آسيا العتروس تكتب : لهذا السبب يجب إسقاط قانون قيصر
حالة من الصدمة و الذهول و الحزن أصاب العالم و هو يتابع تلك الصور المتواترة عن الإنهيار السريع لالاف المباني في تركيا و سوريا ، و لا نعتقد أن هناك إنسان على هذه الأرض يمكن أن يتابع هذه المأساة دون أن تحرك فيه شيء ، و الأكيد أن هناك قناعة بأن ما تعرض له الشعبان التركي و السوري يمكن أن يتعرض له أي كان .
نقول هذا الكلام و نحن ندرك أن كل لحظة تمر على الآلاف المطمورين تحت الأنقاض جراء الزلازل المدمرة التي ضربت الحدود التركية السورية تعني بكل بساطة إرتفاع حصيلة الضحايا بما يمكن أن يتجاوز كل التوقعات حتى الآن ، المعركة اليوم من أجل الحياة و الصراع مع الزمن لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأطفال و النساء و البشر الذين مر عليهم أكثر من ثمان و أربعين ساعة على وقوعهم تحت أنقاض المباني المهدمة.
لسنا نريد الانسياق وراء المقارنة المرفوضة بين إمكانيات الدولة التركية و ما يتوفر لها من قدرات عسكرية و مالية و ما حظيت به أيضا من دعم أوروبي و أطلسي وعربي و إسلامي و بين إمكانيات سوريا البلد الذي يعاني من تداعيات آفة الحرب و العقوبات و الزلزال و الثلوج التي تعيق اليوم عمليات الاغاثة و توشك بمضاعفة حصيلة الضحايا .
و الحقيقة أنه لا أحد يقبل بحرمان تركيا من المساعدات التي تحتاجها و لكن لا أحد أيضا يمكن أن يقبل أن تعاقب سوريا بتأخر المساعدات و أن تحرم من وصول فرق الإغاثة و المنظمات الإنسانية و الدولية التي اعربت عن رغبتها في الوصول إلى المناطق المنكوبة لأن هناك قانون يطلق عليه قانون قيصر يعرقل عبور الطائرات العسكرية للأجواء السورية و يعطل وصول المساعدات بما يفاقم مخاطر الزلزال و يضاعف عدد الضحايا ، حرم سوريا من تدفق المساعدات من حق تركيا و لكن من حق سوريا على العالم و على المجتمع الدولي أن يهب لمساعدتها في هذه المحنة .
يقول المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس ردا على الإنتقادات الموجهة لبلاده بشأن إستجابة الإدارة الأمريكية لاستغاثة سوريا “أن الولايات المتحدة شريكة الشعب السوري، وقد قدمنا مساعدات إنسانية أكثر من أي دولة أخرى. نحن ملتزمون ببذل قصارى جهودنا على جانبي الحدود لمساعدة حلفائنا الروس في الاستجابة من خلال جهود البحث والإنقاذ في المقام الأول ، وستجري هذه الجهود مع مساعدات أمريكية عما قريب، كما أنها ستحظى بتمويل لجهود الإستجابة الأوسع نطاقا من أجل التعافي…” ،و قناعتنا أن هذا الرد الديبلوماسي جدا يأتي للتخفيف من الإنتقادات الموجهة لواشنطن على خلفية قانون ” قيصر ” و الذي ينظر له اليوم كسبب مباشر في منع وصول المساعدات إلى مستحقيها ، و يعتبر المسؤول الأمريكي أن بلاده قدمت الكثير خلال الاثني عشر سنة الماضية و أن شريكها في سوريا هي المنظمات غير الحكومية التي تعمل على المستوى الميداني وتقدم الدعم الإنساني”.
