أخبار عاجلةالرأي

الكاتب النيجري سليمان آل مختار يكتب : إلغاء قانون تهريب المهاجرين غير الشرعيين في النيجر .. ” تحديات وعواقب”

سيرتكز حديثي على قرار النيجر بإلغاء قانون تهريب المهاجرين غير الشرعيين، ولا أخوض في الحديث عن الهجرة غير الشرعية ولا عن أسبابها أو مخاطرها على المهاجر أو على الدولة المسضيفة أو عن إيجابياتها،

إنما سأحاول الحديث عن قضية إلغاء دولة النيجر لقانون تهريب المهاجرين غير الشرعيين عبر أراضيها مبينا تحديات المتوقعة لهذا لقرار وعواقبه.

تعد دولة النيجر إحدي وجهات رئيسية لعبور المهاجرين غير الشرعيين من البلدان الأفريقية إلى الدول العربية والأوروبية أو الغربية على عقود من الزمن، حيث ظلت منطقة ” أغاديز” في شمال النيجر بوابة لتهريب المهاجرين عن طريق الجزائر وليبيا عبر البحر المتوسط إلى الدول الأوروبية والغربية، وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن هذا الطريق يشهد حركة 4000 ألف مهاجر أسبوعيا لا يحملون وثائق سفر من مختلف البلدان الأفريقية، وهذا ما دفع الاتحاد الأوروبي للضغط على النيجر بسن قانون 2015 الذي ينص على ضرب عقوبة على تهريب المهاجرين بغرامة تصل إلى 7 الآف يورو، والسجن من 5 إلى عشر سنوات للمتورطين في تسهيل تهريب المهاجرين غير الشرعيين، وقد دعم الأوروبيون هذا القانون عبر صندوقاً أنشأه الاتحاد الأوروبي خصوصا من أجل مكافحة تهريب المهاجرين غير الشرعيين، واعتمدت المنظمة الإيطالية coopi ، لتوفير مأوى للمهاجرين في قرية أسماكا في منطقة “أرايت” الحدودية مع الجزائر.

فمنذ بدايات العام الحالي قامت دولة الجزائر بترحيل حوالي 20 ألف مهاجر في ظروف قاسية إلى النيجر من شتى البلدان الأفريقية بينهم نساء وأطفال. ” حسب مصدر ” منظمة الأرم فون الصحراء لإنقاذ المهاجرين ” التي مقرها في نيامي.

وكشفت “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ” عن أن النيجر تستضيف 508,838 شخصا ممن تعني بهم المفوضية من اللاجئين يأتي غاليبتهم من دول غرب إفريقيا.

ومع هذا التوتر الذي يحدث بين النيجر والاتحاد الأوروبي بسبب انقلاب 26/07/2023، قد قرر النيجر توظيف ملف الهجرة غير الشرعية كنقطة للضغط على الأوروبيين.

وفي يوم الإثنين 27 من شهر نوفمبر أصدر المجلس العسكري مرسوما بإلغاء قانون تهريب المهاجرين، والإعفاء عن السجناء الذين ثبت تورطهم في تسهيل عبور المهاجرين غير الشرعيين من العام2015 إلى 2024، معتبرا أن هذا القانون يخالف عادات التعاون المألوفة بين البلدان المجاورة.

بعيدا عن أسباب إلغاء هذا القانون، وبعيدا عن الإعفاء لهؤلاء السجناء والمتورطين، وبعيدا عن إيجابية تسهيل عبور المهاجرين غير الشرعيين مكاسبه للفرد والمجتمع، بعيدا عن كل هذا وغيره.

أقول: إنه من تحديات هذا القرار قد يفاقم من الأزمة الداخلية الحالية، – خاصة الاجتماعية والأمنية والاقتصادية بل والسياسية أيضا – من خلال مساهمة المهاجرين في خلق شتى أنواع الجرائم التي قد تكون مهددة لخطة المستقبلية للدولة، قد يكون هذا القرار عبئا على الحكومة في سبيل تسهيل عبور المهاجرين بتكاليف كبيرة في الترتيب على تكثيف الإجراءات الحراسة والمراقبة لهم، إلى جانب النفقات التي يتم تحملها لإعتبارات إنسانية لمن تم إلقاء القبض عليهم وليس لهم من الزاد ما يكفيهم للعيش، وقد يؤدي هذا القرار إلى حدوث وفيات كثيرة في الصحراء النيجر حيث يتعرض للمهاجر أخطار في كل لحظة.

