يلعب الموقع الجغرافي للبلدان دوراً كبيراً في تعزيز الجانب الاقتصادي, بل وجوانب أخرى أيضاً جيوسياسية واستراتيجية, كل ذلك يمكن استثماره سلمياً لتعزيز النفوذ والاقتدار الوطني أو القارّي, مما يعود بالنفع على الشعوب كتحسين الوضع المعيشي, وتقليل الفقر, والقضاء على البطالة, وزيادة معدّل النمو, وذلك عبر الاستفادة من التجارة الدولية وتمرير البضائع من بلد إلى بلد والاستفادة من رسوم مرور السفن في الممرات المائية.
ومما تمتاز به افريقيا موقعها الجغرافي المميز الذي تطل به على ممرات مائية مهمة جداً كقناة السويس والبحر الأحمر, وإطلالة مميزة على البحر المتوسط, إذ لا يبقى بينها وبين أوربا إلّا عبور عرض البحر, وهيمنة قاريّة على المحيط الأطلسي مما يساعد على نمو صناعة السفن وصيد الأسماك وتصنيعها, وغير ذلك كثير من خيرات الإطلالة البحرية التي تتفرد بها دون أي إزعاج أو مشاركة بالمياه الإقليمية.
إن المميزات المتقدمة للقارّة كافية أن تجعل من شعوب إفريقيا في رفاهية لو استغلّت هذه السمات واستثمرت استثماراً مدروساً ونفّذت بحرفيّة ولو كان ذلك بمعونة من له قصب السبق من البلدان, فاليابان لها باع في صناعة السفن, بل هي رائدة في ذلك, إذ يمكن استيراد الخبرات لإنماء الجانب الاقتصادي المعتمد على الإطلالة البحرية الإفريقية الفريدة.
إن استثمار مثل هذه الثروات الجغرافية والبحرية انمى وأثرى من الكنوز والثروات المعدنية؛ لأن الكنوز والمعادن تنفد, والموقع الجغرافي المهيمن على البحار والمحيطات والممرات البحرية كقناة السويس لا نفاد له, إنها لثروة منقطعة النظير.
ولكن ما اكثر الثروات الإفريقية وما أقل الاستغلال والاستثمار, فما سبب ذلك؟!, إنه ببساطة داء النفوذ الغربي المتنامي على القارّة ابتداءً من حصول الاستعمار الضارب في القدم حتى يومنا هذا, إن هذا الداء الوبيل أحال افريقيا وأمثالها إلى بقاع كأنها تنتمي لقرون مضت, توحي لمن ينظر إليها ويتفحص البلدان التي لازالت تراوح مكانها إيحاءً بتوقف الزمان وتعثّر عجلة الدهر.
ولكن لو نظرت إلى البلدان التي استعمرتها تجد أنها بحجة الاعمار دخلت إليها ولم تعمّر إلّا نفسها وخربت افريقيا عبر وضع عصاها في عجلة التقدم, إنها الهيمنة الاستعمارية البغيضة المستمرّة والمتلوّنة بألوان مختلفة تتبدل من عصر إلى عصر, فتارة بالحضور العسكري وأخرى بالنفوذ السياسي, وثالثة بتنصيب الموالين لهم, لإدامة تدفق الثروات لتلك البلدان, ولا يهم –بالنسبة إليهم- أجاع افريقي أم شبع, إنها لعبة السياسة القذرة التي حيكت بمهارة شيطانية والتفت خيوطها على البلدان المستضعفة, والشعوب الراقدة بسلام في غيابة التأريخ.
لقد أخذت سواحل افريقيا حصتها من التنافس الاستعماري البغيض و”في الواقع ارتبط ذلك التنافس في أواخر القرن التاسع وفي إحدى فصوله السياسية (الهرولة نحو أفريقيا) (The Scramble for Africa) من الدول الأوربية الكبرى، تلك الهرولة لم تكن بداياتها في الواقع في مؤتمر برلين 1884-1885، إنما تعود إلى بدايات القرن السادس عشر عندما أخذت البعثات التبشيرية المسيحية الأوربية، والمكتشفون الأوربيون، يجوبون سواحل ودواخل أفريقيا والبحث عن موطئ قدم فيها”[1], كمقدمة لعمل استعماري أوسع وأشمل؛ “ولذلك عُرف القرن التاسع عشر، بقرن التنافس الاستعماري فيما وراء البحار الذي دخلته ألمانيا متأخرة بعد استكمال وحدتها التي ارتبطت بعهد مستشارها بسمارك.
وفي وقت كانت الدول الأوربية الكبرى قد عززت سيطرتها في مستعمراتها فيما وراء البحار، ولم تبق الا بعض المناطق والجزر المعزولة في البحار الجنوبية لآسيا ودواخل أفريقيا والتي عرفت آنذاك بمصطلح “الأراضي غير المملوكة لأحد (No Man’s Lands)” خارج السيطرة الأوربية وكان على بسمارك أن يتنافس مع كل من بريطانيا وفرنسا للحصول على موطئ قدم فيها”[2], كان هذا التنافس المحموم جلياً آنذاك, لكنه اليوم أقبح وأخفى.
اقرا ايضا:-
الطرق الصوفية في افريقيا.. 100 مليون مريد مكانتها – دورها – نضالها السياسي