كأس إفريقيا.. مدرب محلي وحيد و 3 أجانب من هم مدربو البلدان المتنافسة بنصف النهائي؟
سيقود المنتخبات المتنافسة في نصف نهائي كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم، أربعة مدربين بينهم أفريقي وثلاثة أوروبيين. وسيكون إيميرس فايي، مدرب ساحل العاج، وحيدا أمام التقنيين “الأجانب” الذين غالبا ما ساهموا في تطوير الكرة الأفريقية، وكتبوا بعض الصفحات الجميلة في تاريخ المسابقة القارية.
فمن هم هؤلاء الرجال الأربعة الذي سيقودون فرقهم في المربع الذهبي؟
البرتغالي جوزيه بيسيرو
هل تعلم أن جوزيه بيسيرو كان يوما ضمن الجهاز الفني لريال مدريد؟ لم يكن هذا الرجل الستيني (63 عاما) مدربا للنادي الإسباني العملاق، وإنما مساعدا لمواطنه كارلوس كيروش خلال الموسم 2003-2004. لكن تجربته في فريق كان يضم أسماء لامعة في تاريخ كرة القدم، مثل زيدان و(البرازيلي) رونالدو وراوول وفيجو، تعطينا فكرة عن مسيرة مدرب نيجيريا حاليا، وعن قدراته التي سمحت له بتدريب بعض الأندية الكبيرة مثل بورتو وسبورتينج البرتغال أو الأهلي المصري، فضلا عن منتخبي السعودية وفنزويلا.
فلدى تعيينه على رأس منتخب “النسور الخضراء” (أو “الممتازة”) في مايو2022، عقب فشله في بلوغ نهائيات كأس العالم بقطر وبعد خروجه المبكر من كأس الأمم الأفريقية بالكاميرون على يد تونس في ثمن النهائي، أُسندت له مهمة إعادة ترتيب الأمور و”بناء” فريق يرقى لسمعة نيجيريا قاريا وعالميا. إلا أن بيسيرو فعل خلاف ذلك…
بدأت الشكوك تحوم حول قدرة بيسيرو على تحقيق الأهداف الموكلة إليه منذ انطلاق حملة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026، إذ تعادل زملاء المهاجم فيكتور أوسيمين في المواجهتين الأوليين بالمجموعة الثالثة أمام فريقين ضمن الأقل تصنيفا في أفريقيا والعالم وهما ليزوتو وزيمبابوي. وقد أسر العضو في المكتب التنفيذي للاتحاد النيجيري لكرة القدم نسي إيسان في نوفمبر 2023 أن “الجميع يريد فك الارتباط” مع مدربه البرتغالي، لكن المشاكل المالية التي يتخبط فيها (الاتحاد) حالت دون ذلك.
على ضوء هذه المعطيات، يمكن أن نفهم لماذا خرجت “النسور” عن قائمة المرشحين للفوز بكأس الأمم الأفريقية 2024 عندما انطلقت المسابقة في 13 يناير، لاسيما أنها سجلت تعادلا مخيبا منذ الجولة الأولى أمام غينيا الاستوائية (1-1). إلا أنها ظهرت بوجه مخالف تماما في المواجهة الثانية أمام منتخب البلد المضيف، فتألقت تكتيكيا وبدنيا وفنيا وذهنيا، لتنتزع نقاط الفوز على الرغم من عاملي الأرض والجمهور.
استمرت صحوة نيجيريا بقيادة جوزيه بيسيرو، وصارت تفرض نفسها لتدخل على خط السباق نحو الفوز النهائي. وكما قال مرارا خلال مؤتمراته الصحفية، يتمنى جوزيه بيسيرو أن يكون قائد “السفينة الخضراء” التي سترسو بنجاح بميناء التتويج في 11 فبراير.
فقد تبددت الشكوك حول خططه التدريبية، كما تبددت الضبابية المحيطة بمنتخب نيجيريا، وبات كثيرون (من الفنيين والصحفيين والمشجعين) يرشحونه للفوز باللقب، والذين سيكون الرابع في تاريخ هذا البلد الواقع في غرب القارة بعد 1980 و1994 و2013.
وقد أعطاه بيسيرو قوة دفاعية لم يكن يمتلكها، إذ تلقت شباكه هدفا واحدا في خمس مباريات وقبل المواجهة أمام جنوب أفريقيا في نصف النهائي، وأعطاه أيضا انسجاما شبه مثالي في مختلف الخطوط من خلال انضباط تكتيكي متميز، ما أتاح لمهاجميه فرصة تسجيل خمسة أهداف رائعة. لكن المدرب البرتغالي تمنى لو سجل فريقه “المزيد” على حد قوله. وصرح إثر المباراة أمام أنجولا في ربع النهائي: “نحن منتخب جيد (…) ما زلت راضيا عن أداء اللاعبين حتى الآن”.
