبعده.. هشاشة مزمنة”

لم يكن السودان قبل اندلاع الحرب يعيش حالة من الازدهار الاقتصادي، بل كان يعاني من:

تراجع الناتج المحلي الإجمالي.

اعتماد شبه كلي على القطاعات غير المنظمة.

تآكل البنية التحتية.

محدودية الاستثمارات الخارجية.

ارتفاع معدلات البطالة.

تدهور العملة الوطنية (الجنيه السوداني) بفعل غياب الثقة، وقلة احتياطات النقد الأجنبي.

لكن رغم ذلك، كانت هناك بعض بوادر الأمل بعد سقوط نظام البشير، تمثلت في محاولات لجذب التمويل الدولي وفتح المجال أمام مؤسسات دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد, هذه المحاولات وأي خطوات نحو الإصلاح الاقتصادي تم تدميرها بالكامل مع اندلاع الحرب.

“الخسائر الاقتصادية خلال عامين من الحرب”

علي مستوي القطاع المصرفي، حدث توقف شبه كامل للمصارف عن العمل، وخاصة في الخرطوم وولايات النزاع، وفقدان للثقة في النظام البنكي، وكذلك تزايد الاعتماد على الاقتصاد النقدي غير الرسمي، إضافة إلي تدمير مقار بنوك كبرى وسرقة محتوياتها، وفقدان كميات ضخمة من النقد المحلي والأجنبي من الفروع التي تم الاستيلاء عليها.

بينما في القطاع الزراعي، وعلي الرغم من أن السودان يملك ما يزيد عن 100 مليون فدان صالحة للزراعة، لكن الحرب شلت هذا القطاع، إضافة الي النزوح الجماعي من مناطق الإنتاج الرئيسية، وخاصة في الجزيرة والنيل الأبيض وكردفان، وكذلك خسارة موسمين زراعيين متتاليين (2023 و2024)، بالتوازي مع ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة تفوق 200% في بعض المناطق.

وعلي مستوي قطاع الثروة الحيوانية، والتي يُعتبر السودان في هذا القطاع من أكبر الدول الأفريقية في أعداد الثروة الحيوانية، لكن وبسبب الحرب، نفقت ملايين الرؤوس، وتم تهريب أعداد كبيرة  وبالتالي خسائر مباشرة تقدر بأكثر من 3 مليارات دولار خلال عامين.

وفي قطاع الطاقة والتعدين، تعطلت معظم مشروعات استخراج الذهب، وخاصة في دارفور وجنوب كردفان، وتعرضت منشآت نفطية في غرب كردفان للتخريب، وحدثت خسائر في صادرات الذهب تقدر بأكثر من 5 مليارات دولار.

وفي قطاع شديد الحيوية والأهمية وهو النقل والبنية التحتية، تم تدمير الطرق والكباري الحيوية، ومنها طرق تربط الخرطوم بميناء بورتسودان، وتوقف حركة الطيران المدني بشكل شبه كامل اما محطات الكهرباء والاتصالات فقد شهدت هجمات متكررة، مما أدى لانهيار الخدمات في مدن كاملة.

كذلك في ملف النزوح الداخلي والخارجي، تم نزوح أكثر من 10 ملايين سوداني داخل البلاد وخارجها، وهؤلاء كانوا يشكلون قوة العمل الأساسية وكذلك قوي الإستهلاك والإنفاق، ما يعني خروجها من دائرة الإنتاج والأنفاق، وعلي الرغم ان تحويلات السودانيين بالخارج ارتفعت لكنها لا تغطي سوى جزء بسيط من الخسائر.

وعن العملة والتضخم،الجنيه السوداني فقد أكثر من 70% من قيمته خلال عامين، والتضخم تجاوز 400% في بعض الفترات، وهو من الأعلى عالميًا، واصبحت السوق السوداء للعملة هي القناة الرئيسية للتعاملات.

وفي المقابل وفيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي، حدث هروب تام لرؤوس الأموال الأجنبية، وانسحاب كامل للمؤسسات الدولية المانحة، وكذلك تجميد لأي مفاوضات مستقبلية بشأن إعفاء ديون السودان المقدرة بـ 60 مليار دولار.

“الخسائر الاقتصادية في المستقبل القريب”

يعاني السودان من يقين من فقدان الأمل في تعافٍ سري،حتى لو توقفت الحرب الآن، فإن إعادة بناء ما تهدم يحتاج لعشرات المليارات من الدولارات، إضافة لضعف المؤسسات، وانهيار نظام الدولة، والذي سيعقد جهود إعادة الإعمار.

كذلك، صعوبة العودة للاستثمار الخارجي، فالسودان بات ضمن الدول عالية المخاطر، مما يجعل أي مستثمر يحجم عن التواجد، ولاسيما البيئة القانونية والتشريعية التي كانت ضعيفة باتت الآن معدومة.

وأصعب وأقسي الخسائر هي نتاج لجيل ضائع اقتصاديًا وتعليميًا، فالملايين من الأطفال خارج المدارس دون تعليم، وهذا سينعكس على سوق العمل لعقود ، والاقتصاد السوداني سيفتقد لأجيال كاملة من الكفاءات المؤهلة والمتعلمة.

أيضا، توسع الاقتصاد الحربي والاقتصاد الموازي،حيث أن جماعات مسلحة باتت تدير موارد اقتصادية كاملة، من تجارة سلاح وحتى الذه، وهذه الكيانات ستُعيق إعادة توحيد الاقتصاد تحت مظلة الدولة.

“الحاجة إلى مبادرة اقتصادية شاملة للسلام”

لابد من التفكير اليوم في أن السلام في السودان لن يكون حقيقياً ما لم يُبنى على رؤية اقتصادية شاملة، قد تشتمل علي إطلاق صندوق دولي لإعادة الإعمار، وإعداد خريطة طريق لإعادة الثقة في المؤسسات المالية، بالتوازي مع ضمانات إقليمية ودولية للاستثمارات.

وأيضا، تمكين المجتمعات المحلية من إدارة مواردها بشفافية وعدالة، والعمل علي استعادة قدرات السودان الزراعية كمصدر دخل أول.

وأيضا السعي نحو تحقيق رؤية تعاونية بين السودان ودول الجوار بقيادة مصر لكونها الجار الأكثر اتصالا بالسودان والأكثر جدية وسعي لدعم الشعب السوداني، بحيث تبني هذه الرؤية علي اطار قوي لدعم اقتصاد السلام.

أخيرا، ربما تكون السياسة هي محرك الحرب في السودان، لكن الاقتصاد هو قلب الدولة النابض .. والواقع أن الخراب الاقتصادي الناتج عن الحرب لا يعيد بناءه سوى توافق داخلي صادق وإرادة خارجية شريفة تضع مصالح الشعب السوداني أولاً. السودان بلد غني بثرواته، عريق بشعبه، وله موقع استراتيجي لا يعوّض.. ويبقى الأمل قائماً في أن تكون هذه السنوات العجاف هي الثمن الأخير قبل نهضة شاملة.

 

  • رامي زهدي – خبير في الشؤون الأفريقية والسياسية والاقتصادية

إقرأ المزيد :

رامي زهدي يكتب: المعادن الحيوية في إفريقيا.. محط أنظار واشنطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »