رامي زهدي يكتب :« أفريقيا » .. وحرب عالمية ثالثة مرجحة
هل تمتلك القارة الأفريقية دورا محفزاََ في قيام أو منع نشوب حرب عالمية كبري؟
الكتلة الإفريقية السياسية والاقتصادية، تكتل أفريقي ظهر في السنوات الأخيرة لقارة اعتادت أن تكون أحد أدوات التفاوض لا أحد أطرافه، لكنها في خمس سنوات أخيرة أصبح لها صوت مؤثر نسبيا فيما يحدث في العالم، وإن لم يكن تأثير قوي إلا أن تأثيره واضح لعدد 55 دولة أفريقية منفردة، وكتلة قارية. رأينا مبادرة أفريقية لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، وتحرك من جنوب أفريقيا ضد العدوان الإسرائيلي، وتصدي مصر لمشكلات المناخ وآثارها علي القارة، وتبني مصر لآليات تمويل عادلة ومبتكرة لتمويل الأنشطة التنموية في القارة وعلاج مشكلات تراكم الديون وفوائدها في ظل تعثر دول افريقية عديدة عن الوفاء بالسداد.
الحروب جميعها الآن وسابقا ومستقبلا سواء كانت ثنائية الأطراف أو متعددة أو عالمية، إنما دائما تحمل في طياتها ظروفا اقتصادية صعبة أو مطامع وأهداف اقتصادية محفزة للصراع الذي يكون في جوهره صراع علي النفوذ وبالتالي علي الثروات الإقتصادية سواء الظاهرة منها أو الكامنه او حتي مساحات الأرض الجغرافية والممرات البحرية والنهرية الهامة ومصادر الطاقة التقليدية ومناطق الاستكشافات المعدنية واراضي الزراعة الخصبة ومصادر المياه العذبة.
وفي ظل ظروف اقتصادية معقدة، وانكماش اقتصادي عام وحاد يجتاح العالم، تظهر بوادر حرب عالمية ثالثة والتي وإن لم تأخذ بعد شكل المواجهة العسكرية المباشرة، فإنها بالتأكيد تأخذ شكل صراع اقتصادي وحرب عملات وتنافس بنوك دولية، وكذلك حروب بالوكالة تقف خلفها قوي دولية كبري، فالحرب بين روسيا وأوكرانيا، بين تركيا وأكراد سوريا والعراق، هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر، الحرب في السودان، في ليبيا، هجمات مجموعة M23 بجمهورية الكونغو ودعم رواندا لها، وتحرر دول الساحل الإفريقي النيچر، مالي، بوركينافاسو، وانقلابات الجابون، غينيا، والمناوشات في شبه الجزيرة الكورية، كلها انعكاس ونماذج لصراعات أصغر من حرب عالمية كبري وأكبر من مجرد حرب داخلية أو إقليمية، وفي كل هذه التشابكات تظهر أدوار مباشرة وغير مباشرة، أدوار حالية وأخري مستقبلية مرجحة للقارة الإفريقية.
وبغض النظر عن دور أفريقيا في الأحداث العالمية الجارية حاليا، يظل احتمال نشوب حرب كبري في شكل حرب عالمية، احتمال قائم لكنه ضعيف، لأن بدائل الحرب المباشرة متاحة ومتعددة،و بالتأكيد التوترات دولية حالية تشير إلي توترات أكبر وأوسع مجالا لكنها وإن كانت تنذر بتعدد أقطاب الحرب ونطاقتها الجغرافية إلا أنني أعتقد انها لن تصل لحرب عالمية كبري في شكلها التقليدي، لكنها قد تنتهي بزوال أمم وبزوغ قوي دولية وإقليمية جديدة، وتطور في النظام العالمي بالتحول لنظام عالمي متعدد الأطراف مبني علي التكتلات القارية ثنائية فأكثر ،أكثر من القوي الفردية المستقلة، وسوف تظل القارة الإفريقية خلال هذه الفترة ومستقبلا جوهر رئيسي في هذه الصراعات.
بينما يظل التسليح النووي هو المانع الأخير لنشوب مثل هذه الحرب، فالجميع يخشي ذلك المصير المدمر للبشرية، والذي لن تلجأ له أي قوة دولية إلا كخيار أخير أشبه بإنتحار اليأس عند تأكد الهزيمة القاتلة التي لا عودة فيها.
