السفير دكتور صلاح حليمه يكتب: العلاقات المصرية الجيبوتية .. فرص وآفاق أرحب

تكتسب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لجيبوتي ولقاءاته مع الرئيس الجيبوتي عمر جيله ، وخاصة في هذا التوقيت أهمية بالغة ، حيث تشهد منطقتا البحر الاحمر والقرن الإفريقي ، تطورات خطيرة وأحداث جسام ، تحمل في طياتها مغزي عميق واضح الدلالة ، ، من حيث الارتباط الوثيق بالأمن والاستقرار وشيوع السلام في المنطقتين ، وما تستوجبه من سبل مواجهة هذه التطورات وتلك الأحداث.. وهو أمر يمكن أن يتحقق عبر تبني استراتيجية تنطلق من تنامي وتعاظم أطر التعاون بين دول المنطقتين سواء علي مستوي العلاقات الثنائية ، أو سواء علي مستوي العلاقات المتعددة الأطراف بالالتزام بثوابت ومحددات ورؤي للإسهام في فض النزاعات وتسوية الأزمات .. واقع الأمر أن هذه التطورات وتلك الأحداث بما تشكله من مخاطر وتحديات ، تفرز تداعيات قوية تمس الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي في نطاق تلك المنطقتين .
وفي التقدير أن تلك الزيارة علي ضوء ما تقدم تأتي في ارتباط وثيق بما شهدته الأشهر القليلة الماضية من تحرك استراتيجي مصري إيجابي وبناء نحو إقامة شراكة استراتيجية أساسها التعاون الاستراتيجي على كافة المحاور الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية مع كل من الصومال وإريتريا ، سواء علي المستوى الثنائي بين مصر وكل منهم أو المتعدد في نطاق منطقتي البحر الاحمر والقرن الافريقي ليصبح التعاون الثلاثي بينهم رباعيا بانضمام جيبوتي ولو ضمنيا ، خاصة وأن الدول الأربع أعضاء في مجلس الدول العربية والافريقية المتشاطئة علي البحر الاحمر وخليج عدن ، كما أنهم أعضاء في كل من الجامعة العربية والاتحاد الافريقي .
تقع جيبوتي بمنطقة القرن الافريقي علي الشاطئ الشرقي لأفريقيا ، وعلي الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب ويفصلها مضيق باب المندب عن شبه الجزيرة العربية ، مثلما تقع جيبوتي في الجانب المقابل لليمن عبر البحر الاحمر حيث تبعد عنه بحوالي 20 كم متر مربع ، وهي بذلك تعد البوابة الجنوبية لقناة السويس . وتتمتع في هذا الصدد بموقع حاكم في إطار منطقتي البحر الاحمر والقرن الافريقي ، بنفس أهمية موقع اريتريا في اتصال بموقع الصومال الحيوي الحاكم علي مدخل البحر الاحمر وخليج عدن ، وتأتي مصر بموقعها الجغرافي الفريد والمتميز قلب العالم القديم وواسطة عقده وبشريانها المائي الحيوي عصب حركة الملاحة البحرية الدولية ، خاصة وان المنطقتين تموجان بقواعد عسكرية ثابته لدول ومنظمات إقليمية ودولية ـ جيبوتي بها ما يقرب من تسع قواعد ـ وأخري متحركة تشمل العديد من الاساطيل البحرية التي تجوب كل منهما ، ولمصر اسطول بحري في الشمال وآخر في الجنوب ، ولأثيوبيا اسطول بحري بالجنوب تم تحديثه مؤخرا من جانب فرنسا .
وعلي نفس النمط الذى شهدته العلاقات المصرية مع كل من الصومال وإريتريا في الاطارين الثنائي والمتعدد ، تم ترسيخ دعائم التعاون الاستراتيجي مع جيبوتي ، علي المحاور الاربعة مع الاختلاف في التفاصيل بما يتسق وإمكانات وقدرات كل منها .. تضمن المحور الأمني العسكري مكافحة الإرهاب ، والفكر المتطرف ، تدريب الكوادر العسكرية ،حماية البحر الاحمر من الإرهاب وعمليات القرصنة والاهتمام بالأمن المائي ، والأمن الغذائي .
