آسيا العتروس تكتب : المرأة التي هزمت طالبان
نعم لو لم تكن قادرة على هزم طالبان لما اختاروا لها تلك النهاية البشعة ولما اتجهوا لاغتيالها تحت جنح الظلام, ولأنهم لا يملكون الشجاعة على مواجهتها بنفس السلاح الذي تحمله وهو سلاح المعرفة والتحرر من القيود البائسة فقد عمدوا الى اغتيالها ليلا حتى لا يروا وجهها فيصيبهم التردد والخوف ويفشلون في مهمتهم القذرة.
حتى في موتها فقد استطاعت النائبة الأفغانية الضحية أن تهزم أعداءها وأن تنتصر على الظلامية البغيضة الساكنة في هذه الحركة العائدة من المغاور إلى السلطة لتكشف عن خوفها ورعبها لا من الآدميات ولكن حتى من تأثير الدمى الأصنام الموضوعة في واجهات المحلات التجارية لجلب الزبائن فقد كان لزاما على العائدين من المغاور أن يلفوا رؤوس تلك الدمى بالأقمشة تحسبا للفتنة من أجسام لا روح فيها.
هي واحدة من بين عدد قليل من الناشطات الأفغان اللائي رفضن الهروب والبحث عن وطن بديل بعد خروج طالبان من المغاور والعودة إلى السلطة في أفغانستان، كان بالإمكان أن تحظى بوثيقة اللجوء وتنتقل إلى أمريكا أو أوروبا أو أي وجهة أخرى وهي التي كانت نائبة في البرلمان الأفغاني في 2018 وكان بإمكانها أن تنجو بنفسها ولكنها لم تفعل.
اختارت البقاء دفاعا عن مثيلاتها وربما عن قناعة بأنه سيكون بإمكانها أن تهزم أعداء الحياة وأعداء النساء وأعداء الحرية الذين لاحقوها وأقدموا على تصفيتها في بيتها تحت جنح الظلام، هي النائبة ” مرسل نبيزاده ” المرأة الأفغانية الشابة ذات العقود الثلاثة التي لم تلتحق بالطوابير الطويلة التي اقتحمت مطار كابول بحثا عن مكان للهروب من قبضة طالبان.
كانت تحلم ببلد جديد وواقع جديد للنساء الأفغانيات وللفتيات الحالمات بمكان تحت الشمس وبفرصة للتعليم والوصول إلى الجامعة والعمل والعيش في ظل البلد الذي طالما وصف بأنه مقبرة الإمبراطوريات، وهي التي كانت تعد مثالا بين نظيراتها بعد أن درست إدارة الأعمال وخاضت معركة الإنتخابات وتمكنت من الفوز بمقعد برلماني عن العاصمة كابول.
ليس مهما إن كانت التجربة الأفغانية محاطة بالألغام وقابلة للانفجار في كل حين ولكن الأهم أنها اختارت المغامرة واقتحمت عالما ما كان للمرأة الأفغانية في مجتمع ذكوري ينكر على الأنثى أبسط حقوقها في الحياة ويعتبرها مواطنة لا ترقى إلى الدرجة الثانية أو الثالثة ناهيك عن مرتبة المواطنة السياسية المسؤولة التي تصنع الحدث وتتحرك بين الرجال وتشرع القوانين التي تقيد سلطاتهم وتنتصر لحقوق المرأة وتدفع إلى تغيير مسار ظل يلغي وجودها طوال عقود لم تعرف معها غير حياة الكهوف والعبودية والظلامية.
لا خلاف أن الرسالة واضحة وهي رسالة لا تخفى على مراقب وبالتأكيد ستستهدف كل أنثى تعيش في أفغانستان تحذرها من مغبة الاقتداء بهذه المرأة التي تمردت على كل القيود وصنعت لنفسها صورة للمرأة الأفغانية الأنيقة المتعلمة والمتحررة والمتطلعة إلى تحمل المسؤولية ومنافسة من لم يتعودوا على حضور المرأة في دوائر السلطة وصناعة القرار.
طبعا لا يبدو أن الجريمة حركت سواكن طالبان أو أزعجت قياداتها التي لم تتأخر في التعبير عن مواقفها مما حدث والتأكيد على أن “المخاوف المتعلقة بالقيود على حقوق المرأة ليست أولوية، وأنَّها لن تسمح بأية أفعال تنتهك الشريعة الإسلامية، وسيتم التعامل مع هذه المخاوف طبقاً للقاعدة المعمول بها في البلاد”. وبعد أكثر من عام ونصف على إختراق طالبان المشهد لا يبدو أن صناع القرار الدولي والمنظمات الإنسانية الدولية والتمثيليات الديبلوماسية وغيرها ممن اختاروا الهروب على مواجهة الخطر الزاحف معنيين بخطورة وبشاعة الجريمة التي لم تكن الأولى وقد لا تكون الأخيرة على الأرجح.
مسؤولية طالبان إزاء هذه الجريمة ليست أقل من مسؤولية كل الأطراف الدولية المتداخلة في هذا البلد الذي تنسف فيه أبسط فرص الحياة للمرأة التي منعت من التعليم والعمل وحتى من الخروج إلى الساحات العامة أو الأسواق. ربما تمكنت الأيدي الآثمة من التخلص من ” مرسل نبيزاده ” ولكن الأكيد انه سيولد بدلا منها مئات بل آلاف من مثيلاتها في أفغانستان وفي كل جزء من هذا العالم الذي تتطلع فيه النساء إلى الحق في الحياة والذي لا يمكن لأي حركة أو حزب او ثقافة أو دين أو عقلية نسفه و مصادرته .
* آسيا العتروس .. كاتبة تونسية
• نقلا عن جريدة الصباح التونسية
إقرأ المزيد