رامي زهدي يكتب : قمة الاتحاد الإفريقي .. مابين احتياجات الشعوب الإفريقية وتطلعاتها .. الممكن و المتاح
المسافات كبيرة والطرق متباعدة… هكذا هي الحدود الفاصلة فيما بين احتياجات الشعوب الإفريقية وبين تطلعاتها…! ما بين الممكن والمتاح، مانحن عليه.. وما يجب أن نكون عليه في القارة الإفريقية، هكذا ننتقل بين القمم المتابعة للإتحاد الإفريقي والذي يبدو أن أحد أهم مكتسباتها علي الأقل هي دورية وديمومة الإنعقاد رغم الظروف الصعبة والتحديات والتي تزداد صعوبة من عام لأخر، لكن لا تمتلك القارة العظيمة إلا الصمود والمواجهة والإعتماد علي الذات قبل رجاء الآخر للدعم والمساعدة، في هذا الإطار نستعد لمتابعة قمة الإتحاد الإفريقي الدورة ال 36 خلال أيام 18-20 فبراير الجاري في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا كما هو معتاد سنويا في تقريبا نفس التوقيت من كل عام، وقد سبق ذلك إجتماعات المجلس التنفيذي للإتحاد الإفريقي رقم 42 علي مستوي وزراء الخارجية والذي شملت أجندة أعماله إستعراض أنشطة وأعمال الرئاسة السابقة للإتحاد الإفريقي وأجهزته عبر العام المنقضي والإستعداد للعام الجديد لرئاسة الإتحاد الإفريقي والذي تتنقل فيه رئاسة الإتحاد من جمهورية السنغال الي جمهورية جزر القمر، كما ركزت الإجتماعات السابقة علي مراجعة الوضع الإنساني والمجتمعي في إفريقيا خاصة في ظل التهديدات الكبيرة للأمن الغذائي والطاقي لمعظم دول القارة الإفريقية.
الإقتصاد والتنمية محاور رئيسية علي طاولة القمة القادمة في موضوعها ومضمونها الرئيسي لهذا العام والذي يأتي تحت شعار “تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية”، حيث سيتم تقييم خطة التنفيذ للسنوات العشر الأولى ووضع خطة التنفيذ العشرية الثانية من رؤية الاتحاد الأفريقي التي تمتد حتى 2063.
وعلي مستوي الرئاسة سيسلم الرئيس السنغالي ماكي سال الذي تولى رئاسة الاتحاد الأفريقي منذ فبراير 2022، الدورة الحالية 2023 لرئيس جزر القمر غزالي عثماني، وسط مؤشرات جيدة جدا لأداء الرئيس السنغالي عبر العام المنقضي خاصة وأنه كان عاماََ من أصعب الأعوام علي مستوي العمل الإفريقي خلال السنوات الماضية، وبالتوازي تطلعات لأداء مماثل لرئيس جزر القمر خاصة وأن دولة جزر القمر تتشارك في الصفة الإفريقية والعربية وربما وجودها الأن علي رأس العمل الإفريقي يسمح بمزيدا من إجراءات التقارب والإندماج الإقتصادي فيما بين دائرة الدول العربية العربية والأخري العربية الإفريقية ثم الدائرة الثالثة الإفريقية الإفريقية.
إحلال الأمن والسلم ومواجهة تحديات بؤر الصراعات في القارة الإفريقية، مثلت أهداف استراتيجية دائمة سابقا والآن و مستقبلا للعمل الإفريقي، ورغم الصراعات الإفريقية المتكررة او الجديدة او التي لاتلبث ان تنتهي حتي تبدأ من جديد إلا أن الجميع يدرك أن الأمن والسلم والإستقرار السياسي والإقتصادي والمجتمعي يمثلون خطوط رئيسية في أي عمليات تنمية وبدون أمن وسلم لن تستطيع أي جهود تنمية في القارة أن تصل لمبتغاها أو تحقيق أهدافها.
ومن أهم أعمال الاتحاد الإفريقي عبر العام المنقضي كان مساهة الإتحاد الإفريقي بشكل كبير في المصالحة بإثيوبيا والسودان،على الرغم من قوة التدخل الخارجي في شؤون هذه الدول، إلا أن الإتحاد الإفريقي إستطاع التأثير في التقدم نحو نهج جديد شامل وتوافقي في هذه الدول في مواجهة الصراعات السياسية والعسكرية ومحاولات الإقصاءالسياسي والمجتمعي، بالإضافة إلي إنشاء آليتين للبحث عن السلام والمصالحة في منطقة البحيرات العظمى وشرق الكونغو الديمقراطية، وعقد اجتماعات بشأن التغيرات “غير الدستورية” في أفريقيا.، ومنذ مبادرة مصر “إسكات البنادق” التي أطلقتها مصر خلال رئاستها للإتحاد الإفريقي في العام 2019 حرصت مصر علي متابعة التقدم في تنفيذ المبادرة عبر الرئاسات المتعاقبة للإتحاد الإفريقي، ويبدو أنه رغم التقدم المحرز في تطبيق المبادرة إلا أنه مازالت هناك فجوات بين حجم الصراعات وجهود العمل الحاسمة لمواجهة هذه الصراعات في القارة الإفريقية.
