محمود عبدالمنعم القيسوني يكتب : « الجلف الكبير » الصورة طبق الأصل لتضاريس المريخ
في الركن الجنوبي الغربي من الأراضي المصرية تقع هضبة ” الجلف الكبير ” و هو الأسم الذى أطلقه عليها الأمير كمال الدين حسين عام 1925 عند إكتشافه للهضبة ، و الكشف عن هذا القطاع لأول مرة للعالم و كان له السبق أيضا فى أنه كان أول من إستخدم لسيارات السفر داخل الصحارى المصرية حيث قام بطلب تصنيع و شراء سيارات نصف مجنزرة فرنسية صنعت خصيصاً لهذه الرحلة.
بحجم مساحة سويسرا
وتبلغ مساحة الهضبة نفسها سبعه آلاف و سبعمائة كيلومتر مربع، أما مساحة المحمية بالكامل فهى ثمانية و أربعون ألف خمسمائة ثلاثة وعشرون كيلو متر مربع بحجم ( مساحة سويسرا ) و تمثل خمسة فى المائة من مساحة مصر – يحدها من الجانب الغربى الجمهورية الليبية و الجنوبى جمهورية السودان، وعلى الجانب الجنوبى الغربى داخل المحمية تقع محمية جبل العوينات ( 800 كيلومتر مربع ) وهي محمية تراث طبيعى ثقافى عالمى لثرائها بكهوف الإنسان المصرى الأول ( جد الفراعنة ) ، و إنتشار رسوماته و نقوشه داخل الكهوف و خارجها على المسطحات الجرانيتية و هو الجبل الذى إكتشفه المغامر المصرى العظيم أحمد باشا حسنين ( خلال أطول رحله و مغامره صحراوية فى التاريخ ) عام 1923 و التى أكتشف أيضاً خلالها واحه ” أركينو ” داخل الحدود الليبية ، و قامت عده دول فى ذلك الوقت بتكريمه و منحه أرفع الأوسمة .
و على الجانب الشمالى تقع أطراف بحر الرمال الأعظم الجنوبية ، و هى تقع بأشد المسطحات الأرضية قحولة و جفافاً فى العالم ( ترتيبها الأول على صحارى العالم من حيث الجفاف و القحولة ) و تمثل كنز علمى جيولوجى بكل معانى الكلمة .
الصورة طبق الأصل لتضاريس المريخ
كما أنها الصورة الطبق الأصل الوحيدة لتضاريس كوكب المريخ على سطح الكرة الأرضية فهى تحتوى على العديد من الوديان و القناوات العميقة فى شقوق بالصخور الرملية على الجانب الشرقى من الهضبة، ارتفاعات أجنابها تتعدى الكيلومتر .
تم إكتشاف ورصد أكثر من مليون أداة إستخدمها إنسان العصر الحجرى بهذه الوديان كما أن أحد هذه الوديان و هو ” وادى بخت ” يبلغ إمتداد عمقه داخل الهضبه حوالى خمسه عشره كيلومتر و به تجمع نادر لطبقات تاريخ الكره الأرضية مثل ما هو موجود بمحمية الدبابيه ( مركز إسنا -محافظة الأقصر) والتى أعلنت محمية طبيعية عام ٢٠٠٧.
النيازك العملاقة
كما تنتشر على الهضبة و حولها فوهات من فعل إصطدام النيازك العملاقه و الصغيرة على مدار ملايين السنين بسطحها و أيضاً فوهات بركانية خامدة، و رغم قحولة هذا القطاع إلا أنه فى الشتاء يتعرض لموجات من الصقيع القارص ، و التى قد تسبب التجمد كما أن سقوط الأمطار بها نادر جداً .
١٠٠٠ موقع أثري
و تنتشر في الهضبة أشجار الأكاسيا أو السنط و النباتات الصحراوية و كائنات صحرواية مهددة بالإنقراض مثل الكبش الأروى – و بصفة عامة آثار و فخريات و أدوات و تسجيلات الإنسان المصرى الأول ( أكثر من عشرة آلاف سنة ) منتشرة فى ارجاء هذة المحمية بشكل واضح جداً و كثيف، ويوجد حوالي ألف موقع أثري بهذه المحمية حيث تسجل نشاطاته من رعى وصيد و عباده ونحت وطهى و سباحة … الخ .
أجمل الرسومات
لكن أجمل الرسومات على الأطلاق و أوضحها تلك الموجودة فى أقصى الركن الجنوبى الغربى من جبل العوينات المصرى وأيضا المنتشرة في كهوف الجانب الغربي من الجلف الكبير بوادي صور، أيضاً آثار لنشاطات الأنسان حتى الوقت القريب مثل القوافل التجارية و العمليات الحربية .. الخ .
وبهذا القطاع تسجيل جيولوجى يؤكد بدء تغيير المناخ و تحوله للجفاف منذ خمسة آلاف سنه قبل الميلاد بعد قرون من الأمطار و المناخ المناسب للحياة و بدء نزوح و هجره الإنسان المصرى الأول من هذا القطاع الى وادى النيل حيث إستقر و بدء فى بناء أعظم حضاره عرفها العالم .
