واشنطن بوست”: السودان سيعاني من كارثة أكبر من غزة .. و السودانيين وحدهم من يدفعون ثمن الصراع
واشنطن /أ ش أ/
سلطت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية الضوء على تردي الأوضاع المعيشية للعديد من أطياف الشعب السوداني، حيث بدأت الأسر في مدن السودان المختلفة، وفي ساحات القتال في دارفور أو في الأراضي الزراعية التي مزقتها الحرب في الجنوب، تتضور جوعًا، مشيرة إلى أن السودانيين وحدهم هم من يدفعون ثمن الصراع، وسط استمرار القتال ومنع وصول شاحنات المساعدات.
وذكرت الصحيفة – في تقرير نشرته اليوم /الإثنين/ عبر موقعها الالكتروني – أن ما يقرب من عام مر منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، وتسببت هذه الحرب في إغراق الدولة التي يبلغ تعداد سكانها 49 مليون نسمة في حالة من الفوضى، وأجبرت أكثر من 8 ملايين على ترك منازلهم.
ويقول برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن جذور مشكلة الجوع في السودان ذات شقين، هما وصول المساعدات وتمويلها.. ففي السودان، تم حظر شاحنات برنامج الأغذية العالمي واختطافها ومهاجمتها ونهبها واحتجازها، وخارج السودان، تمتلئ المخيمات المؤقتة بالوافدين الجياع والمرضى، ولكن لا يوجد مال لإطعامهم، وفر معظمهم إلى جنوب السودان وتشاد؛ والتي أدت أزمة التمويل فيها إلى حصول الوافدين الجدد فقط على الغذاء.
وقالت سيندي ماكين المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي إن جميع عمليات توزيع المواد الغذائية في تشاد، التي تضم 1.1 مليون لاجئ، ستتوقف بالكامل خلال أسبوع.
وأضافت ماكين -لصحيفة “واشنطن بوست”- “إنها مشكلة ضخمة تلوح في الأفق، هم قريبون جدًا من المجاعة.. إن الأطفال يموتون جوعًا في دارفور وأجزاء أخرى من البلاد”.
وأوضحت “واشنطن بوست” -أن عمال الإغاثة يقولون إنه لا يوجد وضوح بشأن التعامل مع قوات الدعم السريع، التي أعلنها الجيش “جماعة إرهابية” , مشيره الي أنه في أثناء القتال، قامت قوات الدعم السريع وحلفاؤها مرارًا وتكرارًا بنهب المستودعات المليئة بالمساعدات، على الرغم من أن المجموعة شبه العسكرية تحاول تشجيع منظمات الإغاثة على العمل في المناطق الخاضعة لسيطرتها الكاملة، وفي مناطق أخرى، لا أحد يسيطر بشكل كامل، ويقول السكان إن بعض الطرق أصبحت عبارة عن خليط من الإقطاعيات التي تديرها الجماعات المسلحة وترغب كل منها في الحصول على أموال من حركة المرور العابرة، ويعيش العديد من المسلحين على ما يمكنهم ابتزازه وسرقته، بما في ذلك قوافل المساعدات.
سيعاني من كارثة أكبر من غزة
وأكدت ماكين أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن السودان “سيعاني من كارثة أكبر من قطاع غزة من حيث الغذاء”.. كذلك، دمر القتال العديد من المدن وأظهرت لقطات من العاصمة الخرطوم مباني مليئة بثقوب الرصاص، وتعرضت الأسواق والمستشفيات والمستودعات المليئة بالمساعدات الغذائية والمصانع للنهب والحرق في كثير من الأحيان، كما تعرضت المدارس للقصف أو اكتظت بالعائلات النازحة التي تبحث عن مأوى، وسيطرت قوات الدعم السريع على أربع من العواصم الإقليمية الخمس في دارفور وتقدمت إلى الأراضي الزراعية الجنوبية، حيث عطلت الحرب موسمين من الحصاد، وفي أنحاء العاصمة استعاد الجيش هذا الشهر مدينة أم درمان التي يفصلها نهر النيل عن الخرطوم.
