دراسة: إشكالية العدالة الدولية والسيادة الوطنية: بالتطبيق على أزمة المحكمة الجنائية الدولية مع الدول الأفريقية
في دراسة جديدة عن إشكالية العدالة الدولية والسيادة الوطنية: بالتطبيق على أزمة المحكمة الجنائية الدولية مع الدول الأفريقية، أعدتها الباحثة سماح إسماعيل: باحثة ماجستير متخصصة في العلاقات الدولية-جامعة القاهرة.
كتبت تقول: بدأ تصاعد الأزمة بين المحكمة الجنائية الدولية والدول الأفريقية، بانسحابات متتالية لثلاثة دول افريقية بدأت ببورندي، ولحقتها جنوب افريقيا، ثم تبعتهما غامبيا، وجميعهم اتهم المحكمة الجنائية الدولية بتجاهل “جرائم حرب” التي ترتكبها الدول الغربية، وبالسعي فقط لمقاضاة الأفارقة، وذلك على خلفية عدم توقيف جنوب افريقيا للرئيس السوداني عمر البشير، خلال حضوره قمة الاتحاد الإفريقي عام 2015، والذي صدر قرار بتوقيفه لاتهامه بإرتكاب جرائم حرب.
وتطرح هذه الأزمة عدد من التساؤلات، حول أسبابها، وأطرافها، وتداعيتها، وردود الأفعال حولها، في إطار شعارات كالعدالة الدولية، والسيادة الوطنية، والعنصرية والسياسات الإنتقائية. وسيزيد من أهمية هذا الموضوع، إشكالية حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق وتضارب المصالح، وانسحاب إحدى الدول الرائدة في تنميتها الاقتصادية في القارة السمراء وهي “جنوب افريقيا” وهو ما خلق مشكلة بنظامها الداخلي، ولذلك سنتناول الإجابات عن هذه التساؤلات في النقاط الآتية:
أولاً: حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق.
ثانياً: نشأة المحكمة الجنائية الدولية (أهدافها، وتمويلها، والقضايا التي نظرتها منذ نشأتها).
ثالثاً: تطور العلاقات بين المحكمة الجنائية الدولية وافريقيا:
أ)ترحيب وتعاون
ب) خلافات وانسحابات
ج) مبررات الانسحابات
رابعاً: تداعيات الانسحاب الأفريقي من المحكمة الجنائية الدولية.
خامساً: تقييم لأداء المحكمة الجنائية الدولية.
أولاً: حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق.
لنضع هذه الأزمة في نصابها، علينا الإلتفات إلى المناهج والنظريات التي تطورت بتطور مسار العلاقات الدولية، إذ ظهر القانون الدولي كأداة لتنظيم العلاقات الدولية بغية استخراج الأعراف والمبادئ والقواعد القانونية القابلة للتطبيق على العلاقات الدولية، كمبادئ السيادة وحق تقرير المصير والحياد وتسوية المنازعات الدولية والتنظيم الدولي، وتكييف حالة الحرب بوصفها أداة لتنفيذ سياسة الدول والتعرض لقواعدها وآثارها، والمسؤولية الدولية. وفي هذا السياق برزت الكثير من المؤتمرات والقوانين والهياكل والمؤسسات الدولية التي تعمل على ضمان مصالح الدول الكبرى سواء ضمناً أو صراحةً.
ففي مؤتمر فيينا عام 1815 تم إقرار فكرة الاعتراف بالأوضاع القائمة وتكريس نظرية الأمن الجماعي، وانعقد مؤتمر فرساي للسلام عام 1919 على أساس مبدأ القوميات وحق تقرير المصير، كما ورد في تصريح الرئيس الأمريكي ويلسون عام 1918. وتأسست عصبة الأمم على قاعدة تحريم اللجوء إلى الحرب، ولم يمنع ذلك من نشوب الحرب العالمية الثانية، التي بنهايتها تم اعتماد ميثاق هيئة الأمم المتحدة في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945 لحفظ السلم والأمن الدوليين وتوطيد التعاون الدولي في كافة المجالات، ومن ثم تم تطوير الأسس الكفيلة لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، منذ محاكمات نورمبرج وطوكيو في عامي 1945 و 1946، ثم إنشاء المحاكم الجنائية الخاصة لمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية في يوغسلافيا السابقة ورواندا، وحتى اعتماد ميثاق روما عام 1998 المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية.
