محمود القيسوني يكتب: كوكب المحيطات.. وحبار الأعماق المظلمة
والمقصود بهذا العنوان هو كوكب الأرض أو كوكبنا فالعنوان يطابق الواقع الفعلي لكوكبنا حيث تغطي مياه المحيطات والبحار والأنهار ثلثي مساحته وهي مصدر سبعون في المائة من الأكسجين الذي نستنشقه كل ثانيه من حياتنا كما أنها مصدر الغذاء الرئيسي لحوالي إثنين بليون من البشر وهي التي شكلت طوال القرون الماضيه خط الدفاع الرئيسي ضد تدمير و تلويث الإنسان لمناخ و بيئة الأرض التي يعيش عليها خط دفاعي بداء في الإنهيار للأسف بسبب جشع وجهل الإنسان والذي بداء في تلويث المحيطات وتدمير عناصر الحياه بها .
والغريب أن الإنسان بلغ القمر عام ١٩٦٩بعد رحلة استغرقت ثلاثة أيام ويخطط لبلوغ كوكب المريخ عام ٢٠٢٤في رحله ستستغرق ثمانية شهور كما أصبحنا نعلم تفاصيل تضاريس وجيولوجيا القمر وكوكب المريخ من الكم الهائل للصور التي تبثها المركبات المتحركة علي سطحها ونتائج تحاليل التربه والتي تنفذها معامل هذه المركبات وهي إنجازات مذهله بكل المقاييس وكل هذا يتم رغم أننا حتي اليوم لم نستكشف أكثر من خمسه في المائة من ما هو في قاع المحيطات والبحار .
وكل يوم نصاب بذهول بل برعب من الصور والافلام التي تلتقطها كاميرات الغواصات الاليه في الأعماق السحيقة المظلمه للكائنات البحريه المجهولة ذات الأشكال والأحجام المرعبه فيوماً بعد يوم نكتشف أننا نعيش فى عالم ملىء بالغوامض و الأسرار و المفاجآت و التى تظهر لنا كل حين و أخر لتصدمنا و تبهرنا وتجبرنا على التواضع و تؤكد لنا أننا فقط نعلم القشور فعلى سبيل المثال نعتبر أن الغوص لعمق خمسه أمتار فقط فعل مجهد و مخيف .
غرقت تايتنك علي بعد إثنين كيلو
فما بالنا بأربعة آلاف متر فى الظلام الدامس و المياة المثلجة فعندما غرقت الباخرة التيتانيك فى١٤ إبريل ١٩١٤ لم يتخيل إنسان وقتها عمق المياه أسفلها – و أول سبتمبر١٩٨٥ تم إكتشاف حطامها بقاع المحيط على عمق حوالى أربعة كيلومترات و هو ما شكل ضغط هائل على السفينة فشطرها نصفين أثناء هبوطها للقاع و عندما إستقرت بالقاع كانت المسافة بين النصف الأمامى و النصف الخلفى حوالى ستمائة متر أى أكثر من نصف كيلو و هى تفاصيل صدمت العالم .
وواجب الإشاره إليّ أن فضل معرفتنا المحدودة بالمحيطات والبحار حتي اليوم يعود إليّ الجهد الرائد والخارق لبعثة السفينة شالينجر البريطانية عام ١٨٧٢وهي البعثة المكونة من علماء بحار في جميع التخصصات المعروفة وقتها مجهزين بكامل المعدات ومستلزمات المعامل بهدف تفعيل أول دراسة علمية للمحيطات والبحار والتعرف علي أعماقها والتنوع الحياتي بها فقد تحركت السفينة يوم ١٨٧٢/١٢/٢١في رحله طولها ١٣٠ ألف كيلومتر فاكتشفوا أربعة ألاف جنس ونوع من الكائنات البحرية غير المعروفه ويوم ٢٣ مارس ١٨٧٥ دققوا أهم إكتشاف وهو خندق مريانا والذي وقتها سجلوا بمعداتهم أن عمقه ٨١٨٤ متر و قد دامت الرحلة حوالي أربعة سنوات منها سبعمائة وثلاثة عشرة يوما في البحر وأسسوا علم المحيطات وظواهرها.