ولعل أبرز ما تم التوافق عليه في هذا الصدد أن الامن والاستقرار في منطقة البحر الاحمر مسؤولية الدول المتشاطئة عليه ( بمفهوم الدول الأعضاء في مجلس الدول العربية والافريقية ) .. وعلي المحور السياسي ، حيث القي العدوان الإسرائيلي علي غزة والتصعيد العسكري الاسرائيلى تجاه دول عربية بظلال كثيفة علي الأمن والاستقرار بالمنطقتين وعلي حركة الملاحة الدولية ، تبلور الموقف في إدانة تجدد العدوان الاسرائيلي ، والتمسك بضرورة وقف إطلاق النار بمراحله الثلاث ، وربطه بأفق سياسي محوره الأخذ بحل الدولتين في اطار قرارات الشرعية الدولية ، ومطالبة ترامب والمجتمع الدولي بالضغط علي إسرائيل لتنفيذ الخطة المصرية العربية لإعادة اعمار غزة .مع التأكيد علي رفض التهجير القسري تحت أي مسمي .
وبالنسبة لتطورات الازمة السودانية ، التأكيد علي وحدة السودان وسلامته الإقليمية ، ورفض فكرة الحكومة الموازية ، المحافظة على مؤسسات الدولة الوطنية ، وضرورة الانخراط في عملية سياسية شاملة لكافة القوي السياسية ، معالجة الاوضاع الإنسانية بنفاذ المساعدات .. وفي جنوب السودان ، دعوة للأطراف لتجنب التصعيد وحل الخلافات بالطرق السلمية ، وبالنسبة للصومال ،دعم الامن والاستقرار ووحدة الصومال وسلامة أراضيه ، وتعزيز المحافظة علي مؤسسات الدولة ، وقدرات الحكومة الفيدرالية علي مواجهة تحديات مواجهة الإرهاب ، الالتزام بالإسهام بقوات البلدين في بعثة الاتحاد الافريقي لدعم واستقرار الصومال .. وتوافقت المواقف بالنسبة لسوريا علي دعم مؤسسات الدولة الوطنية واستقرارها ، رفض كل أشكال العنف ، تدشين عملية انتقالية شاملة تضم كافة الأطراف .
كما جاء الاهتمام بالاتحاد الأفريقي من حيث التعاون لتنفيذ أجندة 2063 ، وخاصة جهود السلم والامن وإعادة الاعمار فيما بعد النزاعات .. وحشد الموارد لدعم البنية التحتية وتقدير دور النيباد وتعزيز التجارة البينية ، اما بالنسبة للجامعة العربية التنسيق في اطار الجامعة لإحياء آفاق وفرص التعاون العربي الأفريقي .
أما بالنسبة للمحورين الاقتصادي والاجتماعي فقد شكل نقلة نوعية كبيرة في اطار العلاقات بين الجانبين ، حيث تم تدشين علاقات اقتصادية واستثمارية في مجالات شتي من أبرزها الطاقة الجديدة والمتجددة ، الموانئ والمناطق الحرة كمركز لوجيستي ، مشروع لطريق بري، زيادة حجم التبادل التجاري، تشكيل مجلس الأعمال المصري الجيبوتي ، فتح فرع لبنك مصر ، وخط طيران مباشر ، تعظيم دور الأزهر في المجال التعليمي والفكري وزيادة البعثات التعليمية ، ومركز لتعليم اللغة العربية ، الاسهام في تطوير القطاع الصحي وايفاد قوافل طبية .
إقرأ المزيد :
الرئيس السيسي ونظيره الجيبوتي يؤكدان رفضهما تهديد أمن وحرية الملاحة في البحر الأحمر