آسيا العتروس تكتب : على وقع سنة تمضي .. أنا شيرين أبو عاقلة
منذ 11 ماي 2022 توقف الصوت الذي كان يخاطب العالم من قلب فلسطين وهي تردد “أنا شيرين ابو عاقلة تخاطبكم من فلسطين “، رحلت شيرين بعد أن امتدت إليها يد الإرهاب الإسرائيلي لتمنعها من نقل آخر رسالة لها من مخيم جنين مربع الملاحم الفلسطينية التي تؤرق سلطات الإحتلال برغم كل ما يتوفر لها من هيمنة عسكرية و من أدوات الإبادة و القتل اليومي .
لم تكن شيرين أبو عاقلة و هي الفلسطينية الأمريكية التي تركت أمريكا وعادت للعمل في فلسطين شخصية عادية، وهي التي دأبت على نقل الحقائق على الأرض كانت تستعد يوم اغتيالها لنقل عملية اقتحام مخيم جنين عندما استهدفتها رصاصة قناص في الرأس ، كل العالم شاهد تفاصيل الجريمة التي حاولت سلطات الإحتلال إنكارها والإلقاء بالمسؤولية فيها على النشطاء الفلسطينيين قبل أن تاتي التقارير من الجانب الإسرائيلي و الأمريكي لتؤكد أن الرصاصة إسرائيلية تماما كما حدث مع الطفل الشهيد أحمد الدرة و مع العشرات بل المئات من شهداء الإنتفاضة الاولى و الثانية .
لا خلاف أن إغتيال شيرين أبو عاقلة لم يكن على وجه الخطأ بل كان جريمة مدبرة و إلا كيف يمكن تفسير ما رافق جنازتها من اعتداءات و محاولات لمنع وصول مشيعيها الذين تجمعوا بالالاف إلى المستشفى الذي تواجد به جثمانها و كيف يمكن تفسير محاولات الإعتداء على التابوت و الإصرار على إسقاطه لولا إصرار المرابطين من شباب فلسطين و نسائها و رجالها على حماية جثمان شيرين أبو عاقلة من محاولات تدنيسه و الدوس عليه بكل ما يستوجبه ذلك من احترام لقدسية و حرمة الشهيد .
الأكيد أن ما رافق إغتيال أبو عاقلة و جنازتها يؤكد أن قوة الكلمة قد تكون أخطر وأشد وقعا من الرصاص في أحيان كثيرة عندما يكون الهدف صاحبة الجلالة صوت المستضعفين في العالم .
كانت شيرين أبو عاقلة وغيرها أيضا من أبناء وبنات مهنتها النبيلة الذين استهدفهم الإحتلال خطرا على المعتدي عنوان كل الجرائم اليومية التي تقترف منذ عقود في حق شعب أعزل خذله العالم و خذلته العدالة الدولية التي يتم تطويعها لأجل البعض دون البعض الآخر .
اليوم تعود صورة شيرين أبو عاقلة فيما تستعد حكومة ناتنياهو الفاشية لنيل الثقة من الكنيست الإسرائيلي ويعود ناتنياهو الذي تلاحقه ملفات الفساد ليتصدر المشهد و يقدم مشروع حكومته مع أخطر ائتلاف متصهين أسس لمشروعه بتقديم مزيد الوعود للإسرائيليين بالسطو على ما بقي من الضفة و مصادرة ما بقي من الأرض في القدس و توسيع المستوطنات و محاصرة المقدسيين و تهويد المقدسات .
تطورات تأتي مع نهاية عام تتواتر صرخات الفلسطينيين مطالبة بوقف ما يتعرض له الأسرى من قتل بطيء في سجون الإحتلال و مطالب باستعادة جثث الشهداء الذين يتخذهم الإحتلال رهائن لديه في إصرار على كسر عزيمة ذويهم و اذلالهم و حرمانهم من أن يعيشوا حداد ابطالهم الذين يرسمون بدمائهم ملحمة شعب يرفض الانحناء و الاستسلام و يعود منتفضا ضد قوات الإحتلال مثل طائر الفينيق . يحدث كل ذلك مع حلول عام تنصرف فيه أنظار العالم الى ما ستؤول فيه نتائج الحرب الروسية في أوكرانيا و تتجه التكهنات لمحاولة قراءة و كشف ما سيكون عليه النظام العالمي الجديد و التحالفات العسكرية و الإقتصادية الإستراتيجية في أعقاب هذه الحرب التي لا يبدو لها من نهاية على الأقل حتى الآن .
في خضم كل ذلك أيضا تجد سلطات الإحتلال نفسها في حل من كل الاتفاقات و تجد في هذا المشهد الدولي غير المسبوق كل الأسباب لمواصلة تنفيذ مخططاتها الاحتلالية مستفيدة من إنهيار العدالة الدولية العرجاء و هشاشة المشهد العربي المترنح و مضي قطار التطبيع على سكة العبث بالقضية الفلسطينية المنسية .
سيكون من الغباء بل من السذاجة التعويل على إرادة المجتمع الدولي لمحاكمة قاتلي شيرين أبو عاقلة و مرتكبي كل الجرائم الاسرائيلية من قبية الى القدس و الخليل وجنين و غزة و بيروت و صبرا و شاتيلا والجولان و حمام الشط و غيرها و لكن سيكون من الأهمية بمكان مواصلة جمع ورصد و توثيق كل ما أمكن من هذه الجرائم التي سيتعين تقديمها يوما أمام المحكمة الجنائية الدولية لتقول كلمتها في جرائم الإحتلال التي يجب أن تنتهي .
طبعا سيكون بالإمكان الحديث عن تحقيق العدالة المغيبة لشيرين أبو عاقلة و لكل ضحايا الإحتلال على مدى عقود فمثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم و لكن يمكن الإقتراب من تحقيق هذا الهدف أكثر يوم يدرك الجميع أهمية الترفع عن كل الخلافات و أهمية التخلي عن الصراع من أجل سلطة وهمية و تحديد الهدف الاساسي في المعركة و هو الإحتلال و لا شيء غيره .
هل تأتي سنة 2023 بما يمكن أن يعيد القضية الفلسطينية المغيبة الى المشهد و يعيد للفصائل الفلسطينية البوصلة المفقودة في الذكرى ال58 لتأسيس فتح ؟
* آسيا العتروس .. كاتبة تونسية
• نقلا عن جريدة الصباح التونسية
إقرأ أيضا :