السودان .. انطلاق العملية السياسية وسط معارضة قوية للإتفاق وتعهد المكون العسكري بالإنسحاب من المشهد… الضوء موجود ونهاية النفق مازالت بعيدة
مركزي ” الحرية والتغيير ” يتحرك بثبات تحت تهديد المعارضين
« حميدتي » مابين صفقة الإنحياز وفخ المكر السياسي .. واختبار « البرهان » بين المناورة وحسن النية
القاهرة: صباح موسى
انطلقت أمس (الأحد)، المرحلة النهائية من العملية السياسية في السودان والتي وقعت بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع من جهة، والحرية والتغيير المجلس المركزي وعددا من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في السودان، وتهدف هذه العملية -وفق موقعيها- إلى الوصول إلى اتفاق نهائي لنقل السلطة للمدنيين وحل الأزمة التي تعيشها السودان لأكثر من عام بعد قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر عام 2021، وتعارض هذا الإتفاق قوى رئيسية بينها الحزب الشيوعي، والكتلة الديمقراطية التي تضم حركات مسلحة في دارفور والحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة جعفر الميرغني، علاوة على أنه يجد معارضة من حزب البعث الاشتراكي وتيارات إسلامية أخرى.
قضايا الإتفاق
الأطراف المدنية المشاركة في الاتفاق الإطاري الموقع مع الجانب العسكري كانت قد ناقشت في الخامس من ديسمبر الماضي، قضايا تشمل خمس محاور العدالة والعدالة الإنتقالية، الإصلاح الأمني والعسكري، مراجعة وتقييم إتفاق السلام والذي وقع في جوبا أكتوبر 2020، وتفكيك نظام 30 يونيو 1989 وقضية شرق السودان، ومن أبرز بنود الإتفاق نأي الجيش عن السياسة، واعتماد فترة إنتقالية من عامين تبدأ من تاريخ تعيين رئيس للوزراء، وإطلاق عملية شاملة لصياغة الدستور تحت إشراف مفوضية صياغة الدستور، وتنظيم عملية انتخابية شاملة في نهاية الفترة الانتقالية، وأعلنت قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي والآلية الثلاثية المسهلة للحوار السوداني، والمكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومجموعة الإيقاد، اكتمال الاستعدادات لإطلاق المرحلة النهائية.
خارطة طريق
وفي بيان صادر عن الموقعين على الإتفاق الإطاري تم الإعلان على إن المرحلة النهائية للعملية السياسية تبدأ بمؤتمر خارطة طريق تجديد عملية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو الذي سيعقد في الفترة من 9ـ 12 يناير الجاري، على أن تستكمل القضايا الأربع المتبقية وفقاً لما متفق عليه بين الأطراف الموقعة والآلية الثلاثية، وأكد البيان أن المرحلة النهائية للعملية السياسية ستلتزم بالمساهمة الفاعلة لأوسع قاعدة من أصحاب المصلحة، بما يضع المعالجات الشاملة للقضايا المطروحة بصورة تؤمن مسار تحول ديمقراطي مستدام، يستفيد من تجارب الانتقال التي مر بها السودان من قبل، وحث المجتمعون المجموعات غير الموقعة التي تم تحديدهم مسبقاً بضرورة المشاركة في العملية السياسية وفقاً للإطاري الذي وضع الأساس لإنهاء الوضع الانقلابي واسترداد مسار التحول المدني الديمقراطي وهو ما يتطلب الإسراع في إنجاز المرحلة النهائية، وشدد البيان على أهمية السند الدولي والإقليمي للعملية السياسية التي يقودها ويمتلكها السودانيين، وضرورة تفعيل آليات التنسيق مع الأسرة الدولية في المرحلة المقبلة بما يسرع إكمال الاتفاق الإطاري لاتفاق سياسي نهائي الذي لا يوجد مسار بديل له في العملية السياسية
ابعاد الجيش
رئيس مجلس السيادة الإنتقالي في السودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أكد لدى مخاطبته الجلسة الإفتتاحية في تدشين المرحلة النهائية من الإتفاق السياسي إن القوات المسلحة ستخضع لإمرة السلطة المدنية بموجب الإتفاق الإطاري الذي وقع الشهر الماضي، وقال إن المؤسسة العسكرية لن تلعب أي دور في التحول الديمقراطي، وهدفنا تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي في السودان من دون تدخل من المؤسسة العسكرية، مضيفا أن المؤسسة العسكرية ملتزمة بالعمل مع شركائها لوضع أسس وأطر عمل الجيش، ونشكر شركائنا الإقليميين والدوليين الداعمين للعملية السياسة في بلادنا، معربا عن أمله بتشكيل حكومة مدنية في السودان في أقرب وقت.