ومع ذلك لم يسد السلام العالم على الإطلاق، وانما كانت المنظمات الدولية اشبه بمؤسسات لتنظيم العلاقات بين القوى الكبرى من ناحية، وممارسة سياسات انتقائية تجاه دول العالم الثالث، وبالأخص تجاه الدول المليئة بالثروات الطبيعية ولا يحتاج ذلك لإثبات أكثر من دقائق لتمعن النظر-حتى لغير المتخصصين-في حال القارة السمراء والشرق الأوسط الغني بالموارد، وفي هذا السياق سنتعرف على حالة تطور العلاقة بين نشأة المحكمة الجنائية الدولية والقارة السمراء.
ثانياً: نشأة المحكمة الجنائية الدولية (أهدافها، وتمويلها، والقضايا التي نظرت بها منذ نشأتها)
1)النشأة: تأسست المحكمة استناداً على ما يُعرف بميثاق روما في 17 يوليو 1998
2)الاختصاصات: تختص المحكمة بمتابعة الأفراد المتهمين بـ:
أ)جرائم الإبادة الجماعية، وتعني حسب تعريف ميثاق روما، القتل أو التسبب بأذى شديد بغرض إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية إهلاكا كليا أو جزئيا.
ب)الجرائم ضد الإنسانية، وهي أي فعل من الأفعال المحظورة المنصوص عليها في نظام روما، إذا ارتكب بشكل منظم وممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين، مثل القتل العمد والإبادة والاغتصاب والإبعاد والنقل القسري والتفرقة العنصرية والاسترقاق.
ج) جرائم الحرب، وتعني كل الخروقات المرتكبة بحق اتفاقية جنيف لسنة 1949، وانتهاك قوانين الحرب في نزاع مسلح دولي أو داخلي.
د) ويمكن للمحكمة أن تنظر بقضايا أشخاص متهمين بإرتكاب هذه الجرائم مباشرة، أو آخرين لديهم مسؤولية غير مباشرة فيها، كالمسؤولية عن الإعداد أو التخطيط، أو مسؤولية التغطية عنها، أو مسؤولية التشجيع عليها.
3)إنفاذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية: يعتمد النظام الأساسي للمحكمة على مبدأ ضرورة أن تتقاسم الدول الأطراف مسؤولية تنفيذ أحكام السجن.
4)تمويل المحكمة الجنائية الدولية: تنص المواد 115 و 116 من ميثاق المحكمة، على أن نفقاتها من الأموال، ستتألف من الاشتراكات المقررة للدول الأطراف والأموال المقدمة من الأمم المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، يتيح النظام الأساسي للمحكمة أمكانية تلقي التبرعات الطوعية من الحكومات والمنظمات الدولية والأفراد والشركات والكيانات الأخرى، وفقا للمعايير ذات الصلة التي جمعية الدول الأطراف.
ثالثاً: تطور العلاقات بين المحكمة الجنائية الدولية وافريقيا:
1)ترحيب وتعاون:
منذ نشأة المحكمة الجنائية الدولية والعلاقات بينها وبين إفريقيا جيدة، حيث رأت فيها دول القارة المُشاركة طوق النجاة، وسيف العدالة الذي ظلت سنوات تبحث عنه. لذا سارع العديد منها بطرح مشاكلها وقضاياها الدموية على طاولتها، وبالفعل بدأ التحقيق فيها وتناولها بالكثير من الصرامة والجدية، حيث دعت حكومات كلاً من: جمهورية إفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية، ومالي، وأوغندا، المحكمة للتحقيق في جرائم وقعت في بلدانها، وعلى الفور، بدأ المدعي العام السابق لويس مورينو أوكامبو، بالنظر في قضايا كينيا، وساحل العاج، كما أحال إليها مجلس الأمن قضايا في ليبيا والسودان.
2)أزمات وخلافات وانسحابات: المحكمة الجنائية وانتقائية القضايا الأفريقية: (مبررات للانسحاب)
ثم بدأت مرحلة الإستياء الأفريقي من المحكمة بشكل تدريجي حتى وصل إلى تهديد بالانسحاب الجماعي منها، ويرجع ذلك إلى انه حتى الآن، فإن المحكمة الجنائية الدولية اشبه بمحكمة حصرية لمحاكمات الدول الأفريقية، إذ بلغ عدد قضايا الأفارقة امامها 25 فردا في ست دول أفريقية هي: ليبيا وكينيا والسودان (دارفور)، وأوغندا (جيش الرب للمقاومة)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية أفريقيا الوسطى. والحالة 26 كانت ضد قائد التمرد في دارفور، وبجانب الدول الأفريقية تنظر حالات مثل أفغانستان وكولومبيا وجورجيا وهندوراس، والجمهورية الكورية.
وذلك في الوقت الذي لم تحرك فيه المحكمة ساكناً، عندما قدمت لها العديد من الشكاوى ضد إسرائيل بسبب جرائمها في غزة، وضد الولايات المتحدة وبريطانيا بسبب جرائمهما في العراق؛ ولذلك استفزت هذه السوابق إفريقيا والعالم العربي. يضاف إلى ذلك موقفها الغامض من جريمة إسرائيل ضد أسطول الحرية التركي المرسل للإغاثة في غزة.
إلى أن أصدرت الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية مذكرة في 2009، بتوقيف الرئيس عمر البشير رئيس السودان، بناء على اتهامات والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.وهو ما رفضته الدول الأفريقية، خاصة جنوب أفريقيا الذي رفضت توقيفه في أراضيها أثناء تلبية دعوته الرسمية لدورة الاتحاد الافريقي، لتبدأ تزايد وتيرة التوترات حيث شكى رئيس الأفارقة، جون بينج، من أن جميع لوائح الاتهام كانت ضد أفارقة، ولذلك اتهمت الدول الأفريقية، المحكمة رسمياً بالتمييز والعنصرية واستهداف القادة الأفارقة دون غيرهم، في الوقت الذى تغض فيه الطرف عن مسؤولين عن صراعات في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى لم تمتد إليهم يد المحكمة.
الرئيس السوداني خلال زيارته لجنوب إفريقيا 2015
لتبدأ موجة من الانسحابات، من قبل جنوب افريقيا وبوروندي وغامبيا. فبداية بررت وزيرة العدل ببورندي كانيانا إنسحاب بلادها، بأن المحكمة باتت وسيلة ضغط وعدم استقرار في البلدان النامية وإنه لا يخفى على أحد أن فتح تحقيق بحق بعض القياديين يتم تحت ضغط القوى الغربية.
وبعث وزير التعاون والعلاقات الدولية ماتي نوكونا ماشابان في حكومة جنوب أفريقيا برسالة للأمين العام الأممي يُبلغه فيها بقرار بلاده الانسحاب من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأرجع الوزير قرار الإنسحاب إلى أن بلاده وجدت أن التزاماتها المتعلقة بإيجاد حلول سلمية للصراعات “لا تتفق مع تفسير المحكمة الجنائية الدولية للالتزامات المدرجة في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”
وبدوره أعلن وزير الإعلام الغامبي شريف بوجانغ ان انسحاب غامبيا “نابع من حقيقة أن المحكمة الجنائية الدولية هي في الواقع محكمة قوقازية دولية لملاحقة وإذلال الملونين، وبخاصة الأفارقة رغم أنها تسمى: المحكمة الجنائية الدولية”، مُدللاً على ذلك، بعدم استجابة المحكمة لطلب غامبيا بمثول الاتحاد الاوروبي إليها، بسبب موت مهاجرين في مياه البحر المتوسط، لكنها لم تتلق ردا، وقال “هناك ما لا يقل عن ثلاثين بلدا غربيا ارتكب جرائم حرب سافرة ضد دول مستقلة ذات سيادة ومواطنيها منذ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، ولم يوجه اتهام لمجرم حرب غربي واحد”.( ) وهذا لا يمنع من تدخل بعض الدول الأفريقية لحل الأزمة ، كالسنغال.
رابعاً: تداعيات الانسحاب الأفريقي من المحكمة الجنائية الدولية:
1)التداعيات على المحكمة:
تمثل قرارات الإنسحاب ضربة موجعة للمحكمة، التي تعاني من ضربات موجعة منذ إنشائها بداية من، عدم الدعم الكامل من القوى الكبرى لها من ناحية، وعدم تنفيذ الدول الأخرى لقراراتها من ناحية أخرى، ليأتي هذا القرار بتنفيذ بعض الدول الأفريقية بتهديدها بالإنسحاب، منهم دولة بحجم وثقل جنوب أفريقيا، في الوقت الذي تسعى إلى فرض المزيد من الحضور والاحترام الدولي بعد ما تعرضت له من انتقادات لاذعة بشأن “تسييس” بعض قراراتها ومواقف أعضائها، ما جعل الكثير من الدول الأعضاء فاقدة للثقة فيما يخرج عنها من توصيات وأحكام.
2)التداعيات على الدول الأفريقية:
نزاع داخلي مرتقب بجنوب أفريقيا: لم يروق للمعارضة بجنوب افريقيا قرار حكومتها بالإنسحاب، ولذلك أقام الحزب الرئيسي للمعارضة في جنوب إفريقيا (التحالف الديمقراطي) دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية للطعن على قرار حكومته بالإنسحاب من عضوية المحكمة الجنائية الدولية، معلنا أنه يأمل أن تتمكن المحكمة من تغيير القرار خصوصا أنها هي صاحبة القول الفصل في القضايا الدستورية. وهو ما يثير التخوفات لتصاعد هذا الخلاف الداخلي بما يهدد الاستقرار الداخلي، لواحدة من أكثر الدول الأفريقية تقدماً.
3)ردود أفعال المؤسسات الدولية:
قابلت انسحابات الدول الأفريقية من المحكمة الجنائية الدولية، انتقادات المؤسسات الدولية: إذ أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عن أسفه للإنسحابات الافريقية من المحكمة الجنائية الدولية. وقال إن تلك الخطوات قد توجه رسالة خاطئة حول التزام تلك الدول تجاه العدالة. وزاد كي مون “إن أفضل سبيل لمعالجة التحديات هو تعزيز المحكمة الجنائية الدولية من الداخل، لا تقليص الدعم لها”.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن هذا القرار “يظهر ازدراء مفاجئا للعدل من جانب دولة كثيرا ما اعتبرت زعيما عالميا في مجال العدل لضحايا الجرائم الأخطر”.
ومن جهتها قالت منظمة العفو الدولية إن الانسحاب يشكل “خيانة لآلاف الضحايا” ومن شأنه أن “يضرب النظام القضائي الدولي”.
خامسا: تقييم لأداء المحكمة الجنائية الدولية:
1) محكمة جنائية “دولية” ولا تضم أكبر قوى في العالم (ثلاثة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي)، بما يعيق أداء المحكمة إذ لم تصدق الولايات المتحدة على ميثاق روما المنشئ للمحكمة، فعند تولي جورج دبليو بوش، قال وزير الخارجية الاميركي كولن باول، أن الرئيس جورج دبليو بوش لن يطلب من مجلس الشيوخ التصديق على معاهدة تنشئ أول محكمة جنائية دولية في العالم والتي وقعها سلفه بيل كلينتون. وأضاف أثناء زيارة لمقر الامم المتحدة: «ان الولايات المتحدة وادارة بوش لا تؤيد المحكمة الجنائية الدولية.. الرئيس بيل كلينتون وقع المعاهدة، لكننا لا نعتزم احالتها الى مجلس الشيوخ للتصديق عليها».
وبالرغم من دعم الرئيس باراك أوباما إلى المحكمة، إلا انه لم يوقع أيضاً على نظام روما الأساسي، ولم يدعمها بشكل كامل. ولذلك، فإن إفتقار المحكمة لدعم مجلس الأمن، وتأرجح موقف الولايات المتحدة منها، فضلاً عن عدم تصديق روسيا والصين على ميثاقها سيجعلها في حاجة إلى حل من أجل لتصل إلى كامل إمكاناتها.
2)أثبتت الخبرة العملية، عدم فعالية قرارات المحكمة الجنائية الدولية، وبالأصح عدم تنفيذها، على الرغم من شعارات ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب، والعمل على حماية حقوق الإنسان، فعلى سبيل المثال أغلب من صدر ضدهم أحكام، لم يتم تنفيذها، ولا يزالوا أحرار، فنجد قرارات التوقيف لعدد من المسئولين في السودان- منهم وزير الشؤون الإنسانية وحاكم شمال كردفان في 2007، وقائد ميليشيا الجنجويد المزعوم، وتوقيف البشير في 2009، ووزير الدفاع الوطني الحالي ووزير الداخلية السابق في 2012، لاتهامات بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، تمت في أعوام سابقة في 2003 و2004- لم يدخل حيز التنفيذ أياً منها. وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول رغبة المحكمة الحقيقية في العمل على حماية حقوق الإنسان واسترداد حقوق الضحايا.
3)لم تستطع المحكمة تحقيق الاستقرار لأياً من الدول الأفريقية، بل على العكس في ظل التطورات الأخيرة قد تكون من أسباب زعزعة الاستقرار في بعضها.
ويمكن تلخيص عيوب رئيسية للمحكمة في ثلاثة أمور:
أولها: قصور أداء مكتب المدعي العام،
ثانيها: عدم رغبة الدول الأطراف في التعاون مع المحكمة،
وثالثها: غياب دعم الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي الذي يحمل حق الاعتراض على الحالات الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية.
4)وإجمالاً، فيجب أن يؤخذ أمر التهديد بالإنسحاب الافريقي الجماعي من المحكمة بجدية، على اعتبار أنها أكبر تكتل إقليمي منضم لمعاهدة روما هو الأفارقة ــ ٣٤ من بين ١٢٤ دولة عضو. كما أن الانسحاب الجماعي إن حدث كفيل بأن يشل عمل المحكمة أو على أقل تقدير يسقط عن عدالتها صفة الكونية. فالمحكمة هي مؤسسة دولية مستقلة قائمة على معاهدة ملزمة فقط للدول الأعضاء فيها، وتعتمد على تعاونهم معها في تسليم المطلوبين بارتكاب جرائم دولية. إذا غٌلت يد المحكمة وفشلت في ملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم كبرى أو في استكمال قضايا منظورة أمام قضائها كما هو حادث بالفعل، فلن يكون مصير هيئة الأمم التي نشأت في عشرينيات القرن الماضي بعيد عنها، والتي حلت محلها الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في ١٩٤٦.
والسؤال الأخير هنا هل من بديل؟
في ظل إخفاقات المحكمة في تطبيق العدالة الدولية كما تراها، بما يعني إهدار أموال بدون تحقيق نتائج، وفي الجانب الآخر إزدواجية معايير وشعور بالاضطهاد من قبل الدول الأفريقية،
هل من بديل للدول الأفريقية؟
“إذ يرى العديد من الأكاديميين الأفارقة ضرورة إيجاد محكمة قارية تسدّ مسدّ الجنائية الدولية، وفي هذا الصدد يتذكر الجميع أن هناك محكمة تابعة للاتحاد الأفريقي وهي: “المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب””.
ومن جانب آخر، هل من بديل للشعوب الأفريقية في ظل صراع المصالح، والتلاعب بالشعارات!!
إن أخذنا في الاعتبار الإدعاءات الغربية وانتقادات المعارضين الأفارق لأنظمة الحكم، بأن رؤساء الدول يريدون حماية أنفسهم وأنظمة حكمهم بدون أي رقابة.
إقرأ أيضا:-
دراسة : الحمض النووي لـ “السواحيلية” هم خليط من الافارقة والعرب والفرس والهنود