عمار العركي يكتب: التطورات الداخلية في إثيوبيا وتأثيرها على الأمن القومي السوداني
التطورات والأحداث تتلاحق وتتداعى في إثيوبيا يومياً ، وكلها تذهب في إتجاه انفجار الموقف من جديد في الداخل الإثيوبي ، والتي سترمي بظلالها السالبة على الأمن القومي السوداني .
تطورات الحرب والاحداث الداخلية المتسارعة في السودان جعلتنا نتوقف عن تحليل المشهد الإثيوبي ، ولكن ما طرأ من مستجدات، جعلنا نعود إليه وإلى تأثيره السالب على السودان حال لا قدر الله وإنفجرت الأوضاع في الجارة إثيوبيا من جديد .
إستقالة الأثيوبي (دمغي موكنن)، صقر الأمهرا المتشدد، وأحد مؤججي ملف (الفشقة) مع السودان ، وزير الخارجية ونائب أبي أحمد من منصبه نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي ، لهو العنوان العريض و المؤشر الأبرز لإقتراب انفجار الوضع من جديد ، بإعتبار أن الرجل هو آخر صقور الأمهرا البارزين والمؤثرين في حكم التحالف الذي إنهار – الأمهرة و أبي أحمد – حلفاء الأمس وأعداء اليوم.
استقالة “موكنن” تزامنت مع إنهيار تفاهمات ومحادثات غير رسمية للتهدئة بين “أبي أحمد والجيش الأثيوبي” من جهة ، وبين “جبهة الأمهرة وجناحها العسكري – الفانو” من جهة أخرى ، والتي على إثرها ، أوقفت قوات الأمهرة “الفانو” تقدمها بعد انتصارات عدة واستلامها عدد من المواقع العسكرية،وبعد أن كانت بصدد دخول (مدينة بحر دار) ، إكتفت بمحاصرتها، إلى حين ما تسفر عنه المحادثات التي انهارت وتبعها إستقالة موكنن.
فترة هذه التهدئة غير الرسمية ، استغلها (أبي احمد والجيش الأثيوبي) في معالجة آثار الحرب السابقة وتعويض الفاقد في التسليح وإعادة التموضع الهجومي والدفاعي ، حيث تم رصد إمداد عسكري وتسليحي متواصل إلى المطارات الاثيوبية تزامناً مع إنشاء قاعدة عسكرية في (مدينة الحمرا) الأثيوبية على الحدود السودانية.
وفي تطور لاحق ، أعلنت (جبهة تحرير شعب الأورومو المسلحة) – وهي القومية التي ينحدر منها أبي أحمد – عن إغلاقها للطرق السفرية الغربية والجنوبية في إثيوبيا التي تؤدي إلى العاصمة أديس أبابا ، مع أخبار تفيد برصل إثيوبيا لمقاطعتها (الايقاد) من خلال طلب تقدم به (أبي أحمد) لعقد قمة طارئة.
جبهة الأرومو التي أغلاقت الطرق، هي في الأصل مفجرة الثورة الإثيوبية ضد حكم (التقراي) الذي استمر ما يقارب الثلاثة عقود، وهي التي أوصلت ابنها الأورومي (أبي أحمد) إلى قمة السلطة والحكم ، قبل أن يغدر بها لاحقاً ، فسجن من سجن وأبعد من أبعد من قياداتها السياسية والعسكرية المنافسة له على رأسهم القائد الأورومي “جوهر محمد” الذي يتمتع بشعبية وكاريزما طاغية وتأثير أكبر من “أبي احمد “، مما جعله أيقونة الثورة الأثيوبية ،التي أحدثت التغيير وجاءت (بأبي احمد) علي قمة السلطة بتحالف مع غريم قوميته ( الأمهرة) ، التي يحاربها الآن بعد فض التحالف.
