الهجرة الي الموت
كتب البحث معتز محمد الكنعاني مقالاُ بعنوان “الهجرة الي الموت” قال فيه!
كان وما يزال الأفريقيون يقتاتون القليل, ويصبرون على الكثير من شظف العيش, ومكاره الدهر, وعظام النوائب, حتى كأن الفقر قد أقام عندهم, لا يبرح مساكنهم, مما يدعوهم إلى أن يغادروها كارهين لملازمته, مشتاقين لمفارقته, معلّقين آمالهم بشبع بعد جوع, وأمن بعد خوف, كمن ذعر من متربص به قد يفاجئه من بين يديه أو من خلفه, فتراهم يفرّون زرافات ووحدانا إلى أوربا متسربلين الخوف, كأنها أرض الأمل التي ستطعمهم بعد جوع, وتكسوهم, وتأمنهم بعد خوف, وتقيهم حرّ الصيف, وبرد الشتاء.
ولكن ما أن تبدأ رحلة الفراشات الباحثة عن الحياة حتى يبدأ الموت باصطياد الأنفاس وخطف الأنفس متعطشاً لوأد رحلة بدأت من فقر وقد تنتهي بموت أو رحيل لا عودة بعده, وعلى الرغم من ذلك تجدهم يهاجرون, تُرى من أي جحيم يفرّون ؟!, ولأي حياة يتوقون ؟!, للأسر في السجون أم للغرق في عرض البحر؟!.
إن أول ما يواجهه المهاجرون إلى أوربا مخاطر الموت في الصحراء قبل وصولهم ليبيا, فإن وصلوا إليها احتجزوا في سجون عصية على التفتيش والتحقيق, يعانون فيها مختلف الانتهاكات, زد على ذلك الجوع والتعذيب والموت بالمجّان, بعيداً عن أنظار العالم المكبّل بالمادّية المتجرّد من الانسانية.
وأكثر المآسي قسوة ما يتعرض له الأطفال المهاجرون لضعفهم تجاه ما يواجهون من مخاطر وصعوبات يعجز من تجاوزها البالغون فكيف بالأنامل الناعمة والأقدام الطريّة, فقد هاجر (23.102) طفل من أصل (256.000) مهاجر عبر ليبيا, بدأً من أيلول/سبتمبر 2016 حتى شباط /فبراير 2017م.
ويعتقد أن الأرقام الحقيقية هي ثلاثة أضعاف ما تذكره التقارير, وقد بلغ العدد التقديري للأشخاص الذين توفوا خلال عبورهم البحر الأبيض المتوسط بين ليبيا وإيطاليا (4.579) شخصاً عام 2016م, ولعل فيهم من الأطفال الكثير ممن لم يصل إلى برّ الأمان, خصوصاً أن تسعة أطفال من أصل عشرة هاجروا من غير مرافقين, تعرّض الكثير منهم للوفاة في كانون الثاني/ يناير 2017م, فالعدد الذي أحصته اليونيسف يشير إلى أربعين طفلاً قد توفي خلال الهجرة من أصل (4.463) طفلاً[1].
هذه الأرقام وإن كشفت شيئاً من الحقيقة المرّة التي يعيشها المهاجرون, لكنها لا تعبّر عن الواقع, فمراكز الاحتجاز في ليبيا تكتظ بالمحتجزين الذين لا يمكن أن تصل إليهم مؤسسات المجتمع الدولي ولا كاميرات الصحفيين, فالحكومة تدير (24) مركزاً للاحتجاز.
وإنما يسمح لليونيسف بزيارة أقل من نصفها, بينما تدير الميليشيات عدداً غير معروف من مراكز الاحتجاز, إذ يعانون فيها أوضاعاً مأساوية, فقد يصل عدد المحتجزين في الزنزانة الواحدة ذات مساحة مترين مربعين إلى (20) شخصاً, زد على ذلك تعرّضهم لشتى أنواع المعاملة السيئة.
أبعد هذا الجحيم نعيم يرجوه الحالمون ؟!, أم بعد السعير حرير يأمله الطامحون ؟!, كلا إنه صفقة خاسرة وإن نجح المهاجر في الوصول إلى شواطئ أوربا؛ لأنه سيتعرّض لظروف قاسية أيضاً, وتمتد معاناته التي تأبى مفارقته معانقةً إياه في القارتين !.
فإن نجح مهاجر في الوصول إلى دولة أوربية سيدخل في فصول معاناة جديدة, فقد دقّت منظمة أطباء بلا حدود والمنظمة العالمية للهجرة ناقوس الخطر حول الظروف المعيشية المزرية للمهاجرين في الدول الأوربية, ومنها ايطاليا.
إذ يتواجد حوالي (1500) مهاجر في المناطق الريفية في الجنوب يتعرضون لأبشع أنواع الاستغلال, فهم يعملون (12) ساعة في اليوم مقابل (12) يورو, ويعيشون في حاويات لا تتوفر على الماء ولا الكهرباء أو التدفئة مما سبب ظهور اصابات بأمراض مختلفة, وفي اثينا باليونان تكشف المداهمات التي تقوم بها الشرطة إلى أماكن إقامة المهاجرين عن الانتهاكات الخطيرة التي يتعرضون لها.
كل ما ذكر هو نزر يسير من معاناة الافريقيين المهاجرين, في حين تختفي الحقيقة الكاملة وراء صمت أجهزة المعلومات ودوائر الاستخبارات التي تراقب بهدوء هجرة جماعية نحو الموت في الصحراء أو في سجون ليبيا أو البحر أو حاويات السكن المزعوم, فهل للمنظمات الدولية والأمم المتحدة دور لإنهاء المعاناة هؤلاء؟!, أم أن دورهم السكوت لينال المهاجرون موتاً “رحيماً” كما يزعمون ؟!.
اقرأ ايضا:-
بمناسبة اليوم الدولي لإلغاء الرق 2 ديسمبر .. العمل الدولية : 10 ملايين شخص في براثن الرق الحديث
جلالة الملكة الافريقية أولوري أتواتسي الثالث ملكة مملكة واري في نيجيريا