فيما يبدا واضحا أن الفجوة متسعة بين حجم الأزمات وجهود الإصلاح ومواجهة هذه الأزمات قياساََ علي مستوي النتائج المحققة، خاصة في ظل وضع إنساني ومجتمعي غير مناسب علي الإطلاق ولايتفق مع أقل مبادئي الحياة الكريمة ومتطلبات الحياة الأساسية للمواطن الإفريقي.
يعد شعار القمة أحد أهم الموضوعات الرئيسية في فعاليات وأجندة القمم الأفريقية، إذ يستمر لعام كامل، وينبثق عنه عدد من الفعاليات والقضايا طوال العام.، وهذا العام يأتي الشعار “إجراءات التسريع نحو تييسر تطبيق اتفاقية التجارة الحرة القارية” ، والتي أصبحت الحاجة الي سرعة تطبيقها ملحة وغير محدودة، يكفي ان نذكر ان كل دول القارة الإفريقية دون إستثناء تعاني من أزمات الغذاء والطاقة، لكن تختلف شكل وحجم الأزمة من دولة إلي أخري وأيضا تختلف الدول في إجراءات المواجهة حسب حجم القدرات والإمكانيات المتاحة، فيما بين نقص الغذاء، سوء الغذاء، إرتفاع التكلفة، نقص النقد الأجنبي لتأمين التزود بالغذاء وحتي الشح الغذائي والمجاعات في نطاقات وبؤر حرجة متعددة من القارة الإفريقية والأمر بالمثل علي مستوي الطاقة، وتراجع البنية التحتية والأمنية، وكذلك البنية الصحية والعلاجية.
كذلك تظل الدعوة الدائمة ووحدة الموقف الأفريقي الذي يؤكد على ضرورة تمكين القارة من الحصول على مقعدين دائمين في الهيئة الأممية، ورفع تمثيلها في فئة المقاعد غير الدائمة من 3 إلى 5 مقاعد، وإن ظل تحقيق هذا المطلب غير قريب، حتي بعد ان تحولت القارة الي طرف تفاوضي مؤثر في معظم قضايا العالم السياسية والإقتصادية، رغم أنه شهد العام 2005 إطلاق لجنة أفريقية تتكون من 10 دول أفريقية مكلفة بتطوير مقترحات بشأن إدخال إصلاحات على آليات مجلس الأمن، كما تم تكليفها بحشد التأييد في العالم لرؤية أفريقيا لهذه الإصلاحات.
وبعد إرتفاع وتيرة وحدة التنافس علي القارة الإفريقية مابين قوي دولية مؤثرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، الصين وروسيا، وقوي دولية تقليدية مثل فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا وقوي إقليمية مثل تركيا، إيران، وإسرائيل، تأتي القمة للقادة الأفارقة كفرصة لتقييم استعداد الاتحاد الأفريقي لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية العديدة التي تواجهها القارة في العام المقبل، وعلى رأسها إنهاء النزاعات والتدخل الخارجي المتمثل في التنافس الدولي على القارة والذي متوقع أن يصل لدرجات غير مسبوقة خلال العام الحالي، وبالتالي ولأن التنافس الدولي واقع لا محالة، إذن قد تتمكن القارة الإفريقية من إدارة عمليات تفاوض بمركز ثقل تفاوضي كبير، خاصة وأنها الأن تمتلك بدائل متعددة.
ومازال الوضع في ليبيا حاضراََ، فستشهد فعاليات القمة اجتماعا للجنة الأفريقية رفيعة المستوى بشأن ليبيا بهدف منح دفعة قوية للجهود الأفريقية في هذا الملف، حيث شدد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي على أهمية اتخاذ موقف أفريقي مشترك بشأن تمويل عمليات دعم السلام التي يقودها الاتحاد بالقارة.
وأيضا مراجعة المواقف في كلا من جمهورية الكونغو الديمقراطية والأوضاع الأمنية في مالي وبوركينا فاسو وغينيا والسودان والتي شهدت جميعها توترات وصراعات داخلية في عامي 2021 و2022.
كذلك أزمة تفاقم الجوع في عدة مناطق بالقارة واحدة من القضايا الرئيسية التي تتناولها القمة، وهي الأزمة التي أذكتها الصراعات المسلحة والظروف الجوية القاسية التي يربطها العلماء بتغير المناخ الناجم عن انبعاثات الوقود الأحفوري، حيث علي سبيل المثال تقف الصومال على شفا المجاعة بعد احتجاب الأمطار عنها لخمسة مواسم متتالية، حيث يعاني مئات الآلاف هناك من نقص كارثي في الموارد الغذائية.
وإلى جانب رؤساء الدول الخمس والخمسين الأعضاء في الاتحاد، سيحضر القمة أيضا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، وبحسب مسودة لنتائج القمة، سيسعى القادة الأفارقة للحصول على مقاعد دائمة للقارة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وفي مجموعة العشرين للاقتصادات الكبرى.
كما سيتبنى الزعماء الأفارقة أيضا سلسلة من الاتفاقيات التي تهدف للتعجيل بتنفيذ كامل لمنطقة جديدة للتجارة الحرة في أفريقيا، والتي بدأت بموجبها التجارة رسميا عام 2021.
• رامي زهدي- خبير الشؤون الإفريقية السياسية والإقتصادية والإستثمار
إقرأ المزيد :