أخبار عاجلةالرأي
الدكتور مجدي الشيمي يكتب : الصراع في منطقة القرن الأفريقي .. التدخل في اليمن علي غرار الصومال”
تعد منطقة القرن الأفريقى من أهم المناطق الجيو- استراتيجية فى العالم نظراً لموقعها الهام الذى يتحكم فى التجارة العالمية حيث تمر به شركات البترول العالمية ,كما أنها تتجاور مع مناطق إنتاج البترول العربى .
يضم القرن الأفريقى 8 دول “إريتريا وإثيوبيا والصومال وجيبوتى و السودان وجنوب السودان وكينيا وأوغندا ” , كان عدد السكان فى عام 2006 حوالى 160مليون نسمة ووصل هذا العدد إلى 218 مليون نسمة عام 2010 ، ويعانى 70 مليون نسمة منهم من نقص حاد فى الغذاء حيث وصل عدد المتوفين فى كل من السودان وإثيوبيا مليون نسمة من عام 1984 : 2011 .
تترواح نسبة السكان تحت خط الفقر المدقع فى إثيوبيا 72% والصومال 66% , و أيضا تدنى متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى لكل دول المنطقة فهناك أكثر من نصف دول القرن الأفريقي لا يتعد هذا المؤشر 396 دولارا ومعدلات الخصوبة الكلية لم تقل عن 3.8 طفل لكل إمرأة عام 2010 .
وخلال الفترة من 1970 -2000 تشهد المنطقة مجاعة كل عقد بسبب التغيرات المناخية ونمو السكان الأمر الذى ترتب عليه عدم القدرة على مواجهة الجفاف والازمات الغذائية، فعلي سبيل المثال الصومال وحدها يعانى 4 مليون نسمة من سكانها من نقص حاد من الغذاء , أما إثيوبيا فهناك ما يقرب من 4.5 مليون نسمة فى حاجة شديدة للمساعدات بسبب نقص الأمطار والارتفاع الحاد فى اسعار الغذاء وانعدام الأمن الغذائى . فالصراع الدولى القائم فى القرن الافريقى يرجع الى الأهمية الكبرى لمنطقة التحكم فى باب المندب والبحر الأحمر وتحكمه فى التجارة بين الشرق والغرب وتصارع أمريكا وفرنسا وإسرائيل علي التواجد في هذه المنطقة ، فقد حرصت أمريكا على تواجدها منذ الخمسينيات فى البحر الأحمر بحجة حفظ الأمن والسلام فى العالم ووقعت في ذلك الوقت اتفاق مع إثيوبيا على وجود قاعدة عسكرية فى أسمرة وهى من أهم القواعد العسكرية الأمريكية خارجها.
كما اهتمت أمريكا وإسرائيل بمنطقة القرن الأفريقى وذلك لقربها من البحر الأحمر والقرب من دول شبه الجزيرة العربية ووجود أهم الممرات المائية لتسهيل نقل النفط وحماية شركات البترول الأوروبية والأمريكية فى منطقة الخليج وعدم اعطاء الفرصة للتسلل الشيوعى السوفيتى والصينى .
فى الستينات أخذت اسرائيل دور الوكيل عن أمريكا فى لعب الدور الهام فى المنطقة ومساعدة أمريكا لإثيوبيا ضد إريتريا ، فى السبعينيات تم تبادل الأدوار حيث تخلت إثيوبيا عن المعسكر الغربى وأعلنت الماركسية رسميا وتحالفها مع المعسكر السوفيتى الإستراكى لذلك حرصت أمريكا على بقاء إريتريا تحت سيطرة إثيوبيا لحماية الأمن القومى الإسرائيلى والحفاظ على المصالح الامريكية والتحكم فى باب المندب .
بعد انتهاء الحرب الباردة انفرد الدور الأمريكى فى القرن الافريقى وترتب عليه إنهيار حكم منجستو فى إثيوبيا اما فى السودان حاولت عزل الجبهة الإسلامية فعززت روابطها العسكرية والاقتصادية مع إوغندا ورواندا . يلاحظ تدخل أمريكا فى الصومال فى 1992 بغرض استعراض القوة العسكرية والهيمنة حتى لا تطالب بمنطقة أوجاديين مرة أخرى وترتب علي ذلك عزل الصومال عربيا وأفريقيا ً فاصبحت فى شبه عداء مستمر مع إثيوبيا وكينيا .