المريض الانجليزي
وخلال القرن الماضى و بالتحديد منذ عام 1930 بدء المغامرين المستكشفين من جنسيات مختلفة يتوافدوا على هذا القطاع طمعاً فى إكتشاف واحة ” زرزورة ” الأسطورية أو بغرض ترسيم الخرائط لأغراض تجارية و حربية و من أشهر المغامرين البريطانيين كلايتون و هو أول من رسم خريطة تفصيلية دقيقة لصحراء مصر الغربية – و البريطانى باجنولد – و النمساوى الكونت ألماظى مكتشف مغارة السابحين بوادى صور غرب الجلف الكبير و الذى أنتج فيلم عالمى عن جزء من حياته عام ١٩٩٦ونال تسعة جوائز أوسكار وكان بعنوان ( المريض الإنجليزى ) ، وهو الذي خطط ونفذ أخطر وأجرء عملية تجسس في شمال إفريقيا خلال سنين الحرب العالميه الثانية، حيث تم تكليفه من قِبل قيادات المحور بنقل عدد إثنين جواسيس ألمان من مدينة طرابلس بليبيا في عمليه لقبها الألمان بعملية سلام بينما لقبها البريطانييون بعملية ” مفتاح ربيكا ” وهي التي تحركت يوم ٢٩ أبريل ١٩٤٢حيث إتجهوا جنوبا حتي بلغوا الحدود المصريه غرب الجلف الكبير يوم ١٦ مايو ١٩٤٢وإتجهوا شرقا حتي بلغوا أسيوط يوم٢٣ مايو ١٩٤٢بعد مغامرة بالغة الصعوبة والخطورة وكشفت المخابرات البريطانية تفاصيل العملية وتمكنت من إلقاء القبض علي الجواسيس يوم٢٥ مايو ١٩٤٢وإيداعهم بمعتقل أسري الحرب بالمعادي حتي إنتهاء الحرب.
ثم بعثة هانس روتريت و التى قامت بتوثيق و تسجيل خلال عامين لمعظم رسومات و حفريات الإنسان المصرى الأول فى قطاع الجلف الكبير و جبل العوينات .
تلى ذلك خلال سنين الحرب العالمية الثانية قيام القوات البريطانية بإستخدام هذا القطاع عسكرياً عن طريق قوات عمق الصحراء الخاصة، بقياده البريطانى باجنولد الخبير بهذا القطاع خلالها تم بناء مطار حربى سرى .
وكالة ناسا
وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وقع القطاع تحت السيطرة الكاملة لهيئة المساحة الجيولوجية المصرية – و خلال الربع الأخير من القرن الماضى قامت مؤسسة “ناسا الفضائية الأمريكية” بزيارة هذا القطاع عده مرات لإجراء دراسات علمية لمقارنتها بكوكب المريخ، و منذ عام 1970 وحتى ٢٠١١ تواجدت بعثات أثرية المانية قامت بالتنقيب المكثف لمخلفات و آثار الإنسان المصرى الأول .
السياحة الصحراوية
والسياحة الصحراوية التي تدرج ضمن نشاط السياحة البيئية وهو نشاط راقٍ جداً رفيع المستوى حيث تبلغ المسافات التى تقطعها هذه الرحلات من القاهرة و العودة ما بين ألفين و خمسمائة كيلومتر و ثلاثة آلاف و خمسمائة كيلومتر و تسغرق ما بين الستة أيام و الخمسة و عشرون يوماً، ومعظم مريديها من كبار السن ذوى الوعى السياحى البيئى رفيع المستوى مع تسلل بعض الجهلة و أصحاب الأغراض المخالفة لقوانين البيئة و الذين يهدفون لإقتناء الحفريات و الأحجار النادرة و يشوهوا تراث مصر التاريخى والجارى حالياً الحد من تسللهم عن طريق إشتراطات و تراخيص وقيود تضعها وزاره السياحه والآثار ووزارة البيئة.
– كما أن هذا النشاط يشمل السياحة العلمية و التى تهدف مواقع الظواهر العلمية النادرة مثل منطقة الصدمة النيزكية شرق جنوب هضبة الجلف الكبير – ومنطقة زجاج السيليكا … و الظواهر الجيولوجية مثل الفوهات البركانية ( بيتروبول ) و الواقعه بين الطرف الجنوبى لهضبة الجلف الكبير و جبل العوينات ووادى بخت و الذى يضم ظاهرة جيولوجية نادرة جدا مثل ما هو موجود بمحمية الدبابية بمحافظة الأقصــــر والخاصة بالتجميع الكامل لطبقات تاريخ الكره الأرضية … و ظواهر تاريخية مثل كهوف الإنسان المصرى الأول و المنتشره حول هضبة الجلف الكبير و جبل العوينات .
* محمود القيسوني مستشار وزير السياحه ووزيرة البيئه لشؤون السياحه البيئية من عام ٢٠٠٧ حتي ٢٠١٤والمشرف علي سياحة الصحراء من عام ١٩٩٧حتي عام ٢٠١٤
إقرأ المزيد
محمود عبدالمنعم القيسوني يكتب : مائة عام علي اكتشاف جبل العوينات
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.