آسيا العتروس تكتب .. من البلدوزر إلى الرصاص القاتل
بين راشيل كوري وشيرين أبوعاقلة قصتا نضال مؤنث وجريمتان لا تسقطان بالتقادم ..لماذا تخذلهما الجنائية الدولية؟
عشرون عاما تمر اليوم على واحدة من أبشع جرائم العصر المنسية في سجل الإحتلال الإسرائيلي وهي جريمة إعدام الناشطة الأمريكية اليهودية ” راشال كوري ” في مدينة رفح عندما وقفت متحدية البلدوزر محاولة منع عملية تدمير منازل الفلسطينيين التي اعتمدتها سلطات الإحتلال كعقاب جماعي ضد الفلسطينيين ، و لكن كمبرر لتوسيع المستوطنات و مصادرة الارض .
اليوم و نحن نعيش على وقع اليوم العالمي للمرأة و مع اقتراب ذكرى يوم الأرض تعود ذكرى إغتيال راشيل كوري لتذكر المجتمع الدولي أن الجناة أحرار و أن الإفلات من العقاب لمن اقترفوا جريمة راشيل التي لم تنصفها لا السلطات الأمريكية و لا الإسرائيلية و لا الدولية هي التي تدفع الإحتلال لتكرار جرائمه و استهداف النساء والاطفال والشيوخ دون أدنى احساس بالحرج أو الانشغال أو الخوف من الملاحقة .
– من إغتيال راشيل كوري في رفح الى إغتيال أبو عاقلة في جنين
لقد أعادت جريمة إغتيال عروس جنين شيرين أبو عاقلة الى الأذهان جريمة لا تقل عنها بشاعة و تتعلق بقتل الحقوقية الأمريكية راشيل كوري، في قطاع غزة، على يد جيش الإحتلال الإسرائيلي سنة 2003، بعد أن دهستها جرافة إسرائيلية، كانت تقوم بأعمال هدم لمنازل فلسطينيين، في مدينة رفح، جنوبي القطاع.
كان ذلك قبل عشرين عاما من اليوم ولا تزال الجريمة التي تابعها كل العالم بلا عقاب ولا تزال راشيل كوري التي دهستها جرافة الإحتلال الاسرائيلي بنية القتل تنتظر موقفا واضحا و قرارا عادلا من الجنائية الدولية التي أقرت بأن ما يحدث من انتهاكات في الأراضي الفلسطينية المحتلة يتنزل ضمن اختصاصاتها .
وكما حدث لشيرين أبو عاقلة وهي الفلسطينية الأمريكية التي كانت تلبس الخوذة و تضع السترة التي تشير إلى أنها إعلامية و التي كان يفترض أن تحميها من رصاص الإحتلال , كانت الناشطة الامريكية اليهودية راشيل كوري، ترتدي آنذاك، بزّتها البرتقالية، للتعريف عن نفسها بأنها ناشطة حقوقية أجنبية، وحاولت برفقة ثمانية من زملائها في حركة التضامن الدولية، وهم وفق تقرير للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، خمسة أمريكيين وثلاثة بريطانيين، منع جرافة عسكرية تابعة لقوات الإحتلال من هدم المنازل في مدينة رفح ، يقول شهود عيان أن سائق البلدوزر داس على جسد راشيل النحيل مرتين …وعندما كانت تنادي بمكبّر الصوت على الجنود الإسرائيليين داخل الآلة العسكرية، في محاولة لإيقافهم عن تجريف المنازل، دهستها الآلة بشكل متعمّد، وفق المركز.
وتعتبر كوري، أول ناشطة سلام دولية تقتل بينما كانت تحتج على عملية هدم للمنازل الفلسطينية تقوم بها قوات الاحتلال.
وصلت كوري، وهي من مواليد 10 افريل 1979 في أولمبيا بواشنطن، قطاع غزة ضمن حركة التضامن العالمية عام 2003 التي كانت تحاول رفع الحصار عن أهالي غزة و استقطاب أنظار العالم الى معاناة الأهالي المنسيين من الخارطة الدولية .
