رامي زهدي يكتب .. الشعب السوداني يدفع منفرداََ كل الفواتير السياسية
سنوات طويلة مرت علي الأمة السودانية من اللا حكم، اللا عدل، اللا إدارة، كل شئ دائما كان ومازال أقل مما يستحقه شعب عريق مثل الشعب السوداني وأمة راسخة في التاريخ مثل الأمة السودانية بكل وكامل أركانها.
بعد سنوات طويلة من حكم البشير، مارس فيها النظام الحاكم إقصاءاََ سياسياََ ومجتمعياََ وعرقياََ ضد طوائف عدة من عموم الشعب السوداني، ونما فيها الفساد وطال مؤسسات الدولة السودانية .. تنفس الشعب السوداني أخيرا رائحة الحرية والأمل في سودان جديد كما يستحقه أبناؤه، بسقوط النظام البشيري ظن أبناء الشعب ان الأمور تمضي إلي الأفضل، إلا أن ما حدث كان عكس ذلك، إتسعت فجوة الإنشقاق السياسي والمجتمعي وزادت نبرات العنف والإقصاء وتضاعفت نعرات العنصرية والتفضيلات للبعض علي البعض، وظهر مكون مدني مزعوم بأنه يعمل من أجل وحدة الوطن بينما في معظمه لم يكن مخلص النية أو العمل، وفي المقابل مؤسسة عسكرية كانت بالتأكيد قد فقدت كل جسور الثقة بينها وبين الشعب منذ العهد البشيري، وأصبح الجميع لا يثق في الجميع، وسط دعوات بدولة مدنية في مقابل دعوات مواجهة بدولة عسكرية وثالثة بدولة وحكومة مختلطة، و كأن الهدف هو شكل ومسمي الدولة أو الحكومة بينما كان يجب أن يسعي الجميع لحكومة ودولة قوية تعبر عن رغبات وتطلعات وآمال الشعب وتنقذهم من ظروف اقتصادية ومجتمعية مظلمة بغض النظر عن هوية الحكومة أو النظام.
الأن مظاهر انشقاق تتحول من سياسي ومجتمعي إلي احتمالية كبري لمواجهة عسكرية، الأمر ينذر بوضع خطير في دولة لم يترك فيها سابقا فرص لمجال سياسي عام يسمح فيه بالإختلاف وتبادل الرؤي بل دائما اعتاد الجميع علي التلويح بالقوة العسكرية والسلاح.
لا نتمني تصاعد الأمور لكن نتوقع ذلك للأسف، لأن مقدمات الأمور تنبئ بأن كل الأطراف تعمل من أجل مصالحها ومصالح منتسبيها أكثر مما تعمل من أجل الوطن.
عبر مراحل من عدم اليقين وغياب الثوابت، عانت الدولة السودانية ما بين ثورة للتغيير وأخري للتصحيح بينما يظل الشعب السوداني المسدد الأول والوحيد لكل الفواتير دون إصلاح حقيقي وكأنه يدفع ثمناََ دون الحصول علي نتائج، وحاولت قوي اقليمية ودولية كثيرة إحداث تغيير في المشهد السياسي في السودان إما بالسلب او بالإيجاب، ومنها قوي أخلصت المسعي لدعم وحدة وإستقرار السودان بينما هناك قوي أخري مارست سياسات غير شريفة بدعم أطراف سودانية ضد أخري لتحقيق مصالح خاصة لا تستقيم مع مصلحة الشعب السوداني.
من القوي الإقليمية المهمة كانت دول الجوار وفي مقدمتها مصر التي تدرك جيدا أن الأمر بينها وبين السودان هو رابط وترابط قوي أكبر من كونه تعاطف مع الشعب السوداني، لأن مصر تدرك جيدا ان صالح ومصالح الشعبين المصري والسوداني هي علي الأغلب مشتركة، وأن أمن وسلام وإستقرار مصر يبدأ من السودان والعكس ايضا، وأن مصر القوية تحتاج لسودان قوي، وكذلك السودان القوية لابد لها من مصر قوية فعالة ومؤثرة، لذلك قدمت مصر كل عمل مخلص من أجل دعم وحدة الشعب السوداني ونحو عودة قوية للدولة السودانية ولم ولن تدعم مصر أي اطراف في مواجهة أطراف اخري، فقط دعمت مصر كل مسار يصل في النهاية أو يهدف أولا لحل مشكلات المواطن السوداني الحياتية والمتوارثة عبر سنوات طويلة ومحاولة تسيير الأعمال وتوفير الحد الأدني من مبادئ جودة الحياة الكريمة، وثانيا التخطيط لمستقبل السودان بشكل متكامل وفي إطار عمل مؤسسي وعدالة سياسية ومجتمعية تطال الجميع وتشمل كافة ربوع الدولة السودانية دون إقصاء أو تمييز.
هناك أيضا قوي اقليمية من دول الجوار تداخلت في الشأن السوداني منها الشقيقة جنوب السودان، و إثيوبيا، وأوغندا، بينما ليبيا منشغلة بشؤونها الداخلية بالقدر الذي لا يسمح لها بالمشاركة في محاولة الإصلاح في السودان.
وبالتوازي تداخلت قوي اقليمية من غير دول الجوار منها السعودية، الإمارات، وقطر، وبدا أن لهذه الدول مصالح اقتصادية مؤثرة وبالتالي اتخذت مواقف ذات صلة بالإصلاح داخل السودان بالشكل الذي رأت فيه هذه القوي انه داعم لمصلحة الشعب السوداني ولمصالحها ، وكذلك هناك قوي دولية كبري، منها الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، و روسيا.
الجميع كان ومازال يدرك حجم ومسؤولية السودان تجاه نفسه كدولة افريقية وعربية مؤثرة وتجاه العالم كدولة مهمة من دول التأثير في الصراعات العالمية الدائرة الآن بين عدد غير محدود من دول العالم.
بقي أن الحل دائما سوف يكون من داخل السودان، وبأيدي وعقول وقلوب أبنائه، فقط يدرك الجميع أن لاشئ يعوض ضياع الوطن.
• رامي زهدي – خبير في الشؤون الأفريقية والسياسية والاقتصادية
إقرأ المزيد :
السودان .. أطراف محلية ودولية علي خط الوساطة بين الجيش والدعم السريع