آسيا العتروس تكتب : عن دستور العدالة الانسانية ؟ !
في خضم الحصيلة المرعبة لضحايا الزلزال الذي هز سوريا و تركيا منذ عشرة أيام و هي حصيلة قد لا تتضح تداعياتها قبل مضي وقت طويل و ربما ليس قبل توقف عمليات الإنقاذ و تحديد قائمة نهائية بالقتلى و المفقودين , كان من الطبيعي بعد الساعات الأولى للزلزال أن تنصرف الجهود و الاهتمامات الى إنقاذ من وقعوا تحت الأنقاض و كان من الطبيعي أيضا أن يتجه الاهتمام الاعلامي و إهتمام المنظمات الإنسانية الدولية إلى الجانب الانساني للكارثة و إلى التوجيه نحو تضافر كل الجهود لكسر التابوهات و تجاوز الخلافات أو الصراعات أو الانقسامات بل حتى تجاوز القطيعة السياسية بين الأنظمة و لو إلى حين كل ذلك لسبب وحيد و لكنه مهم و هو أن كل ساعة بل كل لحظة تمضي في مثل هذه الأوقات تعني بالتأكيد اتساع الكارثة وارتفاع حصيلة القتلى و الضحايا.
و لاشك أيضا أنه في مثل هذه الكوارث المؤلمة تنتفي الهويات و الانتماءات و العقائد و الأجناس و تفرض العدالة الإنسانية دستورها و قوانينها على الجميع بهدف إنقاذ الأرواح خاصة في ظل قساوة المناخ و شح الإمكانيات و إجحاف العقوبات التي تعطل وصول المساعدات .
و من هذا المنطلق و بعد عشرة أيام على الزلزال الذي سيترك آثاره النفسية العميقة على أكثر من جيل فقد وجب الإشارة إلى فئة من الضحايا غابوا حتى الآن عن الاهتمام و لم تجد أعين الإعلاميين و المصورين طريقها إليهم و نقصد بذلك تلك العائلات الفلسطينية التي ابيدت على بكرة أبيها و قضت نحبها تحت الأنقاض , فكانت معاناتهم مضاعفة و هم الذين جاؤوا من غزة السجينة أو الضفة المستباحة و لجأوا الى سوريا أو تركيا بحثا عن خيط من الامل و الهروب من قيد و انتهاكات الاحتلال .
آخر الأرقام تشير إلى أن حصيلة الضحايا الفلسطينيين في هذه الكارثة تجاوزت المائة فلسطيني نصفهم في المناطق السورية المنكوبة و النصف الآخر في المناطق التركية فيما لا يزال البحث عن المفقودين .
لعنة الكوارث سواء الكوارث الطبيعية أو تلك التي من صنع الإنسان ما انفكت تلاحق الفلسطينيين و لا تزال مخيمات الفلسطينيين في سوريا و منها مخيم اليرموك عنوان للمأساة التي ترقى إلى جريمة الإبادة الجماعية.
المهم أيضا في هذه المأساة التي يعيش على وقعها العالم أنه بين فرق الانقاذ و قوافل الاغاثة التي اتجهت الى سوريا و تركيا كان هناك فريق من الاطباء و أعوان الاغاثة الفلسطينيين اللذين شاركوا في نجدة الضحايا و أكدوا أن لفلسطين و شعبها برغم الاحتلال و برغم الظلم ما يقدمونه للعالم و لسوريا التي احتضنتهم طوال عقود .
المؤسف فعلا أننا إزاء كارثة إنسانية ثقيلة و صادمة على أهالي الضحايا ولكن أيضا على كل شعوب العالم التي اهتزت للمشاهد المتواترة من المناطق المنكوبة في تركيا و سوريا ، والتي لا يبدو حتى الآن أنها هزت صناع القرار أو من يفترض أنهم يتحكمون بإدارة اللعبة في المنظمات الدولية و تعديلها الى الإتجاه الذي يفترض أن تتجه اليه البوصلة لتخفيف أعباء هذه المحنة و التي تبدأ بالتأكيد برفع العقوبات التي لا تستهدف الانظمة و لكنها تفاقم معاناة الضحايا , و لاشك أن الخلافات التي طغت على أشغال مجلس الأمن الدولي في الساعات القليلة الماضية بشأن كيفية التعاطي مع الكارثة و تحديدا في المناطق السورية المنكوبة بهدف إيصال المساعدات إلى مستحقيها في وجود قانون قيصر ما يعني أن العدالة الدولية ليست إلى جانب الضحايا طالما أنها تساعد في إمتداد تداعيات الكارثة بسبب هذا القانون الظالم اليوم مهما كانت مبررات الإدارة الامريكية للتمسك به .
نقول هذا الكلام و في قناعتنا أن دستور العدالة الإنسانية يفترض أنه كما أن تحرك العالم لمساعدة المنكوبين في تركيا و سوريا مسؤولية إنسانية عابرة للحدود و ليس منة او فضلا فإن نجدة المنكوبين الفلسطينيين في سوريا و تركيا بل و في كل المخيمات و الملاجئ الفلسطينية المنكوبة بسبب الاحتلال ليس منة و لا فضلا .
• آسيا العتروس .. كاتبة تونسية
* نقلا جريدة الصباح التونسية