وقد أدى الدمار إلى ارتفاع معدل التضخم في السودان إلى 260 بالمئة، كما ارتفعت الإيجارات في المناطق الأكثر أمانًا في البلاد بشكل كبير، وأصبح الوقود نادرًا حيث غالباً ما يتم تهريبه عبر الحدود من ليبيا وإن توفر تكن تكلفته باهظة للغاية، وتوقف ما بين 70 و80 بالمائة من المرافق الصحية عن العمل بعد تعرض المستشفيات للهجوم ومقتل واختطاف العديد من الأطباء، وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 10 آلاف شخص أصيبوا بمرض الكوليرا، ولا يستطيع نحو 15 مليون شخص الحصول على أي رعاية صحية.
وفي مدينة سيربا بدارفور، افتتحت منظمة الإغاثة الأولية الدولية للتو العيادة الوحيدة في مستشفى مدمر جزئيًا يخدم منطقة كانت تؤوي ما يقرب من 150 ألف شخص قبل اندلاع القتال، مع ملاحظة أن العديد من الغرف في المستشفى ليس لها سقف أو أن جدرانها قد اسودت بسبب النيران، وكانت قطع الأثاث والمعدات الطبية متناثرة على الأرض بينما كان المرضى يحصلون على الوصفات الطبية من خلال زجاج النافذات المحطم.
وأضافت “واشنطن بوست” أن ظروف اللاجئين السودانيين في تشاد سيئة للغاية بالفعل لدرجة أن مواطنة تدعي جيسما الخير حسن عادت إلى سيربا من المخيمات قبل 10 أيام، لطلب المساعدة لابنها الأصغر عبد المجيب عبد الله، البالغ من العمر عامين؛ حيث كان مريضًا منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع، لكن ليس لديها سوى عصيدة الدخن والماء لتعطيه إياه، وهناك سوق مزدهرة في سيربا، على الرغم من أن المدينة قد اشتعلت فيها النيران عدة مرات وتنتشر فيها أكشاك السوق تحت الأشجار السوداء وتحيط بها المنازل المدمرة، لكن القليل من السكان يستطيعون شراء حتى كوب من الأرز من الأكياس الموضوعة على ألواح خشبية باهتة اللون.
وقالت جيسما وهي أم لأربعة أطفال: “منذ خمسة عشر يوماً، لم يعد يوجد شيء للطعام”، وقال الطبيب المعالج في العيادة التي افتتحت حديثا إن عبد المجيب يعاني من سوء التغذية الناجم عن نقص فيتامين “د” والكالسيوم.
وتابعت الصحيفة الأمريكية أن نحو نصف الشعب السوداني يحتاج إلى المساعدات، لكن لم يتم تمويل سوى خمسة بالمئة من نداء الأمم المتحدة الإنساني البالغ 2.7 مليار دولار، وقالت منظمة أطباء بلا حدود الخيرية الطبية الشهر الماضي إن طفلاً يموت كل ساعتين في مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور، ويمكن أن يرتفع هذا الرقم في الأيام المقبلة، كما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن حوالي 222 ألف طفل قد يموتون بسبب سوء التغذية في الأشهر المقبلة.
وقد يكون هؤلاء أطفالًا مثل إياد أحمدي، البالغ من العمر 15 شهرًا، الذي قالت والدته شهرزاد محمد أحمد، إنها لم تسمع أي شيء عن زوجها الجندي منذ شهر نوفمبر الماضي، وهي لا تستطيع إطعام صغيرها وتحاول كسب لقمة عيشها من خلال بيع الأكواب البلاستيكية لإطعام أطفالها الثلاثة الآخرين، وقالت، في مستشفى الجنينة التعليمي، حيث تديرها منظمة أطباء بلا حدود: “أحياناً لا آكل طوال اليوم إذا لم أبيع ما يكفي”.
أما في الخرطوم العاصمة، تعتمد العديد من الأسر على مطابخ الحساء التي يديرها المتطوعون، لكن قطع الإنترنت أدى إلى تعطيل التبرعات الواردة من الخارج، في حين اعتقلت قوات الدعم السريع هذا الأسبوع، في حي بحري بشرق النيل، أربعة أعضاء من لجان الطوارئ، والتي تشكلت خلال الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية قبل الحرب، ولكنها أصبحت تشرف على مطابخ الحساء الرئيسية.
إقرأ المزيد :
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.