تقرير أممي : ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في ليبيا
خَلُص تقرير أممي إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب السلطات والقوات الأمنية والميليشيات المسلحة في ليبيا مجموعة واسعة من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
ونشرت بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا تقريرها النهائي اليوم الاثنين أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء تدهور حالة حقوق الإنسان في البلاد.
وقد أظهرت التحقيقات التي أجرتها البعثة الجهود واسعة النطاق التي تبذلها السلطات لقمع الأصوات المعارضة من المجتمع المدني، ووثقتْ العديد من حالات الاعتقال التعسفي والقتل والاغتصاب والاسترقاق والقتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري، وفقا للتقرير.
وأشارت البعثة، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان منتصف عام 2020، إلى امتناع جميع الناجين الذين قابلتهم، تقريبا عن تقديم شكاوى رسمية خوفا من الانتقام والاعتقال والابتزاز، ونظرا لانعدام الثقة في نظام العدالة.
وأفاد التقرير باستهداف المهاجرين على وجه الخصوص، حيث تشير أدلة دامغة إلى تعرضهم للتعذيب المنهجي. وأوضح التقرير أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بارتكاب الاستعباد الجنسي- الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية- ضد المهاجرين.
وقال رئيس البعثة، محمد أوجار: “هناك حاجة ملحة للمساءلة لإنهاء تفشي الإفلات من العقاب. ندعو السلطات الليبية إلى وضع خطة عمل لحقوق الإنسان وخارطة طريق شاملة تركز على الضحايا لتحقيق العدالة الانتقالية دون تأخير، ومحاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان”.
استمرار الانتهاكات
وشدد التقرير على أن الحكومة الليبية ملزمة بالتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم في المناطق الخاضعة لسيطرتها وفقا للمعايير الدولية. ولكن التقرير يشير إلى استمرار “ممارسات وأنماط الانتهاكات الجسيمة بلا انقطاع، ولا يوجد دليل يُذكَر على اتخاذ خطوات مُجدية للحد من هذا المسار المثير للقلق وإنصاف الضحايا”.
وذكر التقرير أنه بينما تنتهي ولاية البعثة، يتدهور وضع حقوق الإنسان في ليبيا، وتنشأ سلطات موازية تابعة للدولة، وما زالت الإصلاحات التشريعية والتنفيذية والأمنية اللازمة لتعزيز سيادة القانون وتوحيد البلد أبعد ما يكون عن التحقيق.
وفي هذا السياق الاستقطابي، تبقى الجماعات المسلحة المتورطة في مزاعم التعذيب والاحتجاز التعسفي والاتجار والعنف الجنسي خارج إطار المساءلة، وفقا للتقرير.
هجمات ضد المدافعين عن حقوق الإنسان
وتوصلت تحقيقات بعثة تقصي الحقائق إلى أن السلطات الليبية – ولا سيما الأجهزة الأمنية – تُقيّد الحق في التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير وحرية المعتقد، وذلك من أجل ضمان الطاعة، وترسيخ القيم والمعايير التي تخدم المصالح الشخصية، والمعاقبة على انتقاد السلطات وقياداتها.
وذكر التقرير أن الهجمات ضد فئات معينة- ومنهم المدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء في مجال حقوق المرأة والصحفيون وجمعيات المجتمع المدني- ساهمت في “خلق جو من الخوف دفع الناس إلى ممارسة الرقابة الذاتية أو الاختباء أو الاغتراب في وقت كان من الضروري فيه خلق جو يساعد على إجراء انتخابات حرة وعادلة لليبيين لممارسة حقهم في تقرير المصير واختيار حكومة تمثلهم لإدارة البلاد”.
“تعرض المهاجرين للاستعباد”
ويضيف التقرير أن تهريب المهاجرين المستضعفين واستعبادهم وعملهم القسري وسجنهم وابتزازهم يدرّ عائدات كبيرة للأفراد والجماعات ومؤسسات الدولة، ويحفز على استمرار الانتهاكات.
وأفاد التقرير بوجود أسباب معقولة للاعتقاد بتعرض المهاجرين للاستعباد في مراكز احتجاز رسمية وفي “سجون سرية”، فضلا عن ارتكاب الاغتصاب الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية.
وفي سياق الاحتجاز، وجدت البعثة أن سلطات الدولة والكيانات التابعة لها- بما في ذلك جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والقوات المسلحة العربية الليبية، وجهاز الأمن الداخلي، وجهاز دعم الاستقرار، بالإضافة إلى قياداتها- قد شاركت مرارا وتكرارا في الانتهاكات والتجاوزات.
ومن أجل تعزيز المساءلة، أكدت بعثة تقصي الحقائق أنها ستشارك مع المحكمة الجنائية الدولية المواد والنتائج ذات الصلة التي جمعتها البعثة خلال ولايتها، فضلا عن قائمة الأفراد الذين حددتهم على أنهم الجناة المحتملون لانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية.
وأفاد التقرير بتعرض المحتجزين بانتظام للتعذيب والسجن الانفرادي، ومنعهم من الاتصال بالعالم الخارجي، وحرمانهم من المياه، والطعام، والمراحيض، والمرافق الصحية، والإنارة، والتمرين، والرعاية الطبية، والاستشارة القانونية، والتواصل مع أفراد الأسرة.
وتشير الأرقام الصادرة عن الحكومة إلى أن العدد الرسمي للمحتجزين يبلغ 18,523، في حين أن الأدلة التي جمعتها البعثة رجّحت أن يكون العدد الفعلي للأفراد المحتجزين تعسفيا أعلى من ذلك بكثير.
تمييز منهجي ضد النساء
أشار التقرير إلى تعرض النساء للتمييز المنهجي في ليبيا، وقد تدهور وضعهنّ بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الماضية.
ويشكل الاختفاء القسري للنائبة سهام سرقيوة، وقتل حنان البرعصي، مصدر قلق لبعثة تقصي الحقائق. وكرر خبراء البعثة دعوتهم للسلطات في بنغازي للتحقيق الكافي في هذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.
ودعتْ البعثة مجلس حقوق الإنسان إلى إنشاء آلية تحقيق دولية مستقلة ومزودة بموارد كافية. كما دعت البعثة مفوضيةَ الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى إنشاء آلية منفصلة ومستقلة بولاية مستمرة لرصد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا والإبلاغ عنها “في سبيل دعم جهود المصالحة الليبية ومساعدة السلطات الليبية على تحقيق العدالة الانتقالية والمساءلة”.
عن البعثة
أنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعثة تقصي الحقائق في حزيران/يونيو 2020 للتحقيق في انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان التي ترتكبها جميع الأطراف منذ بداية العام 2016، بهدف منع المزيد من التدهور في حالة حقوق الإنسان وضمان المساءلة.
ومنذ ذلك الحين، نفذت بعثة تقصي الحقائق ثلاث عشرة مهمة ميدانية، وأجرت أكثر من 400 مقابلة، وجمعت أكثر من 2,800 عنصر منفصل من المعلومات، بما في ذلك الصور الفوتوغرافية والتسجيلات السمعية والبصرية.
إقرأ المزيد :
ليبيا.. فريق عمل من 3 منظمات دولية يناقش أوضاع المهاجرين واللاجئين