وتظل القارة الإفريقية كاملة خارج إطار أي سلاح نووي أو كيميائي او حيوي مؤثر، فدول القارة جميعها لا تمتلك أي من هذه الأسلحة المدمرة ولا تقوي إلي ايجادها ومواجهة العالم برغبتها في امتلاك هذه الأسلحة ولو حتي بهدف الردع والحماية.
أما القوي العظمي، فإنها تدرك أبعاد إدارة الصراع، بحيث يبقي للصراع أدوات ضغط سياسية واستراتيچية ، وتحرص هذه القوي علي التوقف في اللحظات الحاسمة قبل أن يتطور لصراع مباشر، كالإبقاء علي مريض دون شفاء ولا موت، وتستخدم حاجات دول القارة الإفريقية أداة لمساومة القوي العظمي لدول وشعوب القارة الإفريقية لتنفيذ ماهو في صالح هذه القوي، وإن لم يكن في شكل دول أفريقية فقد يكون بشراء بعض أصحاب الذمم الضعيفة في هذه الدولة واستمالتهم للتحرك فيما يخدم منهجية وصالح دول الصراعات الكبري في العالم، لهذه تظهر دائما حروب اهلية وصراعات وانقلابات في عدد غير قليل من دول القارة الإفريقية.
وقد يظل هناك دوراََ للإتفاقيات الدولية والمنظمات الدولية في منع تفاقم التوترات وحدوث حرب عالمية ثالثة، وإنما شرعت كل الاتفاقيات من أجل تحقيق مصالح أطرافها، وبالتالي سوف تتحرك دائما الاتفاقيات والمعاهدات والمؤسسات الدولية في إطار وفي اتجاه أبرز القوي المسيطرة عليها والمتحكمة فيها، لذلك نري دائما تجمعات دولية وأخري موازية أو مضادة لها وهذا مايحدث قدر من التوازن، ويمكن هذه الاتفاقيات والتجمعات من وقف الحرب في اللحظات النهائية الحاسمة بالشكل والكيفية والتوقيت الداعم لأعضائها، إن لم يكن كل اعضائها فعلي الأقل الأقوي منهم والأكثر قدرة علي توجيه الأمور داخل هذه الإتفاقيات أو التجمعات، وتظل أفريقيا في هذه المنظمات طرف ليس بالأقوي حتي الآن، لكن يتوقع مستقبلا دورا أكثر تأثيراً لدول القارة في هذه التجمعات.
وبالتالي وكما تمت الإشارة أعلاه، الحرب في شكلها التقليدي المباشر من وجهة نظري لن تحدث، لكنها قائمة في شكل صراع خاصة اقتصادي وسباق نفوذ علي النطاقات الچيوسياسية المؤثرة، وبالتالي لو نتحدث عن قوي أو دول أكثر عرضة لو لنقل أكثر تأثيرا في مجريات الأحداث سواء كانت “حالة حرب عالمية” أو “حالة لا حرب عالمية”، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، الهند، كوريا الشمالية والجنوبية، اليابان، الإتحاد الأوروبي في شكل تكتل وفي شكل دول بريطانيا، فرنسا، المانيا، ايطاليا، إسبانيا، القارة الإفريقية في شكل تكتل وفي شكل قوي إقليمية أفريقية ، ومن القوي الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، تركيا ، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية السعودية.
و يعول كثيرا علي جهود السياسة الدولية سواء في شكل دبلوماسية رسمية، أو دبلوماسية قيادة، أو عمليات تفاوض، في الوصول إلي نقاط توازن تحقق أكبر قدر ممكن من المصالح الاستراتيچية المتكافئة لجميع الأطراف وبناء إطارات من الندية والإحترام المتبادل، وحتي الآن يعزي كثيرا من ايجابيات وقف الحرب الي هذه الجهود.
* رامي زهدي
خبير الشؤون الإفريقية، نائب رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات، عضو الهيئة الاستشارية لمركز ايچبشن انتربرايز للدراسات الاستراتيچية، مدير ومستشار الملف الإفريقي بمؤسسة الجمهورية الجديدة، وزير التعاون الإفريقي بحكومة ظل كتلة الحوار، وعضو الهيئة العليا لجمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، وعضو الهيئة الاستشارية لمؤسسة عدالة ومساندة ومنتدي الصفوة، وعضو شرفي بالجمعية الافريقية اللجنة القومية للإتحاد الإفريقي .
اقرأ المزيد :
رامي زهدي يكتب : إلي متي تستمر إثيوبيا في ضرر جيرانها بحجة البحث عن التنمية والرخاء