ويمكن سرد عواقب هذا القرار في النقاط الآتية:

1 – زيادة في انشار الجريمة ، قد يرتكب بعض المهاجرين عدة جرائم في دولة العبور في حال جرَّ هذا القرار لدول الجاور إلى زيادة أخذ أشد وسائل مكافحة التهريب على حدودهم مما يصعب على المهاجرين العبور على رأضيهم، فتتحول دولة تهريب المهاجرين إلى دولة المقصد؛ وفي حال ذلك قد يضطرون بعض المهاجرين للبقاء على مناطق العبور لفترة من الزمان قد تطول أو تقصر على حسب مطالبات عصابات التهريب، فقد يطالبون أحياناً بمبالغ كبيرة لتوفير متطلبات العيش من الطعام والمسكن، وقد لا تتوفر لدى المهاجر هذه المبالغ فيضطر للعمل في دولة المعبر لتوفير المال، وإن تعذر الحصول على العمل قد يباشر البعض من المهاجرين السرقة، أو اختطاف ممتلكات الناس، وقد يكون المهاجر “إمرأة” – ضعيفة – لا تستطيع مباشرة العمل أو الجرائم مثل الرجال فتجد نفسها مضطرة إلى أن تبيع حرمتها لتحصل على لقمة العيش، وقد تتحول مناطق العبور سوق المخدرات حيث كان غالبا ما، بعض المهاجرين يصحبون معهم بعضا من المخدرات فيتم بيعها في مناطق العبور، مما ينتج من ذلك زيادة انتشار أنواعا من الجرائم الاجتماعية: كثرة السرقات، اختطاف ممتلكات الناس على الطروقات، أماكن الدعارات، كثرة أولاد الشوارع، خسارة جمعا من شباب مناطق العبور نتيجة لتعاطي المخدرات، حدوث التخاصم بين المهاجرين أحيانا مما يؤدي إلى التقاتل بين الطرفين إلى غير ما هناك من الجرائم مما يسبب لانيهار الدولة اجتماعيا.

2- حدوث بعض الأمراض المعدية، فالمهاجرون غير الشرعيين – في بعض الأحيان – قد يكونون حاملين لبعض الأمراض المعدية، ودخولهم دولة التهريب بصورة غير شرعية لا يسمح بالفحص عليهم أو يتيح الفرصة للسلطات الحكومية معالجتهم أو توفير الوقاية والرعاية الصحية الخاصة لهم قد يكون سببا – لاسمح الله – في انتشار بعض الأمراض المعدية في مناطق العبور ومن ثم انتشارها في سائر الأقطار.

3- تدهور وتغير العادات والتقاليد في النيجر، والتي كانت تعد 99% من مجتمعه المسلمون، وتتفق أغلب عادات وتقاليد شعبه:

قد يسبب عبور هويات أخرى للهجرة غير الشرعية يكسب للمجتمع النيجري عادات وتقاليد غير الموروثة، ومنافية للفطرة السليمة التي تؤثر سلبيا على المجتمع. قد تحدث زيادة في مستويات التلوث في الدولة بالإضافة إلى تمركز المهاجرين في مناطق العبور.

4- قد يتأثر الأمن الوطني النيجري بسبب تهريب المهاجرين غير الشرعيين إلى حد كبير سلبيا من خلال عدم الاستقرار الامني، وذلك من خلال العديد من التحديات التي ستواجه الأمن الوطني النيجري نتيجة لهذه الظاهرة، والتي تتلخص في كل من:

أ- تمركز المهاجرون وعدم توفر متطلبات العيش لديهم، قد يعطي للعدو فرصة لاستغلالهم في شن غاراته الإرهابية، بالإضافة إلى أن المجتمع – خاصة في حدود العبور – يعيش حالة غير مستقرة لسبب تتوترت الأمنية الداخلية، ” فقد حدث في أيام الماضية في قرية ” أسماكا ” الحدودية مع الجزائر هجوم أرهابيا من قبل بعض المسلحين، ومن المعلوم أن تلك القرية مكان أساسي لتمركز المهاجرين غير الشرعيين.

ب- قد يسبب تهريب المهاجرين دخول الجماعة المسلحة مع المهاجرين، حيث يتم دخول المهاجرين تبعا لعصابات التهريب الذين يتقاضون من تهريب المهاجرين إلى وجهتهم، من خلال مراكب ويكونون على دراية تامة بالطرق البرية والثغور المخفية في مناطق العبور.