وشكّلت جريمة مقتل الناشطة كوري في غزة، صدمة لدى المجتمع الدولي الذي اهتز لبشاعة الجريمة كما اهتز لوقعها المنظمات الحقوقية الاقليمية والدولية ، فهي مواطنة أمريكية، وجاءت للدفاع عن فكرة السلام باستخدام الوسائل السلمية المتعارف عليها دولياً، إلا أن ذلك الزخم و تلك الاحتجاجات و الأصوات التي ارتفعت من كل أنحاء العالم للمطالبة بالعدالة لراشيل كوري ما انفكت تتراجع و تغيب عن المشهد حتى لم يبقى الا قلة قليلة تتذكر هذا الإسم خاصة وأن سلطة الإحتلال أقرت بشكل قطعي أن قوات الإحتلال لم ترتكب ذنبا في حق راشيل كوري التي وضعت نفسها في موضع الخطر ،و هو في الحقيقة طريقة دأب عليها الإحتلال للتنصل من المسؤولية في كل ما يرتكبه من خروقات ولكن أيضا لترهيب الفلسطينيين ومعهم النشطاء الأجانب و المنظمات الحقوقية التي تتعاطف معهم و التي قد تنضم إليهم على الأرض لمناصرتهم في مواجهة العدوان .
في آخر رسالة لها قبل اعدامها من جانب الإحتلال تقول راشيل كوري “أعتقد أن أي عمل أكاديمي أو أي قراءة أو أي مشاركة في مؤتمرات أو مشاهدة أفلام وثائقية أو سماع قصص وروايات لم تكن لتسمح لي بإدراك الواقع هنا، ولا يمكن تخيل ذلك إذا لم تشاهده بنفسك، وحتى بعد ذلك تفكر طوال الوقت بما إذا كانت تجربتك تعبر عن واقع حقيقي” ، وهو ما يعني صراحة أنه لا شيء يماثل الوقوف على حقيقة الوضع على الأرض وأن إستمرار راشيل كوري يعني اتساع دائرة النشطاء و المتحمسين للتحرك ضد الجرائم اليومية للاحتلال الإسرائيلي .
بعد تلك الجريمة قال المحامي في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان محمد العلمي “إن المركز تابع مقتل راشيل كوري ووثق الجريمة، واتخذ جميع الإجراءات القانونية أمام جميع الجهات القضائية الإسرائيلية”.
و كشف انه “تم رفع دعوة ضد جيش الإحتلال في المحاكم الإسرائيلية، ولكن المحكمة المركزية في حيفا، ردت بتبرئة الجيش من مسؤولية قتلها، وقالت إنها هي من وضعت نفسها في هذا الوضع الخطر”.
واتجه المركز لاحقا لرفع عديد القضايا ضمن نظام الولاية القضائية الدولية، في دول أخرى مثل أسبانيا وفرنسا ضد الجيش الإسرائيلي، لكن لم يتم محاكمة أحد أو تجريم الجنود بسبب التدخلات والضغوط الإسرائيلية”.
ولعله من المهم الإشارة أنه تم مقاضاة الشركة التي صنعت الجرافة التي قتلت الناشطة كوري، وتمت استجابة جزئية بإيقاف توريد ذلك النوع من الجرافات لجيش الإحتلال، لكن بعد فترة عادت الأمور لما كانت عليه .
ومرة أخرى فإنه عندما يتراجع الإهتمام بالقضية لأي سبب كان و تغيب الكاميرا وتتوقف عملية كشف ما يجري على الأرض تعود آلة القتل لمواصلة ما دأبت عليه .
ولا شك أن في إصدار المحكمة الجنائية الدولية، قراراً يقضي بولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967واعتبارها أن “المحكمة الدولية توافق على التحقيق في جرائم حرب محتملة من قبل إسرائيل في الأراضي الفلسطينية.
راشيل كوري و شيرين أبو عاقلة أيقونتان من أيقونات النضال النسائي الذي يواصل تأجيج الحماس لمواصلة المعركة و هما بالتأكيد من الرموز التي تجعل للأنثى من مختلف الأجيال و الانتماءات الفلسطينية دورها القيادي في المقاومة اليومية الشعبية والمقاومة المسلحة منذ أول شرارة للصراع غير المتكافئ بين محتل معتدي يحظى بكل أنواع الدعم لتحقيق التفوق العسكري و بين ضحية بالكاد يحصل على ما يعزز إرادته لمواصلة الصمود على أرض المعركة .