و الحقيقة ان المسؤول الأمريكي أكثر من يدرك محدودية دور المنظمات الإنسانية في حالات الكوارث الطبيعية خاصة عندما يتعلق الأمر بالزلازل الشديدة التي سيتعين للقوات المسلحة من جيش و أمن و من هيئات الدفاع المدني التدخل فيها لإنقاذ الأرواح بالنظر إلى ما تحتاجه هذه العمليات من إمكانيات و آليات و لكن أيضا من تقنيات و تدريب و قدرة على الإستجابة لعمليات الإنقاذ التي تشبه الى حد كبير دور الجراح .
لقد جاء قانون ” قيصر ” الذي فرضه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2019 بدعوى حماية المدنيين في سوريا و بعد نحو عقد من زمن على سقوط توقعات الإدارات الأمريكية السابقة منذ الرئيس أوباما الذي راهن على أن سقوط نظام الاسد سيكون خلال شهرين فقط و هذا ما لم يحدث .
لسنا في إطار العودة إلى ما شهدته سوريا و المنطقة طوال العقد الماضي من انتشار للجماعات المسلحة و الحركات الإرهابية و الدواعش بمختلف مسمياتها و التي بدأت تفرض لها موطئ قدم في الموصل في العراق وادلب بسوريا ، و لو لم يتم التصدي لها لواصلت امتدادها و إقامة مشروع الخلافة الذي تتطلع إليه .
هناك أولوية اليوم تتمثل في إنقاذ الضحايا من الموت اختناقاً او جوعاً أو برداً تحت الأنقاض و قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لا يساعد على ذلك , و هو قانون لم يترك ثغرة و لو بحجم ثقب الإبرة للنظام السوري فهو يفرض عقوبات على الأفراد والشركات الذين يقدمون التمويل أو المساعدة للرئيسِ السوري كما يستهدفُ عددًا من الصناعات السورية بما في ذلك تلك المُتعلِّقة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية وإنتاج الطاقة و ينص القانون ايضا على فرض عقوبات على كل من يعمد إلى توفير السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا أو المعلومات أو أي دعم من شأنه توسيع الإنتاج المحلي في مجال الغاز الطبيعي والنفط والمشتقات النفطية.
هو يقيد عمليات البناء و الإعمار و يمنعها و يفرض على سوريا عقوبات اقتصادية مجحفة و على من يتجرأ على كسرها و اختراقها ايضا و هو ما يفسر حالة التردد لدى اغلب الدول الاوروبية وتلك التي يفترض انها سباقة في مثل هذه المآسي والعربية والإسلامية في إغاثة سوريا .
ولو بحثنا عن أصل التسمية لقانون قيصر سنجد أنه نسب لصاحبه وهو شخصية مجهولة قد يكون جندي فر من الجيش السوري و قد يكون عون مخابرات هارب انشق ثم سرب معلومات و صور لضحايا تعذيب في سوريا بين عامي 2011 و 2014.
تقول المصادر الامريكية ان الأمر يتعلق باكثر من 55 ألف صورة و أن هناك خبراء اخضعوا القيصر لفحوصات نفسية و طبية للتأكد من مصداقيتها .
ينص القانون أيضا على فرض عقوبات على كل من يعمد إلى توفير السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا أو المعلومات أو أي دعم من شأنه توسيع الإنتاج المحلي في مجال الغاز الطبيعي والنفط والمشتقات النفطية، و هو ما يمكن ترجمته بأنه عملية حصار و تجويع و إبادة و إهانة للشعب السوري حدث كل ذلك بموافقة و قبول المجتمع الدولي الذي يقف اليوم عاجزا أمام هول المصاب في سوريا و سيتعين عليه أن يبرر مستقبلا أنه لم يكن شريكا في المأساة المستمرة في سوريا .
لكل ما سبق نقول إنه سيتعين اليوم إسقاط قانون قيصر و منح الأولوية لإنقاذ حياة البشر و الإنتباه لأنات وصرخات الأطفال تحت الأنقاض و الإستجابة لاستغاثات الأهالي و المنكوبين قبل فوات الأوان .
* آسيا العتروس : كاتب تونسية
• نقلا عن جريدة الصباح التونسية