ومن أهم نتائج الصراعات هى تدمير البنية التحتية وهروب رأس المال للخارج واحجام الإستثمارات الأجنبية على الدخول وتوجيه معظم الحكومات انفاقها على الجانب العسكرى وليس لتنمية أو حتى الخدمات الإجتماعية ونقص الصحة والتعليم وكثرة اللاجئين .
ومن أهم التدخلات الخارجية التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية هو انهاك وتدمير الصومال اقتصادياً ، حيث كانت الصومال مكتفية ذاتيا غذائياً حتى السبعينيات لكن بعض العوامل أدت إلى إنهيار اقتصادها وتدمير الزراعة وكذلك المراعى بسبب الجفاف والتصحر أو بسبب الحروب الأهلية او الحدودي.
فالإقتصاد الصومالى يغلب عليه الطابع الرعوى حيث مثلت الماشية 80% من عائدات التصدير حتى 1983 وأسهم تدخل صندوق النقد الدولى بتفاقم الازمة فى الصومال حيث فرضت الأصلاحات الإقتصادية علاقة تبادل إقتصادي هش , حيث فرض على الحكومة الصومالية برنامج تقشف شديد لتوفير الاموال اللازمة لخدمة ديون الصومال لنادى باريس واعتماد الصومال على استيراد الحبوب الغذائية من المعونات خاصة من القمح والارز و تحول انماط الاستهلاك العذائى على حساب المحصولين التقليدين (الذرة والسرغم) ، وكذلك إنهيار إقتصاد الماشية نتيجة زيادة اسعار عقاقير الماشية المستوردة بسبب إنخفاض سعر العملة وظهور ظاهرة اشباه البيطريين ، كل ذلك أدى إلى هلاك القطعان مما أدى الى انخفاض الإنفاق على الصحة بنسبة 78% وعلى التعليم واختفت الكتب المدرسية وتدهورت المدراس .
يمكن القول بأن تخريب اقتصاد الصومال كان بفعل : – المعونة الغذائية وسياسة الإقتصاد الكلى – ‘لغاء القيود على أسواق الحبوب والاعتماد على الفائض الأمريكى من الحبوب بإنتظام مما أدى لتدمير الزراعة الوطنية وتدمير الاقتصاد الرعوى – الغاء الرسوم فى الإتحاد الاوروبى على منتجات اللحوم والألبان ادي إلى القضاء على اقتصاد أفريقيا الرعوى بالاضافة الي تحول السعودية عن استيراد الثروة الحيوانية من الصومال وقت الحج والاعتماد علي الأسواق الأوربية .
ما حدث في الصومال من تأجيج الصراع وأنهاك الدولة اقتصادياً يتكرر حاليا مع اليمن فدولة اليمن تتعرض الآن لنفس التدخل ، ويرجع ذلك لأهمية الموقع الإستراتيجي ( مضيق باب المندب ) والذي يربط التجارة بين الشرق والغرب ، وما يتعرض له اليمن الآن من صراع طائفي فهو بفعل فاعل من أجل تقسيم هذا البلد المهم .
في النهاية يمكن القول: أن المجاعات فى عصر العولمة لم تكن بسبب المتغيرات المناخية بل أصبحت من صنع أيادي بشرية ولم تكن بسبب نفص الأغذية بل بسبب فائض العرض العالمى للغذاء الذى يسيطر عليه بشدة المنشآت الزراعية الدولية مما نتج عنه ركود في إنتاج واستهلاك المواد الغذائية الأساسية وإفقار المزارعين فى العالم كله , فالولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها يقودون تأجيج الصراعات الداخلية في منطقة الشرق الأوسط من أجل تقسيم المنطقة إلي دويلات صغيرة بما يخدم مصالحهم ومصالح إسرائيل .
*الدكتور مجدي الشيمي : باحث متخصص في الشأن الأفريقي ومؤسس مبادرة حدوته إفريقية .
إقرأ المزيد :