-في إنتظار الجنائية الدولية
و كان قضاة المحكمة الجنائية الدولية أعلنوا في 5 فيفري 2021 قرارا يقضي بأن المحكمة ومقرها لاهاي لها ولاية قضائية على جرائم حرب أو فظائع ارتكبت في الأراضي الفلسطينية مما يفتح المجال أمام تحقيق محتمل وذلك رغم اعتراض إسرائيل.
وقال القضاة إن القرار استند على قواعد الاختصاصات القضائية المنصوص عليها في وثائق تأسيس المحكمة، ولا يشمل أي محاولة لتحديد وضع دولة أو حدود قانونية.
وقالت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا في ديسمبر2019 إن هناك “أساسا معقولا للاعتقاد بأن جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة”.
كان من الطبيعي أن يثير القرار غضب و رفض الجانب الإسرائيلي الذي سيتجه إلى التخفي خلف نفس التبرير الذي كان و لا يزال يعتمده وهو”أن المحكمة الجنائية هيئة سياسية وليست مؤسسة قضائية”، وأن المحكمة بقرارها هذا تلحق ضررا “بحق الديموقراطيات في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب..”.
واعتبر رئيس الوزراء نتنياهو آنذاك أن “المحكمة تتجاهل جرائم الحرب الحقيقية، وتتعقب بدلا من ذلك إسرائيل، وهي بلد له نظام ديمقراطي قوي يقدس حكم القانون وليس عضوا بالمحكمة”.
وأكد نتنياهو أن إسرائيل “ستحمي كل مواطنيها وجنودها” من المقاضاة.
و اليوم و مع اقتراب الذكرى الأولى لاغتيال الإعلامية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبوعاقلة لا يزال الخطاب ذاته جاهزا للتسويق والعمل على سحب البساط و إجهاض كل محاولة لتحقيق العدالة المغيبة.
وقد سبق لوالدة ريشيل كوري أن أكدت أن “جهود العائلة القانونية انتهت في إسرائيل عام 2015 عندما أيدت المحكمة العليا الإسرائيلية قرار المحكمة المركزية الأدنى في حيفا ولم تجد أي خطأ في تصرفات الجيش”.
كما أشارت إلى أن “جهود العائلة القانونية كشفت طبيعة عمل الجيش الإسرائيلي بالتنسيق مع حكومة الاحتلال والمحاكم الإسرائيلية في التواطؤ لقمع الشعب الفلسطيني والحفاظ على الإحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية”.
أما عن دور الإدارة الأمريكية للرئيس بايدن في ملاحقة الجناة فقد نفت أي تواصل للعائلة مع البيت الأبيض بشأن قضية راشيل، ولكنها في المقابل لفتت إلى تاريخ طويل من المناقشات والاجتماعات مع مسؤولين حكوميين خلال الإدارات السابقة -مثل وزيرالخارجية أنتوني بلينكن، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز- وغيرهم ممن خدموا في طاقم الرئيس بايدن عندما كان سيناتورا في مجلس الشيوخ وعندما شغل منصب نائب الرئيس لمدة 8 سنوات.
وأوضحت والدة راشيل كوري أن “هؤلاء المسؤولين اهتموا وساعدوا في كثير من الأحيان، ولكن في ما يتعلق بمسؤولية إسرائيل عن عملية القتل تهرب هؤلاء وفشلت الحكومة الأميركية في اتخاذ المزيد من الخطوات لمعالجة قتل راشيل الوحشي ومتابعة الأسئلة التي طرحوها على نظرائهم الإسرائيليين. وهي أيضا من أكدت أن دعم واشنطن غير المحدود لإسرائيل يبعث رسالة “إلى الجنود والحكومة الإسرائيلية بأنهم سيكونون محميين، ويمكنهم العمل مع الإفلات من العقاب ضد الفلسطينيين وغيرهم دون عواقب وخيمة، وهي الرسالة ذاتها التي توجهها الإدارات الأمريكية في التعاطي مع ضحايا أمريكيين كما في حالة الصحفية شيرين أبوعاقلة والمسن الأميركي من أصل فلسطيني عمر أسد، وفي مقتل المئات وحتى الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.
