الدكتور مجدي الشيمي يكتب: نهر النيل شريان حياة (مصالح دول حوض النيل إلي اين؟)
يعتمد اقتصاد دول حوض النيل بشدة على الزراعة، وتستخدم مياه النهر في الزراعة وتوليد الطاقة الكهرومائية وصيد الأسماك، ويستمد النهر أهميته كمصدر للمياة التي تلبي احتياجات السكان كما أن النهر يعتبر مصدراً للتنوع البيولوجي وتعديل المناخ وله أهمية سياحية… ولتحقيق تلك الأوجه للاستفادة من النهر بشكل أفضل تم .
تعتمد مصر بشكل كامل على نهر النيل لسد احتياجاتها من المياه، وفي العام 1978 هدد الرئيس السادات بشن حرباً على أي دولة تعبث بنهر النيل قائلاً: “نحن نعتمد على نهر النيل بنسبة 100% في حياتنا فإذا حاول أي أحد في أي لحظة التفكير في حرماننا من حياتنا يجد ألا نتردد في شن الحرب عليه” إلا أن مصر مازالت لديها زعم بأن اتفاقيات النيل الحالية هي إتفاقيات أبدية وتضمن لمصر حقوقاً طبيعية وتاريخية في مياة النهر.
وقد أبدت دول حوض النيل مواقفاً مختلفة، وهي كالتالي:
– إتيوبيا: إلتزمت بمبدأ هارمون لتعلن أنها يمكنها التصرف كما يتراءى لها في المياة داخل إقليمها بصرف النظر عن نتائج ذلك على باقي دول الحوض.
– تنزانيا: إتخذت موقف مشايه لموقف إثيوبيا إلى جانب عدم إعترافها باتفاقيات حوض النيل .
– كينيا: لم تدعم الموقف المصري وعارضت إتفاقيات حوض النيل وإن كان موقفها معتدل بعض الشيء من خلال منادتها بالاستغلال العادل لمياه النهر وبحيرة فيكتوريا وفق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
– أوغندا وبورندي ورواندا: لهم نفس موقف كينيا
– الكونغو الديموقراطية: لم تعلن مطلقاً عن موقفها.
ونتيجة لتلك المواقف المتعارضة مع الموقف المصري المتطرف، فقد قامت دول المنبع باعتبار نهر النيل سمة أساسية لاقتصاداتها. كما تأمل تنزانيا تنفيذ خطة لسحب المياة من بحيرة فيكتوريا لري السهول المنخفضة والجافة في أواسط تنزانيا. كما بدأت كينيا بالفعل في التعامل مع مياه بحيرة فيكتوريا بشكل أكثر جدية من خلال تأسيس هيئة تطوير حوض البحيرة.
يعتبر نهر النيل نهراً دولياً وهو يشكل (مع بحيرة فيكتوريا) مجرى مائي دولي . وهو ما يعرَّف في ميثاق الأمم المتحدة للاستخدامات غير الملاحية للمياة الدولية لسنة 1997 بأنه: “المجرى المائي الذي تقع أجزاؤه في دول مختلفة”.
يخضع نهر النيل لمبادئ كل من المعاهدات وقانون العرف النهري الدولي، و المعاهدة الوحيدة التي تحكم استخدامات نهر النيل هي الاتفاقيات الثنائية بين مصر وبريطانيا والقوى الأخرى في الفترة من 1885-1959 حيث عقدت مصر عدد من الاتفاقيات الثنائية التي وفقاً لها تلتزم دول المنبع تجاه مصر وبريطانيا باحترام الحقوق السابقة وخاصة المطالبات بالحقوق الطبيعية والتاريخية لمصر في مياه النيل والتي أكدت مصر عليها.
وقد تم تطبيق جميع تلك المعاهدات عدا اتفاقية سنة 1959 عندما كانت جميع دول الحوض (عدا إثيوبيا) تحت الاستعمار… أما بعد الاستقلال أصبحت المسألة القانونية المثارة هي (هل ما زالت تلك الإلتزامات المنصوص عليها في تلك الإتفاقيات ملزمة لدول ما بعد الاستقلال؟) وبعتبر عدم الاتفاق على إجابة لهذا السؤال هو السبب الرئيسي وراء تباين مواقف دول المنبع ودول المصب.
1- الوضع القانوني لاتفاقيات نهر النيل:
– إذا كانت الإتفاقيات ملزمة وواجبة التطبيق: فهي تعطي شرعية قانونية للنظام القانوني الخاص بفترة الاستعمار والذي اعطى مصر أحقية أكبر في التحكم في نهر النيل واستخدام مياهه بلا قيود في التنمية الوطنية .