من جانبه قال نائب رئيس مجلس السيادة في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي) إن المجلس ملتزم بشكل كامل بدعم تشكيل سلطة مدنية في السودان، مضيفا ملتزمون بتشكيل جيش وطني موحد لا يمارس السياسة في السودان، حيث إن الإتفاق الإطاري شكل اختراقا مهما للأزمة السياسية في البلاد، وتابع أن انطلاق المرحلة النهائية للعملية السياسة يؤكد التزامنا بإنهاء الوضع الراهن والتوصل لإتفاق نهائي تتشكل بموجبه سلطة مدنية كاملة، ويجب على القوى السياسية السودانية وضع خلافاتها جانبا والمضي قدما بتنفيذ الإتفاق الإطاري.
دعم العملية
من جهته دعا السفير السعودي بالخرطوم، على بن حسن جعفر جميع الأطراف للانخراط بحُسن نية في العملية السياسية وتركيز الجهود لاستكمال المفاوضات والوصول لإتفاق على وجه السرعة، مؤكداً مواصلتهم لدعم العملية السياسية التي يقودها السودانيون والتنسيق مع الآلية الثلاثية، ودعت ممثلة الإتحاد الأوروبي الأطراف السودانية إلى التوصل بأسرع وقت لحكومة مدنية تقود إلى تنظيم إنتخابات. وأكدت المتحدثة باسم القوى المدنية الموقعة على الإتفاق الإطاري، أسماء محمود محمد طه، إن العملية السياسية المبنية على الإتفاق الإطاري استجابت لمطلوبات وتطلعات الثورة في بناء دولة مدنية ديمقراطية، وقالت أسماء إن الفترة الانتقالية ستبنى على ما سيتم الإتفاق عليه خلال هذه العملية السياسية، معبرة عن أمل القوى المدنية في الوصول إلى إتفاق نهائي يضع حداً للأزمة السياسية في السودان، وأعلنت انطلاق مؤتمر خارطة الطريق لتفكيك نظام الثلاثين من يونيو اليوم (الاثنين)، مبينة أن قضية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو هي من أمهات القضايا التي تتطلع الثورة لإنجازها، وأضافت إن مؤتمرات خارطة طريق تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ستشهد مشاركة واسعة من أصحاب المصلحة وفقاً للتنوع السوداني، باعتبار أن القضية تهم كل السودانيين.
اسقاط الإتفاق
في المقابل توعدت الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)، موقعي الإتفاق الإطاري بإسقاطه عبر الجماهير، معلنة توقف المشاورات غير الرسمية بين الطرفين، وقال القيادي في الكتلة الديمقراطية، مصطفى طمبور، خلال مؤتمر صحفي أمس (الأحد) وقبيل انطلاق المرحلة السياسية للإطاري إنه إذا استمر الطرف الآخر في المضي قدماً، ستكون خياراتنا مفتوحة، ومن بينها تحريك قواعدنا الشعبية لإسقاط الاتفاق الإطاري، وشدد على امتلاكهم قاعدة جماهيرية كبيرة تؤيد موقفهم الرافض للاتفاق الاطاري، وغرد مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان وحاكم إقليم دارفور قائلاً إن تدشين المرحلة النهائية من الإتفاق الإطاري في وقتٍ يجري الحوار مع المجلس المركزي بتسهيل من المكون العسكري إشارة سلبية وإظهار روح أحادية، بدوره، أعلن القيادي في الكتلة الديمقراطية مبارك أردول عن قرارهم بإيقاف النقاشات غير الرسمية مع موقعي الإتفاق الإطاري، وقال إنهم أبلغوا البرهان بهذا الأمر، وطالبوه بعدم اعتماد المواقف الشخصية للمنتمين للكتلة، وأشار إلى أن المشاورات غير الرسمية تركزت على ضرورة تجاوز الاتفاق الإطاري، موضحاً أنهم طالبوا بتحويلها إلى لقاءات رسمية عبر لجان مشتركة، وقال القيادي في الكتلة الديمقراطية، معتز الفحل، إنهم قوى حقيقية غير مصنوعة، ويعملون على إنجاح الإنتقال الديمقراطي.