وعام ١٩٦٠ تم بناء غواصه ذات مواصفات خاصه لتتحمل الضغط الهائل في عمق خندق مريانا جدارها من الصلب ذات سمك خمسة بوصات و نافذه من أسمك وأصلب نوع زجاج تستوعب شخصين بلغوا قاع الخندق بعد رحله هبوط دامت خمسة ساعات ومكثوا عشرون دقيقه فقط علي القاع في ظلام دامس شديد السواد ومياه مثلجه وضغط يعادل ١٠٩٩مره الضغط علي سطح الأرض وسجلوا باجهزة علميه حديثه أن عمق الخندق هو حوالي إحدي عشرة كيلومتر وقرروا الصعود بسرعه لحدوث شرخ في زجاج الغواصة مما شكل خطر داهم علي حياتهم لعلمهم أنه إذا تحطم زجاج الغواصه ستتحول أجسامهم في لمح البصر إليّ ماده هلاميه لا معالم لها بسبب الضغط الهائل.
تلي ذلك الغوص مرتين لقاع الخندق بغواصات اليه بدون غواصين عام ١٩٩٥ وعام ٢٠٠٩ وعام ٢٠١٢ قام المخرج العالمي المعروف جيمس كاميرون بالغوص بمفرده في غواصه ذات تكنولوجيا متطورة وقد استغرق الهبوط ساعتين وتسعه وثلاثون دقيقه ومكث بالقاع ساعتين ونصف سجل خلالها أنه رغم الظلام الدامس والضغط الهائل جدا والمياه المثلجة إلا أنه شاهد تحت أضواء غواصته تنوع حياتي ثري لكائنات غريبه وشعاب متنوعه قام بتصويرها والتقاط عينات من هذا التنوع بأذرع اليه مثبته خارج جسم الغواصة ثم استغرقت رحلة الصعود الساعه والنصف وحقق إنجاز علمي مذهل …
و عام ٢٠٠٣ تم إنتشال جثه حبار عملاق من مياه القطب الجنوبى و الذى كان يمثل أسطوره خيالية فقط تذكر فى القصص مثل قصه عشرون ألف فرسخ تحت سطح الماء للروائى الفرنسى جول فيرن والتي ألفها عام ١٨٧٠ و لم يتخيل أحد أن هذا الكائن موجود فعلاً فى الأعماق المظلمه السحيقه من المحيطات و كل ما كنا نعلمه عن إحتمال وجوده هو أنه عام ١٩٢٥ عند تشريح جثه حوت ضخم وجد فى أحشائه ذراعين ضخمين داخل أمعائه لحبار طولهم و حجمهم أذهل علماء البحار و لم يسجل هذا الحدث علمياً لعدم رصد و مشاهده هذاالكائن الأسطورى .
وتكرر الأكتشاف خمسة مرات بعد ذلك من جراء تشريح لحيتان و مرة سادسة تم بالصدفة اصطياد أكبر حبار علي الإطلاق فى شباك باخرة صيد عملاقة كانت قد أسقطت شباكها بأثقال إليّ عمق إثنين و نصف كيلومتر تحت سطح الماء .
و كان حتى تاريخ إنتشال هذه الجثه العملاقة يعتقد العالم أن أكبر حبار هو الذى يبلغ طوله ثمانية عشره متراً أى أطول من أضخم حوت بحوالى ثلاثة أمتار لكن إنقلبت هذه المعلومة بإضافة هذاالكشف و الذى يبلغ طوله حوالى الخمسة و عشرون متراً و أكثر و تأكد للعالم بعد ذلك من متابعه دراسة جثث وجدت طافية و ممزقة لحيتان عملاقة مطبوع على أجسادها بصمات مستديرة خاصة بمصاصات كبيرة و آثار لمخالب حادة أن هذا الحبار الهائل الحجم السابح في الأعماق المظلمة بمحيطات العالم يتغذى على الحيتان و أن ذراعيه العملاقتين توجد بأطرافها بالإضافه للمصاصات و التى تسهل عمليه الإلتصاق و التشبث بالفريسه مخالب قاسيه تضيف إمكانيات أكبر فى الإصطياد و هو ما وضع هذاالمخلوق اليوم كأضخم كائن بحرى مفترس فى بحار العالم مشاهدته تثير الهلع و الرعب .
محمود عبد المنعم القيسوني
خبير سياحة بيئية
إقرأ ايضا:-
محمود القيسوني يكتب: ضيوف مصر من الطيور الزائرة
القيسوني: يكتب.. وادي الرشراش أول محمية في تاريخ مصر
محمود عبدالمنعم القيسوني يكتب : « الجلف الكبير » الصورة طبق الأصل لتضاريس المريخ
محمود عبدالمنعم القيسوني يكتب : مائة عام علي اكتشاف جبل العوينات
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.