أخبار عاجلةالرأي

رامي زهدي يكتب : التعاون المصري الإفريقي يحتاج إلى إدارة .. دعوة لتأسيس هيئة مصرية تنفيذية للتعاون الإفريقي

شهدت السنوات الأخيرة عودة قوية للدور المصري في إفريقيا، تجلى في جولات وزيارات مكوكية للرئيس المصري وقادة الدولة إلى العواصم الإفريقية، ومشاركة فاعلة في قمم الاتحاد الإفريقي ومبادراته، إضافة إلي انخراط أكبر في ملفات التنمية والبنية التحتية والطاقة في القارة.

وكذلك دعم سياسي وإنساني لكل الدول الإفريقية التي تمر بأزمات، بالتوازي مع دور مصري متنامٍ في تدريب الكوادر الإفريقية واستضافة المؤتمرات، ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، فإن الإنجاز يظل دون الطموح، نظرًا لغياب كيان مؤسسي موحد يدير هذا التوجه بشكل احترافي ومنهجي.

ملفات التعاون الإفريقي في مصر موزعة بين وزارات وهيئات مختلفة: الخارجية، التعاون الدولي، التجارة والصناعة، الاستثمار، وزارة قطاع الأعمال، وزارة الثقافة، وزارة الشباب والرياضة، الأزهر، الكنيسة، وغيرها.

وهذا التوزيع الواسع، رغم أهميته والتقدير العظيم له ، إلا أنه ينتج عنه تشتت الرؤية وتداخل في الأدوار، وغياب آليات تنفيذ واضحة أو جهة واحدة مسؤولة عن قياس أثر وتقدم التعاون المصري مع دول إفريقيا، وبالتالي تتعاظم الفرص المهدرة بسبب غياب الإدارة الموحدة الفاعلة، فقد يحدث أنه اتفاقيات تعاون تُوقّع، ثم تُركن دون متابعة أو تنفيذ .. بعثات ومبادرات تنطلق، ثم تفقد الزخم لانعدام التنسيق.

فعاليات ضخمة بلا استثمار حقيقي لنتائجها وكان يمكن البناء علي نتائجها، وكذلك ضعف التواجد المصري في بعض المناطق الاستراتيجية بالقارة مثل غرب إفريقيا أو منطقة البحيرات الكبرى.

بينما يوجد في العالم نماذج يمكن استلهامها رغم اختلاف الأدوات وهي أقوي وأكثر فاعلية بالنسبة للدولة المصرية، الصين مثلا أنشأت “الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي”، لتكون مسؤولة عن كل ملفات المساعدات والعلاقات التنموية مع إفريقيا.

تركيا تدير علاقتها مع إفريقيا من خلال “تيكا” TİKA – وهي وكالة حكومية ذات طابع تنفيذي مباشر.

مصر – برؤيتها الحالية – تستحق جهازًا تنفيذيًا مماثلًا، يعبر عن عمقها الإفريقي، ويدير مصالحها بشكل استراتيجي.

 ما الخيارات الممكنة لمصر؟ وما الذي نستفيده من تجارب الآخرين؟”

لمصر ثلاثة مسارات ممكنة لإقامة كيان تنفيذي محترف للتعاون مع إفريقيا :

1. تأسيس هيئة تنفيذية مستقلة للتعاون مع إفريقيا:

تشبه الهيئة العامة للاستثمار أو هيئة قناة السويس. تملك شخصية اعتبارية، وتخضع مباشرة للقيادة السياسية أو لمجلس الوزراء. . تقوم بإعداد الخطط، ومتابعة المشروعات، والتنسيق بين الوزارات، وبناء قاعدة بيانات موحدة عن القارة.

2. إنشاء وزارة إفريقية مستقلة:

تُعنى حصريًا بالتعاون الإفريقي في كافة مستوياته: السياسي، الاقتصادي، الثقافي، الأمني، وتُفصل عن ملفات التعاون الدولي الأوسع .. يكون لها فروع في بعض الدول الإفريقية المهمة ومكاتب تنفيذية تتبعها في القاهرة والمحافظات الصناعية والزراعية.

3. تأسيس “مكتب التعاون الإفريقي” في رئاسة الجمهورية:

يحمل صبغة رئاسية، ويُمنح صلاحيات تنفيذية عليا، ليقود الرؤية الشاملة للدولة تجاه إفريقيا .. يتميز هذا الخيار بالقدرة على فرض التنسيق بين الجهات المختلفة ومتابعة التنفيذ بأقصى سرعة.