تحرك بثبات
الملفت في هذه العملية السياسية الجديدة في السودان تحرك الموقعون عليها من الجانب المدني بثبات وفق ماتم التخطيط له، غير آبهة بالقوى المعارضة للإتفاق (رغم أهميتها)، وأن المكون العسكري يحرص على الحضور لفاعليات كل مرحلة من هذه العملية، مع تجديد تأكيد البرهان ونائبه حميدتي بالتعهد بانسحاب الجيش من السياسة، وتسليم قيادة المرحلة القادمة للمدنيين بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بينهما، وفي وقت أكد فيه البرهان دعم الجيش للتحول المدني الديمقراطي، اعتبر حميدتي الاتفاق الإطاري اختراقاً مهماً في الأزمة السياسية، وظهر البرهان في تدشين العملية السياسية أمس (الأحد) بابتسامة تعكس مدى ارتياح الرجل، ولكنها لم تظهر نوعية هذا الإرتياح هل لأنه توصل لإتفاق مهم سيضع الإنتقال السوداني على الطريق الصحيح، أم أن رئيس مجلس السيادة ارتاح للوصول بالقوى المدنية إلى هذه المرحلة بشهادة قوى إقليمية ودولية مهمة، هل نجح البرهان من نقل نفسه من خانة (الإتهام) إلى خانة (المسهل) بين القوى المدنية بشهادة المجتمع الدولي؟ مايجعل موقف البرهان مسار هذه التساؤلات هو تأكيده دائما في ثنايا حديثه أن القوات المسلحة ستشارك في وضع الأسس للمرحلة الإنتقالية، وأنها عاجلا أم آجلا ستكون تحت إمرة حكومة ديمقراطية (منتخبة)، مايؤشر أن الجيش سيكون شريك أصيل في المرحلة الإنتقالية، وأنه لن يسلم التسليم الكامل إلا بعد الإنتقال وإجراء الإنتخابات.
صفقة أم فخ
أما حميدتي الذي لاقى تصفيقا قويا من حضور تدشين المرحلة السياسية، لتأكيده على دمج قواته بالجيش وإصلاح المؤسسة العسكرية، في تطور جديد من قائد قوات الدعم السريع بالموافقة على دمج قواته بالجيش، فعلى ماذا يخطط الرجل بعدما كان يعارض هذه الخطوة بشدة من قبل، وهنا يفرض السؤال نفسه ما هو وضع حميدتي بعد دمج قواته، هل يطمح في قيادة الجيش كاملا، وهل يسمح الجيش بقيادة حميدتي له؟، أم أن الرجل قد تم اقناعه ربما -وفق صفقة غير معلنة- أن انحيازه للحرية والتغيير المجلس المركزي بعد هجومه العنيف عليها، أنها ستكون ظهيره السياسي في مرحلة مقبلة، يمكنه من خلالها عرض نفسه بصورة جديدة في مشهد سياسي جديد؟، أما اذا كان يفكر حميدتي ( وهذا إحتمال ضعيف)، في أن يترك كل شئ ويتفرغ لإستثماراته مع عائلته، فما الذي يضمن لقائد قوات الدعم السريع أنه لن يكون في هذه الحالة في مرمى الكثير من الإتهامات، هل هي صفقة، أم فخ سينتهي به إلى نهاية سريعة؟
تحدي العملية
على أية حال يبدو أن أصحاب الإتفاق الإطاري يسيرون نحو غاياتهم حتى اللحظة، لكن هل تتحقق لهم الغايات المنشودة في ظل وجود فريق معارض قوي، هل ستنجح الحرية والتغيير المجلس المركزي في إقناع مناوي وجبريل إبراهيم في الإنضمام للإتفاق، حتى الآن المسافات متباعدة جدا بين الطرفين، وسط تصريحات مضادة بين قادة كل فريق، وهل سيوافق المكون العسكري، وخصوصا البرهان على التوقيع النهائي للإتفاق دون انضمام هذه القوى المهمة، أم أن هذا التحدي هو الذي يناور به البرهان ليكسب به الورقة الأخيرة في التحدي السياسي المعقد بالبلاد؟.
الخلاصة
الخلاصة أن المشهد السياسي بالسودان يبدو للمتابع بوجود ضوء، لكن هل هذه هي نهاية النفق المظلم فعلا، ويبقى أن الإستقطاب الحاد الذي يشهده هذا المشهد المعقد يزداد حدة، ومع كل مبادرة بدلا من التوافق والاستطفاف تتسع الهوة بين الأطراف ويزداد الشتات السوداني، وكل طرف يلعب لصالحه، ويرى في نفسه الأولى بقيادة المشهد، ومن ثم يأتي الآخرون، وسط حالة متردية وصلت إليها أوضاع المواطن البسيط، والذي مازال ينتفض لصالح هذا الإستقطاب السياسي، وليس لمصلحة القاعدة العريضة، وتظل وحدة الشارع الثوري هي حجر الزاوية الرئيسي في اعتدال هذا المشهد السياسي.
إقرأ أيضا :
مصر : انطلاق المرحلة النهائية من العملية السياسية في السودان تطور هام وإيجابي
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.