– أما إذا كانت تلك الاتفاقيات غير ملزمة: سيخضع استخدام مياة النيل لقواعد القانون الدولي العام، وهو ما يعني ضرورة خلق نظام قانوني جديد لحوض النيل في إطار إتفاقية جديدة تضم جميع دول إقليم حوض النيل.
2- القواعد العامة لمصادر المياة الدولية:
القاعدة الاولى: مبدأ السيادة المطلقة على الإقليم
يقول هذا المبدأ بأن الدول تتمتع بالسيادة المطلقة التامة على كل المياة داخل اقليمها ويمكنها استخدامها كيفما تري بصرف النظر عن تباين استخدام المعروض من المياة في دول المرور أو دول المصب. ويبدو أن مبدأ السيادة المطلقة يستند على القانون الدولي الأساسي الذي ينص على السيادة التامة لكل شعب على إقليمه ضد سيادة أي شعب آخر.
ويلقى هذا المبدأ قبول دول المنبع في حين أنه يتتجاهل بالكامل حقوق دول المصب.
القاعدة الثانية: مبدأ التكامل الإقليمي المطلق
وهو يعتنق قانون شائع قديم عن حقوق المياة، حيث تمتلك دولة المصب الحق في كمية المياة التي تصل إليها بالكامل بدون عوائق وبجودتها الطبيعية ولا ينبغي لدولة المنبع أن تتدخل في التدفق الطبيعي للمياة بدون موافقة دولة المصب.
ويحظى هذا المبدأ بقبول دول المصب ولقد كان هذا المبدأ هو الأساس في إتفاقيات نهر النيل في الفترة من 1929-1959 كما أن هذا المبدأ يستند إلى مبدأ “حُــسْن الجيرة”.
ولعل أهم نقد يوجه لمبدأ التكامل الإقليمي المطلق أنه مبدأ متطرف يخلق ما يشبه حق الفيتو لصالح دول المصب على حساب دول المنبع.
القاعدة الثالثة: مبدأ حقوق أسبقية الاستيلاء
وهو ما يشار إليه في اتفاقيات نهر النيل بـ”الحقوق الطبيعية والتاريخية” في المياة الدولية المشتركة. ويعطي هذا المبدأ أي دولة من دول حوض النيل الحق في استغلال مياهه طالما كان لها الأسبقية بشكل غير قابل للجدل.
وعلى الرغم من أن هذا المبدأ نظرياً لا يفضل دول مصب على دول منبع أو العكس إلا أنه مبدأ مقيد وغير عملي، فنقطة ضعف هذا المبدأ أنه يسمح للدولة أن تضع المياة الدولية قيد استخدامها قبل غيرها من الدول الأخرى وبالتالي تحصل على حق الفيتو في مواجهة الدول الأخرى المشتركة معها في مياة النهر.
القاعدة الرابعة: مبدأ السيادة المحدودة والتكامل الإقليمي المحدود
ويعرض هذا المبدأ للسيادة اللائقة إلى جانب المطالبات والمسئوليات حول مصادر المياة الدولية. وبالتالي تتمتع جميع دول حوض النهر بحقوق والتزامات متبادلة فيما يخص استخدام مياه النهر العابر لحدود تلك الدول.
القاعدة الخامسة: مبدأ الاستخدام العادل للمياة الدولية
ورد هذا المبدأ في القانون الدولي والعرف الدولي والمعاهدات والذي يعد الأكثر استخداماً فيما يتعلق بالمسطحات المائية الدولية التي يشترك فيها أكثر من دولة في ظل استخدام عادل للمياة. وهو الأمر الذي يجب أن يستند إلى العدالة والسيادة أكثر من استناده إلى تساوي الحصص والأنصبة من المياة, وهو الأمر الذي يتطلب دراسة مصالح جميع الدول المشتركة في النهر.
القاعدة السادسة: مبدأ الإدارة الجماعية لحوض النهر
وهي قاعدة ذات أساس جيد في القانون الدولي، حيث يجب أن تتم إدارة مياه الأنهار والبحيرات الدولية من خلال هيئة واحدة تشترك فيها جميع الدولة المشتركة في المسطح المائي والأمثلة لذلك معاهدة الإدارة المشتركة لنهر زامبيزي لسنة 1988 ومعاهدة نهر بليت لسنة 1973.
التعريف بالكاتب هو الدكتور مجدي الشيمي: متخصص في الشؤون الافريقية ومؤسس مبادرة حدوتة افريقية وأمين المعهد الفني الصناعي بالصحافة