وهنا لا بد أن نُشير إلى تجارب ناجحة لدول شقيقة في الخليج العربي طبّقت بالفعل هذا النموذج:

– المملكة العربية السعودية أنشأت كيانات مؤسسية قوية مثل “الصندوق السعودي للتنمية” و”البرنامج السعودي للتنمية والإعمار”، والتي خصصت جزءًا معتبرًا من أنشطتها لدول إفريقيا، بخطط واضحة وتمويل مستدام وشراكات مباشرة مع الحكومات الإفريقية.

– دولة الإمارات العربية المتحدة أسست عبر مؤسسات مثل “مبادرات محمد بن زايد” و”صندوق أبوظبي للتنمية” و”موانئ دبي العالمية”، منظومة شراكات استراتيجية مع دول إفريقية، خصوصًا في مجالات الطاقة والموانئ والزراعة والصحة، ضمن رؤية إماراتية منسقة ترتكز على الاستثمار طويل المدى والعائد السياسي والاقتصادي المشترك.

هاتان التجربتان تمثلان نموذجًا واقعيًا لنجاح الشراكة المؤسسية والتخطيط الاستراتيجي في إفريقيا، عبر كيانات تنفيذية قوية، تُدير الملفات بديناميكية عالية وتراعي التنوع الثقافي والجغرافي للقارة.

ولا مانع من أن تستلهم مصر – بما لها من ثقل وتاريخ – هذه النماذج، ولكن برؤية وطنية تعكس خصوصية دورها وعمقها الإفريقي.

لماذا هذه الهيئة مهمة الآن؟

  • لتوحيد القرار والهدف: وتفادي التضارب والتكرار بين الجهات المختلفة.
  • لتسريع عجلة التعاون: بدلًا من ترك العلاقات عند مستوى الزيارات والقمم.
  • لجذب الاستثمار الإفريقي – المصري المتبادل: من خلال جهاز مخصص يعنى بالشراكة الاقتصادية مع إفريقيا.
  • لتكريس العمق الإفريقي للهوية المصرية: في الإعلام، والثقافة، والتعليم، والشباب , لمتابعة وتنفيذ الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بدقة وسرعة.

ما هي وظائف هذه الهيئة أو الوزارة أو المكتب؟

  • رسم خارطة الطريق للتعاون المصري – الإفريقي حتى 2063.
  • إعداد تقارير دورية لمتابعة التقدم في التعاون الإفريقي.
  • اقتراح التشريعات والسياسات اللازمة لتسهيل التبادل مع دول إفريقيا.
  • إطلاق منصة إلكترونية موحدة للتواصل مع الدول الإفريقية.
  • تنسيق جهود التدريب والمنح والدعم الفني.
  • دعم الشركات المصرية الراغبة في دخول الأسواق الإفريقية.
  • بناء جسور مباشرة مع التكتلات الإفريقية (الكوميسا – الإيكواس – السادك…).

مصر في إفريقيا… إدارة المستقبل

إن تأسيس هيئة مصرية تنفيذية للتعاون مع إفريقيا ليس ترفًا إداريًا، بل ضرورة استراتيجية .. إفريقيا تتحرك، والدول تتسابق نحوها، والفرص المتاحة اليوم قد لا تنتظر كثيرًا.

نحن لا نفتقد الرؤية، بل نفتقد الجهاز الذي يحول هذه الرؤية إلى إنجاز .. نحن بحاجة إلى كيان يُدير، لا مجرد جهة تُتابع ..  كيان يُنفذ، لا يكتفي بالتوصيات .. كيان يفتح الأبواب لا أن ينتظر الفرص.

ختاماَ : ندعو القيادة المصرية – وهي صاحبة الرؤية الإفريقية الأجرأ منذ نصف قرن – إلى اتخاذ هذه الخطوة التاريخية، بتأسيس كيان مؤسسي تنفيذي يُجسد هذا الحراك الكبير ويوجهه ويُعظّمه.

فمصر لا تحتاج فقط إلى العودة إلى إفريقيا، بل تحتاج إلى أن تُدير هذه العودة بحرفية واحترافية وبُعد نظر.

  • رامي زهدي – خبير في الشؤون الأفريقية والسياسية والاقتصادية

إقرأ المزيد :

رامي زهدي يكتب :  15 أبريل 2025 .. عامان على الحرب في السودان: الخسائر الاقتصادية هائلة ونزيف لا يتوقف

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »