أجواء الحرب الباردة تخيم علي دول « الصحراء » .. صراع النفوذ في غرب أفريقيا إلي أين ؟
تطورات متلاحقة تشهدها ما يعرف ب « دول الصحراء » التي تشمل كلا من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد ، للخروج من العباءة الفرنسية والأمريكية ، خاصة بعد التغييرات الأخيرة التي شهدتها أنظمة الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو ، والتظاهرات الشعبية الحاشدة المطالبة بطرد القوات الفرنسية والأمريكية والتي كان آخرها القرار الذي اتخذته السلطات الحاكمة في النيجر بإلغاء اتفاقية عسكرية مع واشنطن وأيضا قرار تشاد تخفيض عدد القوات الأمريكية علي أراضيها .
وفي المقابل هناك مؤشرات لزيادة التواجد العسكري الروسي في المنطقة أضف إلي ذلك تواجد اقتصادي صيني ، لتشهد المنطقة ما يمكن أن يطلق عليه صراع النفوذ بين المعسكرين الغربي ويمثله كلا فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الشرقي ويمثله كلا روسيا والصين ، وكأن عقارب الساعة عادت للوراء إلي ثمانينيات القرن الماضي وقت الحرب الباردة التي باتت تخيم علي دول المنطقة ، ليطرح التساؤل بشأن الي أين سينتهي صراع النفوذ في دول الصحراء ؟.
عدد من خبراء الشؤون الأفريقية أكدوا ل ” أفرو نيوز 24 ” أن خريطة النفوذ في دول منطقة الصحراء تغيرت بالفعل ، معتبرين أن الخروج الأمريكي والفرنسي يعد مكسبا للنفوذ الروسي .
تراجع النفوذ الغربي
أكد الدكتور حمدي عبد الرحمن أستاذ العلوم السياسية في جامعتي زايد والقاهرة أن قرار النيجر طرد القوات الأمريكية من منشأتين عسكريتين تضمان نحو 110 جندي أمريكي يعد خسارة كبرى للولايات المتحدة ومؤشر آخر على تراجع النفوذ الغربي في المنطقة ، مشيرا إلي أن النيجر تعد بموجب اتفاقية 2012 مركزا مهما لعمليات الاستخبارات والاستطلاع في إطار الحرب الأمريكية على الإرهاب.
وقال الدكتور حمدي عبد الرحمن في تصريحات خاصة ل ” أفرو نيوز 24 ” في رده علي سؤال هل فقدت الولايات المتحدة نفوذها في منطقة غرب أفريقيا ؟ ، ” يعد الخروج الأمريكي والفرنسي والذي سيتبعه بعض الدول الغربية الأخرى مكسبا للنفوذ الروسي ولاسيما بعد تحويل قوات فاجنر إلى ما يسمى الفيلق الأفريقي. مضيفا ” وقد وصل نيامي بالفعل نحو مائة من المدربين الروس.
واشار الدكتور حمدي عبد الرحمن إلي أنه في ظل المنافسة الجيوسياسية وقعت الصين اتفاقا نفطيا مع النيجر هذا الشهر بقيمة 400 مليون دولار تدفع مقدما، ستستفيد منها الحكومة الحالية في تسديد ديونها الداخلية ، لافتا إلى أن شركة صينية قامت بإنشاء خط أنابيب إلي بنين لاستخدامه في تصدير بترول النيجر .
وقال الدكتور حمدي عبد الرحمن ” ويلاحظ أن النيجر تقوم بتنويع شراكاتها الاستراتيجية مع الدول غير الغربية لعدم الوقوع في فخ الاعتماد على الروس ، ومن ذلك توثيق شراكاتها الأمنية مع تركيا ، حيث أمدت أنقرة النيجر بالطائرات المسيرة ” بيرقدار ” وعقب الانقلاب في النيجر ازداد هذا التعاون مع تركيا.
ونوه الدكتور حمدي عبد الرحمن إلي زيارة رئيس وزراء النيجر إلي إيران ولقاءه مع الرئيس الإيراني رئيسي ، لافتا إلي وجود تقارير تتحدث عن احتمالية تصدير اليورانيوم من النيجر إلي إيران .
وقال ” بالإضافة إلي ذلك هناك المغرب وبعض الدول الشرق أوسطية التي تتنافس علي اكتساب النفوذ في هذه المنطقة .
وأضاف ” هذا التحول مهم جداً بالنسبة لإعادة تشكيل المنطقة من الناحية الجيوسياسية .
وأشار إلى أن ذلك اقتضى تحولات في الاستراتيجية الأمريكية للتركيز على مناطق وسط الساحل وغرب إفريقيا مثل توجو وغانا وكوت ديفوار لنقل الأصول العسكرية إليها بالإضافة الي تبني نهج جديد لا يركز على المقاربات الأمنية المفرطة.
وقال ” وعليه فإننا أمام حالة من التدافع الدولي الجديد على المنطقة ربما يكون المستفيد الأكبر منها هو الجماعات الجهادية العنيفة مثل نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة وولاية الساحل و ولاية غرب أفريقيا التابعين لداعش .
خريطة النفوذ تتغير لصالح روسيا والصين
أكد الخبير التشادي في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد شريف جاكو أن خريطة النفوذ في دول ما يطلق عليها منطقة ” الصحراء ” بغرب أفريقيا تتغير وتتبدل لصالح النفوذ الروسي والصيني ، في المقابل تراجع وانسحاب النفوذ الأمريكي والفرنسي .
وقال الدكتور محمد شريف جاكو في تصريحات خاصة ل « أفرو نيوز 24 » : أن هناك ظاهرة الآن تتمثل في الشباب الأفريقي الذي يمارس ضغوطا علي دوله لانهاء التواجد العسكري الأمريكي والفرنسي في دول المنطقة ، مشيرا إلي أن هذا الأمر ظهر بوضوح في بوركينا فاسو والنيجر .
واعتبر الخبير التشادي في الشؤون الأفريقية الوضع في منطقة الصحراء أصبح شبيها بفترة الحرب الباردة في فترة الثمانينات عندما انقسم العالم إلي قطبين ، الكتلة الغربية وتقودها الولايات المتحدة ، والكتلة الشرقية ويقودها الاتحاد السوفيتي ، وقال ” هناك تنافس الآن في المنطقة بين النفوذ الأمريكي والفرنسي من جهة ، والنفوذ الروسي والصيني من جهة أخري .
ونوه الدكتور محمد شريف جاكو الي الأنباء والتسريبات الإعلامية التي ترددت في الساعات الأخيرة عن وصول قوات روسية الي تشاد .
وأعاد الخبير في الشؤون الأفريقية التأكيد علي أن النفوذ الأمريكي والفرنسي يتضاءل في المنطقة مقابل صعود للنفوذ الروسي عسكريا وصيني اقتصاديا في دول منطقة الصحراء .
وشدد الدكتور محمد شريف جاكو علي أن الولايات المتحدة الأمريكية فشلت في حربها ضد الإرهاب في دول المنطقة ، وقال ” منذ انتشار القوات الأمريكية والفرنسية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد تحت شعار محاربة الإرهاب ، كانت هناك زيادة في وتيرة العمليات الإرهابية .
واضاف ” أنه تلاحظ أن هناك انحسار في العمليات الإرهابية بعد خروج القوات الفرنسية والأمريكية من دول المنطقة
وذكر جاكو أن الشباب الأفريقي ينادي ببديل للقوات الفرنسية والامريكية .، مشيرا إلي أن خريطة النفوذ بدأت تتغير لصالح روسيا والصين ومعهم الهند اقتصاديا .
وفي رده علي سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ستقبلان بزيادة النفوذ الروسي في دول منطقة الصحراء ، قال الدكتور محمد شريف جاكو الخبير التشادي في الشؤون الأفريقية ” بالطبع لا ، فمن المستبعد أن تقبل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بهذا الأمر .
وأشار إلي أنه عقب الانقلاب العسكري في النيجر حاولت باريس وواشنطن عدم الاعتراف بالمجلس العسكري الانتقالي في نيامي ، واستخدام اللجنة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ” إيكواس ” في اجبار المجلس العسكري النيجري تسليم السلطة عبر التهديد بالتدخل العسكري في النيجر .
وقال ” لكن صمود الحكومة النيجرية وبتأييد من الشباب الأفريقي ، استسلمت فرنسا والولايات المتحدة للأمر الواقع وانسحبتا من النيجر ، مضيفا ” لم تنسحبا من تلقاء نفسيهما وانما اجبرتا علي هذا الانسحاب ” .
وشدد الخبير في الشؤون الأفريقية أنه ليس هناك مكان لفرنسا الآن في أفريقيا تطمئن فيه .
واستطرد قائلا ” من كان يعتقد أن النيجر تخرج عن العباءة الفرنسية ” .
واعتبر الدكتور محمد شريف جاكو أن هناك ارهاصات بأن تشاد هي الأخري علي نفس الطريق ، محددا هذه الارهاصات في ٣ نقاط .
الأولي وفقا للدكتور شريف جاكو” أن الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا تريدان منافسة في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وذكر جاكو أن النقطة الثانية هي أن غالبية الشعب التشادي يريدون أن تكون تشاد هي الدولة الرابعة في اتحاد دول الصحراء والذي يضم كلا من مالي وبوركينا فاسو والنيجر ، مشيرا إلي وجود امتدادات عرقية واثنية تربط تشاد بهذه الدول .
ونوه الخبير التشادي في الشؤون الأفريقية أن النظام الحاكم في انجمينا يشعر بأنه في موقف صعب بسبب مواقفه المؤيدة لفرنسا ، وفي ذات الوقت تربط تشاد بدول الصحراء علاقات ومصالح خاصة مع النيجر التي يستورد منها الوقود .
وقال ” ان وجود قوات فرنسية في تشاد تؤرق كثير من دول المنطقة .
وأشار الدكتور محمد شريف جاكو أن النقطة الثالثة تتمثل في أن الوجود العسكري الروسي أصبح يحيط الان بتشاد من جميع الجوانب حيث سواء في جنوب ليبيا او أفريقيا الوسطى والنيجر .
وردا علي سؤال بشأن دور الاتحاد الأفريقي في كل هذه التطورات ، اعتبر الدكتور محمد شريف جاكو الخبير التشادي في الشؤون الأفريقية أن الاتحاد الأفريقي يغيب غيابا كاملا ، والاتحاد ليس له أي دور في تلك التطورات والاحداث في منطقة دول الصحراء .
فقدت نفوذها في النيجر
من جانبه يقول المحلل السياسي والكاتب الصحفى النيجري محمد سيدي ل ” أفرو نيوز 24 ” أن الولايات المتحدة الأمريكية فقدت بالفعل نفوذها في النيجر ، مشيرا لأهمية النيجر لواشنطن .
ونوه محمد سيدي إلي أن التواجد العسكري الأمريكي في النيجر بدأ العام ٢٠١٢ من خلال اتفاقية عسكرية بين واشنطن ونيامي بموجبها تتواجد القوات الأمريكية في قاعدة جوية في مدينة أغاديس التي تبعد حوالي ١٠٠٠ كيلو متر من العاصمة نيامي .
وقال الكاتب الصحفي النيجري محمد سيدي ” في رأيي انسحاب القوات الأمريكية من النيجر سيكون له تأثير كبير علي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في النيجر ، مضيفا ” لأن النيجر دولة غنية بمواردها والمعادن الثمينة.
واعتبر سيدي أن الدول التي جاءت للمنطقة تحت شعارات محاربة الإرهاب تأتي من أجل تحقيق مصالحها هي فقط وليس من أجل مكافحة الإرهاب كما تتدعي .
وأكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ومن قبلها فرنسا لم تحقق أية نتائج إيجابية في مكافحة الإرهاب في المنطقة .
وفي رده علي سؤال هل خسارة واشنطن لنفوذها في النيجر سيصب في صالح تدعيم النفوذ الروسي المتنامي في المنطقة ؟ ، قال الكاتب الصحفي النيجري محمد سيدي ” أن انسحاب القوات الأمريكية من النيجر ومن قبلها فرنسا جعل هناك كبير من شعب النيجر بالعلاقات مع روسيا ، مشيرا إلي أن الشعب النيجري طالب عدة مرات في تظاهراته السلمية الحاشدة التي شهدتها العاصمة نيامي بتطوير العلاقات مع روسيا .
ونوه إلي أن موسكو ارسلت قبل أيام مدربين عسكريين روس لتدريب القوات المسلحة النيجيرية .
وأعاد الكاتب الصحفي النيجري محمد سيدي التأكيد علي أن خروج الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا من النيجر أتاح الفرصة لروسيا لتوسيع علاقاتها مع النيجر والانتشار بشكل كبير في المنطقة .
واشنطن تسحب قواتها من النيجر
جدير بالذكر أن واشنطن بدأت بإجراء مناقشات مع النيجر بشأن سحب أكثر من ألف جندي أميركي من البلاد.
وأعلنت الخارجية الأمريكية قبل يومين أنه في إطار مفاوضات الحكومة الأمريكية الجارية مع المجلس العسكري الحاكم في النيجر ، ستجتمع سفيرة الولايات المتحدة لدى النيجر كاثلين فيتزجيبون واللواء كينيث إيكمان، مدير الإستراتيجية والمشاركة والبرامج في القيادة الأمريكية الإفريقية، مع مسؤولي المجلس العسكري النيجري في نيامي، لبدء مناقشات حول انسحاب منظم ومسؤول للقوات الأمريكية من النيجر.
وأشارت الخارجية الأمريكية أن مساعد وزير الدفاع الأمريكي للعمليات الخاصة والصراع منخفض الحدة كريستوفر ماير واللفتنانت جنرال داغ أندرسون، مدير تطوير القوات المشتركة، هيئة الأركان المشتركة، سيعقدان الاسبوع الجاري أيضا اجتماعات متابعة في نيامي لتنسيق عملية الانسحاب بشفافية. والاحترام المتبادل.
وأكدت الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة الأمريكية تفتخر بالتعاون الأمني والتضحيات المشتركة بين القوات الأمريكية والقوات النيجيرية، وهي شراكة ساهمت بشكل فعال في تحقيق الاستقرار في النيجر والمنطقة.
وقالت الخارجية الأمريكية ” في خضم المناقشات الجارية منذ يوليو 2023، لم نتمكن من التوصل إلى تفاهم مع CNSP لمواصلة هذا التعاون الأمني بطريقة تعالج احتياجات ومخاوف كل جانب.
ورحبت الولايات المتحدة باهتمام المجلس العسكري النيجري بالحفاظ على علاقة ثنائية قوية مع واشنطن.
ولفتت الخارجية الأمريكية أن نائب وزير الخارجية كيرت كامبل سيزور نيامي في الأشهر المقبلة لمناقشة التعاون المستمر في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وأكدت الولايات المتحدة من جديد دعمها للشعب النيجيري في مكافحة الإرهاب وتطوير اقتصاد البلاد والانتقال إلى الحكم الديمقراطي.
وفي البيان الذي أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية بشأن سحب جزء من قواتها من تشاد ، قال السكرتير الصحفي للبنتاجون الأمريكي الميجور جنرال بات رايدر يوم الخميس ” إن الولايات المتحدة تخطط “لإعادة تمركز” بعض قواتها العسكرية من تشاد، لكنه لم يذكر عدد القوات التي ستتأثر أو إلى أين سيتم نقلها.
وأضاف “هذه خطوة مؤقتة في إطار المراجعة المستمرة لتعاوننا الأمني والتي ستستأنف بعد الانتخابات الرئاسية في تشاد في 6 مايو”.
ويأتي هذا الإعلان بعد أن أمر قائد القوات الجوية التشادية الولايات المتحدة بوقف الأنشطة في قاعدة جوية بالقرب من العاصمة نجامينا، في وقت سابق من هذا الشهر، حسبما ذكرت وكالة رويترز للأنباء.
وأشار الجنرال رايدر إلي المحادثات التي تجري مع المجلس العسكري الحاكم في النيجر، والتي تهدف إلى ضمان “انسحاب منظم ومسؤول للقوات الأمريكية” من البلاد.
وفي تشاد، تنشر الولايات المتحدة حوالي مئة جندي في إطار محاربة المتطرفين في منطقة الساحل.
وفي رسالة إلى وزير القوات المسلحة اطلعت عليها وكالة فرانس برس، دعا رئيس أركان القوات الجوية التشادية في مطلع أبريل إلى انسحاب الجنود الأميركيين، وعزا السبب إلى عدم وجود اتفاق يسمح بوجودهم.
وأفاد المتحدث باسم الحكومة التشادية عبد الرحمن كلام الله لوكالة فرانس برس، الجمعة، بأن “وجود القوات الأميركية في تشاد كان مدفوعا في البداية بالالتزام المشترك بمكافحة الإرهاب”.
وأضاف: “هيئة الأركان العامة التشادية أعربت عن مخاوف بشأن هذا الوجود”، و”تقديرا للمخاوف التي تم التعبير عنها، قررت الحكومة الأميركية سحب قواتها مؤقتا من تشاد”.
وأوضح “أن هذا الانسحاب لا يعني بأي حال من الأحوال وقف التعاون بين البلدين في محاربة الإرهاب”.
إقرأ المزيد :
النيجر: آلاف الأشخاص يتظاهرون في نيامي للمطالبة برحيل القوات الأمريكية
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.