ويجري اللقاء بين نيجيريا وجنوب أفريقيا الأربعاء في ملعب السلام بمدينة بواكي، عند الساعة السادسة مساء، في الدور نصف النهائي من البطولة.
البلجيكي هوجو بروس
فاز بروس بنسخة 2017 مع الكاميرون محرومة من سبعة لاعبين أساسيين، لا بداعي الإصابات لكن بسبب قرارهم الابتعاد عن الفريق لأسباب شخصية أو مالية.
وعلى الرغم من أن “البافانا بافانا” بدؤوا كأس الأمم الأفريقية 2024 بخسارة مريرة أمام مالي (2-صفر)، ما أثار كثيرا من الشكوك والانتقادات بشأنهم، إلا أن بروس (71 عاما) ظل مطمئنا، فقام بوصف أدوية العلاج للاعبين وبعث روح التفاؤل بينهم حتى تمكنوا من تجاوز محنة العقبات والصعاب بخطى ثابتة.
فبدأت مرحلة إعادة الاعتبار في الجولة الثانية واكتسحوا ناميبيا برباعية نظيفة قبل التعادل أمام تونس متسببين بإقصائها من السباق، فيما تأهل زملاء بيرسي تاو مهاجم الأهلي المصري لثمن النهائي في المركز الثاني خلف مالي، وترشحوا لمواجهة المغرب.
كانت الخطوة التالية أصعب بالنسبة لبروس وفريقه، لكن المدرب البلجيكي أكد قبل المواجهة أن “الأشبال” نجحوا في المعركة “الصغرى” وأنهم جاهزون للمعركة “الكبرى”. فكيف الفوز على “أسود” بلغوا نصف نهائي مونديال قطر 2022؟ جاء الجواب بعد المباراة على لسان بروس: “في كرة القدم، أنت بحاجة لقليل من الحظ، فقد أضاعوا ركلة جزاء (نفذها حكيمي) وأهدروا عدة فرص، وفعلنا ما علينا وسجلنا هدفين من دون أن نتلقى أي هدف”.
وبدا واضحا بأن هوجو بروس يتمتع بالبراغماتية والواقعية، فهو لا يتعهد بالمستحيل ولا يتوعد المنافسين، بل يركز على شغله وأهدافه، مستفيدا بـ “قليل” من الحظ خلال فوز فريقه على الرأس الأخضر في ربع النهائي، وتصدى الحارس وليامز لأربع ركلات ترجيحية بعد أن انتهى الوقت الرسمي ثم الإضافي بنتيجة التعادل السلبي.
وكان متيقنا بأنه لن يسمح لفريقه أن يؤدي دورا ثانويا أمام نيجيريا في نصف النهائي، فهو دائما يسعى للعب دور البطل كما فعل مع الكاميرون في 2017 عندما أطاح بالسنغال وغانا ومصر.
الإيفواري إيميرس فايي
إنها قصة لا تحدث سوى في كرة القدم الأفريقية! لنعد إلى الوراء: في 22 يناير، سجلت ساحل العاج خسارة مذلة أمام غينيا الاستوائية (4-صفر) في دور المجموعات، لتقترب من الخروج المبكر. وعلى إثرها، قرر مدربها الفرنسي جان-لوي جاسيه ترك منصبه ليحل مكانه مؤقتا مساعده الإفواري إيميرس فايي.
وطلب الاتحاد المحلي للعبة من نظيره الفرنسي رسميا أن يعيره مدربه للنساء هيرفي رونار (الذي قاد المنتخب العاجي لإحراز كأس الأمم الأفريقية في 2015) للإشراف على تدريبات “الأفيال” لما تبقى من المنافسة (بانتظار تأكد تأهلهم للدور المقبل، أو خروجهم). وفي حين رفض الفرنسيون الطلب الإيفواري، ضمن زملاء فراك كيسيه حضورهم في دور 16 بين أفضل أربعة منتخبات في المركز الثالث، وذلك إثر فوز المغرب على زامبيا 1-صفر في ختام دور المجموعات.
داود أمام جالوت
وعلى الرغم من أنهم أساؤوا التقدير وأثاروا سخرية الأفارقة، إلا أن مسؤولي كرة القدم الإيفوارية اضطروا لوضع ثقتهم كاملة في اللاعب الدولي السابق والإيمان بقدرته على إعطاء نفس جديد للفريق. فما شعور المدرب الجديد وموقفه من هذه المهزلة؟ اكتفى إيميرس فايي بالقول إنه استجاب لنداء الوطن، وإنه جاهز لاستلام المشعل ومواصلة الحملة الأفريقية.