(أبي احمد) ، المُتعجل لتحقيق طموحاته الشخصية الكبيرة والتي هي أكبر من امكانياته،جعلت إثيوبيا مقبلة على حرب أهلية كارثية لا تذر ولا تبقي ، بعد أن وضع أبي أحمد الجيش الإثيوبي في مواجهة أكبر ثلاثة جبهات وقوميات رئيسية في إثيوبيا ( الأرومو + الأمهرة + التقراي) ، وهذه الأخيرة بعد أن تم استنزافها في الحرب السابقة والتي انتهت باتفاق سلام هش وآيل للسقوط عقب شقها وإضعافها واحتلال لمعظم أراضي إقليمها – التقراي – المجاور للسودان ، مما جعلها تبحث عن تقوية وتحالفات مع جارتها (جبهة الإقليم العفري) والتي بدورها لديها حسابات ومرارات قديمة مع (جبهة الأمهرة).
عموماً ، السودان بوضعه وموقعه سيكون حاضراً في الحرب و متأثراً بها ، فالذاكرة السودانية الحدودية الأمنية الإجتماعية الإقتصادية القريبة تتحدث عن التداعيات والتأثيرات السالبة على الأمن القومي السوداني عبر الحدود السودانية المشتركة مع أثيوبيا إريتريا إبان الحرب السابقة التي شنها الجيش الإثيوبي على جبهة إقليم التقراي المجاور للسودان ، وأعداد، التدفقات الكبيرة التي حدثت من اللاجئين الإثيوبيين وتسلل جماعات مُسلحة من ًً”جبهة التقراي” للآراضي السودانية وما صاحبها من إفرازات وأضرار أمنية و اقتصادية مع تحرشات وإتهامات إثيوبية رسمية غير مثبتة بدعم السودان “لجبهة التقراي”.
11. السيناريوهات المتوقعة :
أ- السيناريو الأول :
كل السبناريوهات المتوقعة تذهب الي حتمية انفجار الوضع واندلاع مواجهات ، لا يحول من وقوعها إلا حدوث تغيير أو إنقلاب “ناجح” على السلطة الفيدرالية يُفضي إلى ذهاب ( أبي احمد) ، أو بروز تدخلات وضغوطات خارجية قوية تحد وتحول دون طموحاته وخططه الحربية التي تمضي بوتيرة متسارعة .
ب- السبناريو الثاني:
انفجار الأوضاع ، وإندلاع الحرب ، وفي ظل هذه التعقيدات والتشابكات ستكون الغلبة للطرف الذي يدخل في تحالفات ويستقطب الأطراف الأخرى لصالحه ، وهذا مستبعد لطبيعة العلاقات التاريخية والحسابات البينية الخاصة بكل جبهة أو قومية إثيوبية.
ج- السناريو الثالث:
دخول إثيوبيا في دوامة العنف و الحرب الأهلية طويلة الأمد ليس فيها منتصر أو مهزوم ، يؤدي إلى تفكك النظام الفيدرالي الهش والمضطرب اصلاً لصالح نشوء أقاليم منفصلة ومحددة قومياً وإثنياً ، سبق أن منحها الدستور الإثيوبي في مادته(39) الحق في تقرير المصير و الانفصال غير المشروط.
12. خلاصة القول ومنتهاه:
• نتوقع اتساع رقعة المواجهات هذه المرة والتي ستشمل إقليم الأمهرة المجاور لولاية القضارف والمحازية لمحلياتها الشرقية وصولاً لملتقى مثلث “مدينة الحمرا” المشترك بين الدول الثلاث، والتي أقام عليها الجيش الإثيوبي قاعدة عسكرية استعداداً للحرب.
• عليه نتوقع تضاعف الآثار والإفرازات السالبة على السُودان مقارنةً بالحرب الإثيوبية السابقة التي استمرت فترة العامين ، مما يتطلب التحسب المبكر وإتخاذ الخطوات والتحوطات الوقائية المضادة الكفيلة بدرء الخطر والتهديد المتوقع علي الأمن القومي السوداني .
إقرأ المزيد :
رامي زهدي يكتب : إلي متي تستمر إثيوبيا في ضرر جيرانها بحجة البحث عن التنمية والرخاء