عمار العركي يكتب : مصالحة ثم إصلاح
الذاكرة السياسية القريبة بالمنطقة تقول إن إندلاع الانتفاضات الشعبية في كل من ليبيا واليمن مطلع عام 2011، وسقوط نظامي “القذافي” و”عبدالله صالح”، انهارت الأجهزة الرسمية في الدولتين، وهو ما جعل إعادة هيكلة قطاع الأمن من المهام المركزية بعد الإطاحة بهما، ولكن فشلت الدولتان في تحقيق ذلك، في ظل اتجاه ليبيا نحو حرب أهلية، واستيلاء المتمردين على السلطة في اليمن، وما ترتَّب على ذلك من تدخل عسكري خارجي لإعادة الشرعية للسلطة المنتخبة في البلاد، والمعلوم بأن أي إصلاح وإعادة هيكلة قطاع الأمن يتطلب ضرورة تحقيق العدالة الانتقالية في ظل مجتمعات منقسمة، وكذلك تحقيق التوازن بين المركزية واللامركزية في الحكم من خلال إقرار النظام وتوفير الأمن وإعمال القانون ، وهذا ما غفل عنه المتداخلين والداعمين وبعثات الأمم المتحدثة.
ذات السناريو يريد المتداخلين الخارجيين وبعثة (فولكر) تطبيقه فى السودان ، بعد فشله فى الصومال وجنوب السودان لأسباب وحيثيات شبيهة بالواقع السودانى الراهن ،
بالرغم من الاختلافات والتباينات فى طبيعة واقع الأوضاع والمعطيات فى السودان مقارنة بليبيا باليمن ، فثمة تحديَّات عديدة وعقبات رئيسية أمام تحقيق أي طفرة أو تقدُّم في اتجاه الإصلاح وإعادة الهيكلة الأمنية والعسكرية فى السودان منها :-
– السيطرة على القطاع الأمنى والعسكرى يشكل مجالاً للتنافس بين أطراف العملية السياسية من جهة ، والعسكريين من جهة أخرى
– الميليشيات والجماعات المسلحة فى السودان تطورت كثيرا ، بعضها نالت صفة شبه العسكرية والأخرى بشكل أو بآخر أصبحت سياسية من الدرجة الأولى وباتت رقم لا يمكن تجاوزه في المشهد السياسى.
– الصراع السياسى من أجل الاستحواذ والتبعية الأمنية والعسكرية يعيق أي تقدُّم في اتجاه الإصلاح ، ويمنع الأجندات المهنية والأكادينية للإصلاح الأمني .
– ضعف مؤسسات الدولة السودانية ، سواء كانت مؤسسات التنفيذية أو تشريعية أو حتى قضائية في ظل عدم اللا دولة ، وبالتالي فإن تلك المؤشرات تعني ضعف الدولة و انهيارها ، فبالتالى تكون الأولوية مقدمة فى (الإصلاح السياسى) على الأمنى والعسكرى، باعتبار أن عملية الإصلاح الأمنى فى أصلها هى (عملية سياسية)، تتطلب وجود سياسة مجردة وواعية ومدركة لطبيعة المهمة .
– الإصلاح بالأساس يستهدف إدماج تنظيم شبه عسكري ( الدعم السريع) وأخرى كانت (متمردة او مناضلة) ، وقيام بعضها بدور الدولة الأمني والسياسى من أجل الحفاظ على مصادر القوة والنفوذ ، مما يُشكل أكبر العقبات، الأمر الذى يتطلب سلسلة من الحوارات والورش المشتركة بصورة متدرجة وممرحلة لتقريب وجهات النظر والوصول لقواسم مشتركة حول عملية الإصلاح والإدماج ووحدة الجيش،
– تدخُّل الجهات الخارجية كان له تأثير في مفاقمة وتناسل تلك التحديات ،وفشل العملية الإصلاحية برمُتها ، خاصةً مع تضارب الأهداف والمصالح، فالصراعات السياسية وضعف الوازع الوطنى ومصادرة الإرادة السياسية الحرة لصالح أطراف خارجية على حساب السيادة الوطنية و الاستقلالية ، كل تلك العوامل أثّرت سلباً على عملية الإصلاح.
*خلاصة القول ومنتهاه :-*
– تعقيدات ومنحنيات الأزمة تتبدى بالصراع والخلاف حولها داخل المكونات الأطراف ، كذلك الصراع بين تلك الأطراف والنظام السابق وبين الأطراف وبعضها ، أو تلك التى ظهرت بعد الثورة.
– كل هذا وذاك ، يجعل ثمة أهداف متضاربة ومصالح متشابكة تجعل أى محاولات إصلاحية تنحسر للغاية ، ما لم يسبقها إصلاح سياسى شامل يعلاج تلك التشوهات والسلبيات السياسية ، حيث لا مناص إلا بإرادة سياسية تنازلية تدعو (لمصالحة وطنية شاملة)، هذا إن أردنا إصلاحا حقيقيا.
إقرأ المزيد :
هل يتأثر مرمى العلاقات المصرية السودانية من أهداف مباراة الأهلي والهلال ؟