ج- قد يشكّل التهريب المستمر للمهاجرين غير الشرعيين خطرا للأمن الوطني النيجري، حيث يسهل للجماعة الإرهابية بالتوغل إلى داخل البلاد لتنفيذ أعمالها الإرهابية، مما قد يجر إلى نسج علاقات وتبادل المعلومات بينها وبين العصابات التهريب فتكون لا تتواني في ممارسة نشاطاتها الإرهابية، فمثلا ما يحدث حاليا في مناطق العبور – وخاصة قرية “بِلْما” – الحدودية مع ليبيا،قد يصدّق بعض ذلك.

ج- عدم التحكم على مراقبة تصرفات المهاجرين، مما قد يؤدي إلى عدم القدرة على السيطرة الداخلية بسبب تكاثرهم وتمركزهم في مناطق العبور.

5- التأثر الاقتصادي: قد يأثر تمركز المهاجرين غير الشرعيين في مناطق العبور للنيجر اقتصاديا، حيث قد يسبب تكاثرهم فقدان الوظائف للمواطنين في حين أنَّ المهاجرين غير الشرعيين عادةً ما يكونون مستعدين للعمل بأجرٍ منخفضٍ، فإنَّهم يأخذون الوظائف المخصصة للسكان المحليين، مما قد يكون محبطاً للمواطنين الذين لا يستطيعون الحصول على الوظائف، وقد ينتج من ذلك تفاقم ظاهرة البطالة في مناطق العبور – وخاصة التسول من قبل بعض المهاجرين فإن مدينة “أرليت” تشهد مجموعة من المتسولين المعروفين ب: yan kantché. [ وهم مجموعة من بقايا المهاجرين الذين تمركزوا هناك]، ومن جهة أخرى قد يسبب تمركز المهاجرين إلى حدوث الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، كالتي لا تخضع للرقابة الحكومية، سواء قانونية كانت أو غير قانونية ولا تدخل مدخلاتتها ولا مخرجاتها في حسابات الدولة ولا يعلن عنها للإدرات الضريبية.

6- التأثر السياسي: قد يخشى للنيجر على النمو المتزايد لتمركز المهاجرين غير الشرعيين في مناطق العبور، أن ينتج ذلك إلى تكوين أقليات، وتكتلات يسهل توجيهها ضد الدولة، أو يشويه سمعتها، أوتحقير إنجازتها في مجال معين، أو خلق أكاذيب وقصصا مغلوطة عنها في المجتمعات الهدف، كما يلاحظ وجود بعض أيادي الأجنبية في خلق المشاكل الداخلية التي تحدث في النيجر.

ومن خلال ما تقدم يتضح أن إلغاء النيجر لقانون تهريب المهاجرين غير الشرعيين قد تؤثر عواقبه – لا سمح الله – على الدولة سلبا اجتماعيا وأمنيا واقتصاديا وسياسيا.

وختاما أقول: لست ضد الهجرة غير الشرعية؛ لأنها رغم مخاطرها إلا أنها تخلو من فوائد إيجابية تعود للمهاجر وللدولة المسضيفة، ولست ضد مكاسب المهربين للمهاجرين غير الشرعيين؛ لأنه حسب تعبير أحد الداعمين لعملية التهريب: أن هذا القانون يتعارض مع حرية الأشخاص والبضائع ويحول بينهم وبين أرزاقهم، ولست ضد قرار دولةالنيجر؛ بل على العكس أشجعه وأحترمه بشدة؛ لأنه إذا كانت الدولة تريد أن تحرر نفسها من قيود العبيودية وتكسب لنفسها قيمة واحتراما لا بد أن تكون صاحبة قرارتها دون توجيه أجنبي.

لكن مع كل ماسبق إلا أن قضية تهريب المهاجرين غير الشرعيين قضية تتسم بتعقيدات جدا تتطلب حلولا حكيمة وشاملة متكاملة لا تتم بين ليلة وضحاها، بل إنها تستلزم تعزيز التعاون الدولي والإقليمي لمعالجة أسباب عملية تهريب المهاجرين في الدولة المصدرة للهجرة، و دولة المعبر والدولة المسضيفة للمهاجرين؛ وذلك عبر التعاون والتعاضد للقضاء على أسباب الهجرة وعملية التهريب من خلال تحسين المستوى الاجتماعي والأمني والاقتصادي والسياسي، وتوفير فرص العمل للشباب والتي تعتبر الهدف الأساسي من وراء الهجرة و عملية تهريب المهاجر.

تشجيع الحوار الاجتماعي حول قضايا تهريب المهاجرين وإحضار التحديات والعواقب التي قد تؤثر سلبيا على دولة المتركز ودولة المعبر ودراستها والبحث عن حلول شاملة متكاملة.

* سليمان متار مالم يحيى آل مختار كاتب من دولة النيجر.

اقرأ المزيد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »