الدكتورحسين دقبل يكتب الباشا الكبير!
لمائة وخمسين عاما؛ ظل لقب (الباشا الكبير) يُطلق، ليُقصد به محمد علي باشا، فقد ظل أبناؤه وخلفاؤه من بعده داخل الأسرة يكتفون – حين ذكره – بلفظ (الباشا الكبير) اعتزازا به وافتخارا.
حكم الباشا الكبير مصر لثلاثة وأربعين عاما، منذ أن حلّ بأرضها نائبا لرئيس كتيبة عسكرية أرسلتها الدولة العثمانية لإخراج الفرنسيين من مصر. وبعد فشل الحملة الفرنسية وانسحابها، سيطر محمد علي على حكم مصر، فأسس الأسرة العلوية التي استمرت على العرش لما يقرب من قرن ونصف من الزمان (1805 – 1952).. عاشت فيها مصر سنوات طيبة، وعقودا سيئة.
(الغريب أني عندما أتذكر تلك الفترة، أتعجب كثيرا، فهنا المحتلون جميعهم يتنازعون على مصر، كلٌ يريد أن تكون له غنيمة، فلا الفرنسيون، ولا الدولة العثمانية، ولا أسرة محمد علي، ولا المماليك الذين تخلص منهم ليحكم منفردا؛ جميهم غير مصريين)
ومنذ 173 عاما.. وفي مثل هذا اليوم الـ 2 من أغسطس عام 1849 من الميلاد، توفي (الباشا الكبير) بعد أن حكم مصر منفردا لـ 43 عاما، كان للآثار المصرية في عهده شأن كبير؛ فاهتمامُ الفرنسيين بالآثار المصرية، وإنشاؤهم المجمع العلمي، جعل محمد علي يولي اهتماما واضحا بالآثار، كما اتخذها وسيلة وطدّ بها عرشه، خاصة وأنه رأى الأوربيين مهووسين بها، ففتح باب مصر أمامهم على مصراعيه.
ولما كانت المهام الدبلوماسية في ذلك الوقت قليلة، اتجه القناصل والدبلوماسيون الأجانب لشغل فراغهم في جمع الآثار المصرية، ومن هؤلاء “برناردينو دروفيتي” أول قنصل لفرنسا بمصر عقب الحملة الفرنسية الذي كان يتاجر في الآثار المصرية دون خجل وكان متسما بالجشع والطمع حتى كرهه منافسوه.
أما القنصل البريطاني “هنري سولت” فقد كان مولعا بالآثار المصرية وتنافس مع دورفيتي الفرنسي على نهب الآثار المصرية بل وتسابقا نحو الحصول على الامتيازات التي نالوها من محمد علي!
أما الإيطالي “جيوفاني باستا بلزوني” ونهبه للآثار المصرية فحدث ولا حرج فقد نفذ في وقت قصير ما عجز عنه منافسوه، وحفز غيره في الاندفاع نحو السطو على الآثار المصرية وحيازتها.
في حين أن الإنجليزي “والاس بدج” الذي بدأ حياته بالعمل في قسم الآثار المصرية بمتحف لندن، كان من أشد مسؤولي جمع الآثار جشعا في القرن التاسع عشر، وكانت وسائله في جلب الآثار المصرية جشعة وغير مستساغة من منافسيه.
حتى إن الأب “جيرامب” الذي كان يزور مصر عام 1833م، قال لمحمد علي: “لم يكن من يزو مصر يحوز الشرف إلا إذا كان يحمل مومياء في إحدى يمينه وتمساحا في الأخرى”!، وبالفعل تم ترضيته من قبل الباشا الكبير.
بالرغم من ذلك فقد قام محمد علي ببعض الإجراءات التي كان من الممكن أن تحافظ على الآثار المصرية من السرقة والتخريب، لكنها لم تستمر؛ ومنها؛ أنه في عام 1835م أمر بتسجيل الآثار المصرية الثابتة ونقل الآثار القيمة إلى قصر بالأزبكية وسماه “متحف الأزبكية”، وأشرف عليه الشيخ رفاعة الطهطاوي، واستطاع الشيخ رفاعة إصدار قرار بمنع التهريب والاتجار في الآثار المصرية إلى الخارج، ولكن بوفاة محمد على باشا عام 1849م عادت الأمور مرة أخرى إلى عهدها الأول حيث عادت سرقة الآثار مرة أخرى.