وتلقى فايي في عيد ميلاده الأربعين في 24 ينايرهدية لن ينساها أبدا: الإشراف على تدريبات “الأفيال” خلال مسابقة تتشرف بلاده باستقبالها. لكن التحدي كبير، إذ بعد فرحة التأهل للدور ثمن النهائي، وجد الإيفواريون نفسهم أمام تحد كبير اسمه السنغال. فكيف بفريق كان على وشك الخروج أن يتخطى حاملة اللقب وأبرز المرشحين للفوز بالكأس؟ داود أمام جالوت.
لجأ إيميرس فايي، الذي نشأ كلاعب في مدرسة نانت الفرنسية والذي خاض منافسات دولية بالقميص الفرنسي في فئة الشباب قبل أن يدافع عن ألوان ساحل العاج من 2005 لغاية 2012، إلى كلمات بسيطة معبرة لأي لاعب إيفواري. فقال لفريقه قبل مواجهة السنغال: “نحن أفيال، ويجب أن نبقى أفيالا”.
ثارت “الأفيال” وتغلب داود على جالوت وتأهلت ساحل العاج لربع النهائي، ومنها لنصف النهائي إثر موقعة تاريخية أمام مالي بدأت بنقمة بطاقة حمراء (أشهرها الحكم المصري محمد عادل في وجه المدافع كوسونو) واستمرت بهدف في شباك الحارس فوفانا، لتنتهي بنعمة التعادل (1-1 في الدقيقة الأخيرة من الوقت الرسمي)، ثم اختتمت بفرحة التأهل (بهدف في الدقيقة الأخيرة من الوقت الإضافي).
فهل تتكرر المعجزة أمام الكونغو الديمقراطية في نصف النهائي؟
الفرنسي سيباستيان ديسابر
سئل سيباستيان ديسابر، المدرب الفرنسي لمنتخب الكونغو الديمقراطية، قبل مباريات الدور ربع النهائي هل كأس الأمم الأفريقية 2024 هي نسخة المفاجآت، فرد بانزعاج وسخرية: “إنها نسخة العمل الجاد”، وأضاف: “لست متفاجئا بحضور كل هذه الفرق” في دور الثمانية.
وبدا السؤال مستفزا، مستهزئا بنجاح ما تسمى “الفرق الصغرى”، كأفريقيا الجنوبية والكونغو الديمقراطية (مقارنة بالسنغال أو مصر، على سبيل المثال) وبفضلها في تخطي الأدوار الإقصائية وتغلبها على المرشحين للفوز باللقب القاري، ومستخفا بعمل مدربين من أمثال ديسابر أو الإيفواري إيميرس فايي.
فقد حقق سيباستيان ديسابر (47 عاما) أهدافه على رأس منتخب “الفهود” قبل الأوان، إذ إن المهمة المسندة إليه لدى تعيينه في مطلع أغسطس 2022 خلفا للأرجنتيني هيكتور كوبر كانت إعداد الفريق لخوض كأس الأمم الأفريقية 2025 المقرر إجراؤها بالمغرب وتصفيات مونديال 2026.
تغييرات جذرية
أحدث المدرب الفرنسي تغييرات جذرية في الفريق، إذ لم يبق من قائمة اللاعبين الذي خاضوا كأس الأمم 2022 بالكاميرون سوى ثلاثة لاعبين هم القائد شانسيل مبيمبا والمهاجم سيدريك باكامبو والمدافع أرتور ماسواكو.
لاقت الكونغو الديمقراطية بعض الصعوبات في الدور الأول، وتأهلت بعد ثلاث تعادلات منحتها أفضلية المركز الثالث بمختلف المجموعات. لكنها صمدت أمام مصر في ثمن النهائي لتنتزع التأهل بركلات الترجيح قبل أن تكتسح منتخب غينيا في ربع النهائي 3-1.
وقال حارس المرمى ليونيل مباسي إن ديسابر دائما يركز في خطاباته على إعادة “الفهود” لمكانتها المرموقة في أفريقيا، وإنه يأمل بقيادتها للدور النهائي لأول مرة منذ عام 1974. وصرح المدرب عقب الفوز على غينيا: “أنا فخور بهذا الإنجاز وفخور بأني أدخلت السعادة إلى قلوب الكونغوليين”. فماذا إذا حقق المفاجأة أمام منتخب البلد المضيف؟
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.