حكاية راشيل كوري تستحق أن تدون وأن تنشر حتى يدرك الرأي العام الدولي أن الرصاص الاسرائيلي لا يفرق بين امرأة و طفلة أو شيخ عندما يتعلق الأمر بقمع كل صوت ضد سلطة الاحتلال .
وقد كان صوت راشيل كوري قويا و كان حضورها مؤثرا ولم يكن للاحتلال أن يسمح بأن تكون راشيل كوري مثال يتكرر أو أن تصيب عدوى راشيل كوري غيرها من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية الذين كانوا يتجمعون كل أسبوع في نعلين وبلعين للتنديد بجرائم الاحتلال .
لا تزال والدة راشيل كوري تحاول دعم الشعب الفلسطينيين في كفاحه لا تزال تحاول .. وأكدت كوري تقديرها لكفاح الشعب الفلسطيني، وقالت “ونحن إذ نشهد ما يتحمله الفلسطينيون لا يسعنا إلا أن نشعر بالاحترام تجاه صمودهم، فالصمود يرفع قدرتهم على التمسك بإنسانيتهم، فيما يعيشون كل لحظة من حياتهم تحت الإحتلال أوتأثيره، ولا نزال نستلهم من جيل الشباب القوي والمطلع من الفلسطينيين الذين حملوا العصا وعملوا في جميع أنحاء العالم من أجل العدالة”.
وبعد 20 عاما من مقتل راشيل تؤكد سيندي كوري أن هدفها وهدف كل عائلة الشهيدة راشيل هو “الاستمرار في الوقوف مع شعب فلسطين للحفاظ على الإلتزام الذي كانت راشيل مصممة على القيام به تجاهه، نريد أن ندعمهم في نشر قصصهم وأن نقف معهم في مطالبهم بالحرية والمساواة والسلام العادل…”.
-انه جيل لا يتسلل اليه الخوف
هناك اليوم على أرض فلسطين جيل جديد لم يعرف أوسلو و لا يعترف به و هذا الجيل كتبت عنه “عميرة هس “و هي صحفية اسرائيلية تقيم في الضفة و مساندة لحقوق الشعب الفلسطيني “ان المواجهات المستمرة في الأراضي الفلسطينية يقف خلفها جيل جديد من الشبان الفلسطينيين الذين فقدوا كل أمل في إتفاق أوسلو .
كما يقول ” نعوم أمير ” في صحيفة معاريف “لقد نشأ هنا جيل لا يخافنا “…و هو ما يعني أن حراس المعبد لن يندثروا و أنهم مصرون على مواصلة المسيرة و لكن يظل هناك مسؤولية قائمة للمجتمع الدولي و للمنظمات الحقوقية في دعم صمود هذه الأجيال التي سبق لجدعون ليفي و هو الكاتب الاسرائيلي الذي لم يتردد في التصريح بأنه يخجل من كونه إسرائيليا بسبب ما تقترفه سلطات إسرائيل من خروقات في حق الفلسطينيين ، اذ يقول ليفي في حديثه عن الجيل الجديد في فلسطين في هآرتس،: يبدو أنّ الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليهم الغانيات وبنات الهوى، وقلنا ستمرّ بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجّر انتفاضة الـ 87… أدخلناهم السجون وقلنا سنربّيهم في السجون وبعد سنوات، وبعد أنْ ظننا أنهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000، أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة، وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً، في الحرب الماضية، حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصناعي عاموس ويدخلون الرعب إلى كلّ بيتٍ في إسرائيل، عبر بث التهديد والوعيد، كما حدث حينما استطاع شبابهم الإستيلاء على القناة الثانية، خلاصة القول، يبدو أننّا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الإعتراف بحقوقهم وإنهاء الإحتلال”.
في خضم هذا المشهد تستمر المعركة و يسجل التاريخ في كل حلقة منها أن للأبطال تنحني الرؤس احتراماً و اكبارا لتضحياتهم و انه لا مكان للمتخاذلين ممن اختاروا الفرجة في انتظار عودة غودو منقذهم من الذل و الهوان .
• آسيا العتروس .. كاتبة تونسية
إقرأ المزيد :