الدكتور حسين عبد البصير يكتب : علاقات مصر القديمة وأفريقيا
كانت أفريقيا مهمة للغاية لدى المصريين القدماء، ومنذ أقدم عصور الحضارة المصرية القديمة لعب الملوك المصريون دورًا كبيرًا في الانتشار في أفريقيا وكشف معالم هذه القارة القديمة العظيمة.
وقام الملوك المصريون بتمصير القارة الأفريقية منذ بدايات التاريخ المصري القديم، حيث كانت أفريقيا هي العمق الجنوبي للحضارة المصرية، وأمدت أفريقيا مصر والمصريين القدماء بالعديد من السلع والمنتجات التي كان المصريون القدماء يحتاجون إليها من أجل تشييد حضارتهم العظيمة.
فقد قام ملوك بداية الأسرات المصرية القديمة وعصر الدولة القديمة بتعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية مع أفريقيا وإرسال البعثات والوفود لجلب المنتجات الأفريقية إلى مصر القديمة.
وكانت أفريقيا منجمًا لمصر القديمة؛ نظرًا لوجود العديد من المنتجات التي لم تكن موجودة في مصر القديمة في تلك الفترة.
بدأت العلاقات المصرية القديمة مع الجنوب منذ أقدم العصور، وكانت فترة ما قبل الأسرات شاهدة على التواصل والتداخل الحضاري بين مصر وجنوبها. وكانت فترة الأسرات المبكرة مهمة جدًا في تأسيس الدولة المصرية وتحديد الأولويات بالنسبة لها وكيفية التفاعل والوجود مع جيرانها إلى الجنوب من حدودها التي كانت متغيرة.
فقد كان نهر النيل هو شريان الحياة الذي يربط بين وادي النيل شمالاً وجنوبًا ، وكانت النوبة هي الملعب المصري الأثير في المنطقة سواء النوبة السفلى أو النوبة العليا.
ونرى منذ بدايات الحضارة المصرية الوجود المصري فاعلاً للغاية ومؤثرًا في الجنوب.
كان عصر الدولة القديمة بداية قوية للتوغل الكبير في الجنوب، وكانت فترة عصر الانتقال الأول فترة غير مستقرة في مصر.
ثم جاء عصر الدولة الوسطى وتبدأ سياسة تمصير الجنوب بشكل كبير ومنهجي جعل مصر العنصر الأكثر فاعلية هناك ، وبدأت مصر في إقامة القلاع والحصون وبناء التجمعات المصرية لتأمين الحدود وصد أية هجمات قد تهدد الحدود وجلب خيرات هذه البلاد إلى البلاط المصري.
وبناء على ذلك، قام الملك العظيم سنوسرت الثالث بتوسيع حدود مصر الجنوبية في النوبة حيث أقام سلسلة من القلاع النهرية الضخمة منها بوهن وتوشكي ووصل إلى الجندل الثالث ، وهناك مسلة تذكر إنجازاته الحربية في النوبة.
مرت مصر بمحنة الهكسوس وتحالف حكام النوبة مع الهكسوس ضد مصر ، ونجح أحمس الأول في طرد الهكسوس. وجاء الخلفاء العظام تحتمس الأول وتحتمس الثالث وتم تأسيس الإمبراطورية المصرية في الشرق الأدنى القديم والنوبة.
وقام فراعنة الدولة الحديثة بتأمين حدود مصر وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع جيرانها ، وشن الملوك أمثال تحتمس الأول وحفيده تحتمس الثالث الحملات العسكرية ومدوا نفوذ الفراعنة إلى بلاد النوبة، وذلك تدعيمًا للولاء وللحصول على الواردات الأفريقية المطلوبة لمصر.
وتم ضم النوبة إلى الممالك التابعة للإمبراطورية المصرية وتم تعييين أحد الممثلين لمصر لحكم هذه البلاد نيابة عن الفرعون العظيم، وأخذ لقب “ابن الملك في كوش” ، وجاء أهل هذه البلاد يحملون الجزية لبلاط الملوك المصريين القدماء كما هو مصور، على سبيل المثال، في مقبرة الوزير رخ مي رع الموجودة في البر الغربي لمدينة الأقصر، والذي كان يعمل وزيرًا للملك الفاتح العظيم الملك تحتمس الثالث من عصر الدولة الحديثة.
بعد نهاية عصر الدولة الحديثة انهارت هيبة مصر انهيارًا كبيرًا ، واستقل ملوك مملكة كوش أو الكوشيون وأسسوا مملكتهم التي تمركزت في نباتا في جنوب السودان.
وقام الكوشيون خلال تلك الفترة بغزو مصر تحت قيادة الملك بعنخي أو بيا، وسيطر على طيبة والدلتا ومن ثم سيطر الملوك الكوشيون على مصر في القرن الثامن قبل الميلاد.
وقد حكم الملوك الكوشيون مصر باعتبارهم الأسرة الخامسة والعشرين ، وحكم ملوك الأسرة الخامسة والعشرين الكوشية مصر الفرعونية فيما يعرف تاريخيًا بعصر الانتقال الثالث ، واستمر الكوشيون في حكم مصر لمدة تقرب من مائة عام، ومن أشهر ملوك تلك الحقبة الملك الكوشي طهرقا والذي تم تتويجه في منف بمصر.
وحكم طهرقا كوش ومصر معًا، وقام بترميم المعابد المصرية في الكرنك، كما قام ببناء العديد من المعابد والأهرامات الجديدة في النوبة. غير أن دولة كوش الضعيفة لم تستطع أن تستمر في حكم مصر القوية. وبعد فترة من حكم الكوشيين لمصر، بدأ الآشوريون هجومهم وغزوهم لمصر، فحارب كل من الملكين الكوشيين طهرقا وخليفته تانوت أماني الآشوريين. وفي نهاية المطاف، أجبر الآشوريون الملوك الكوشيين على العودة إلى بلادهم، واحتلوا منف، وعزلوا معابد طيبة ، وهكذا انتهت الأسرة الخامسة والعشرون الكوشية. وحلت مكانها أسرة مصرية أصيلة من أعماق الدلتا المصرية من مدينة سايس أو صا الحجر الموجودة في مركز بسيون في محافظة الغربية الحالية، وأسست ما يعرف بعصر الأسرة السادسة والعشرين أو العصر الصاوي نسبة إلى عاصمتهم.
وقام بسماتيك الثاني بحملة ضد النوبيين ودمر آثارهم في كل مكان، وقام ملوك الأسرة السادسة والعشرين الصاوية بتقليد كل ما هو جميل في عصور الازدهار السابقة.
وكانت هذه الأسرة من أجمل وآخر الومضات الحضارية في مصر القديمة. وبحلول ذلك العصر المتأخر، بسطت مصر نفوذها على أرض النوبة إلى أن دخلت الحضارة المصرية إلى مرحلة الذبول والنسيان مع دخول الإسكندر الأكبر أرض مصر، فغربت شمس مصر القديمة، وتحولت مصر إلى مملكة يحكمها الغرباء.
وانتهت مصر القديمة باحتلال الإسكندر الأكبر لها، وتحولت مصر إلى جزء من العالم الهيللينستي، ثم ازدهرت مع عصر البطالمة، وصارت جزءًا مهمًا من العالم الروماني والبيزنطي ثم من العالمين المسيحي والإسلامي إلى وقتنا الحالي.
أقرأ المزيد :
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.