الرأي

القيسوني يكتب : كوكب المحيطات ..و “سيلاكانث” سمكة الأعماق المظلمة (٢ )

حتي اليوم لم نكتشف أكثر من خمسة في المائة من التنوع الحياتي والجيولوجي الواقع في الأعماق السحيقة المظلمة والمثلجة بمحيطات وبحار العالم حيث يتعدي الضغط ١٠٩٩مرة ما هو علي سطح الأرض، ضغط يحول جسم الإنسان في ثانية إلي مادة هلامية لا معالم لها إذا تعرض له.

لكن بفضل التكنولوجيا والعلوم الهندسية المتطورة تمكنا أخيراً من بناء غواصات آلية لا حاجة لوجود إنسان داخلها مجهزة بعدسات تصوير وكشافات إضائة وأذرع آلية يمكنها إلتقاط عينات من الصخور والأصداف والشعاب الصلبة واللينة ومواسير شفط لإصطياد الكائنات الغريبة السابحة في هذا الظلام الحالك وسحبها لأحواض مغمورة بالمياة داخل هذه الغواصات توجه كلها بالريموت أو بالردار من سفن أبحاث علمية حيث يوجه ويقود العلماء هذه الغواصات فيتابعوا كل تحركاتها عن طريق شاشات تلفزيونيه ويتم سحب هذه الغواصات لسطح هذه السفن حيث يتم تفريغها من كل ما تم إلتقاطه وإصطياده لتبدأ عمليات الدراسة والتسجيل.

وقد أسعدني بل أذهلني زيارة جناح عالم الظلام بمتحف التاريخ الطبيعي بلندن وهو من أعظم متاحف العالم وأكملها ويتم بصفة مستديمة بل وفورا مواكبة وعرض آخر الإكتشافات بالعالم أجمع بهذا المتحف فشاهدت أحدث فيلم تسجيلي لآخر إكتشافات الأعماق السحيقة بخندق ماريانا وبعدة مواقع متفرقة بمحيطات العالم تم تصويرها خلال شهور العام ٢٠١٨فشاهدت كائنات غريبة جدا لم تشاهد من قبل من حيث الأشكال والأحجام والألوان ومنها ما يمكنها إضائة أطرافها كلها تسبح بهدوء وسط هذا الصمت والظلام والضغط الهائل .

ومع كل هذه التطورات تقودنا الصدف و بلا مجهود لإكتشافات مذهلة وصادمة فعلي سبيل المثال عام ١٩٣٨خرجت في شباك صيد زورق أمام السواحل الشرقية لجنوب إفريقيا بالمحيط الهندي سمكة في حجم ووزن إنسان بالغ لونها أزرق يخرج من أجنابها العديد من الزعانف ولغرابة شكلها عرضت علي علماء لفحصها ليكتشفوا أنها الملقبة ( سيلاكانث ) التي عاشت ببحار العالم منذ أكثر من ربعمائة وعشرون مليون سنة وان العلماء أعلنوا أنها إنقرضت منذ ستة وستون مليون سنة وهو ما أذهل الوسط العلمي حول العالم ثم تكرر إصطياد نفس النوع عام ١٩٥٠ وعام ٢٠٠٠ أمام سواحل شمال شرق جنوب إفريقيا ومدغشقر وكينيا.

الأمر الذس دفع العلماء الغوص للبحث عن موقع تجمعها ليكتشفوا مستعمرة من ثلاثون سمكه فقط فلقبت فورا بالحفرية الحية وثبت أنها عاشت وتوالدت ببحار العالم لأكثر من خمسمائة مليون سنة دوي أي تغيير لا في الشكل ولا الحجم وأنها ظهرت في عالمنا قبل ظهور الديناصورات وأعلن أنها أهم كائنات العالم البحرية المهددة بالإنقراض وقد تم تحنيط ما وقع في شباك الصيد لتعرض بمتاحف بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وجنوب إفريقيا وكينيا.

تلي ذلك إكتشاف مستعمرة ثانية أمام سواحل جزر إندونيسيا لنفس هذه السمكة وللأسف أعلن علماء العالم تخوفهم من فناء وإنقراض هذه السمكة بسبب إعلان شركة بترول عملاقة عن مشروع تنقيب بحري ضخم أمام سواحل جنوب إفريقيا الشرقية وتوابع ذلك المؤكدة علي الحياة البحرية في هذا القطاع وبدأت حمله دولية تنادي بإلغاء التنقيب بهذا القطاع لحماية هذا الكائن البحري النادر .

ومنتصف شهر إبريل من عام ٢٠١٥ قام علماء بحار من جامعة ميامي لعلوم البحار شرق الولايات المتحده الأمريكية بعد إتمام فحص ودراسة قرشين بنقلهم داخل حوض مثبت بقاع سفينة الأبحاث التابعة للجامعة إلي المياه العميقة أمام سواحل ميامي بهدف إطلاقهم وتم تثبيت عدسات تلفزيونية علي جانبي الحوض لتصوير لحظة إنطلاقهم إلي مياه المحيط وكان الجميع يراقبوا القرشين وفتحت الأبواب الجانبية للحوض لتحدث مفاجأه مذهلة للجميع فقد دخل كائن مجهول لم يشاهد من قبل بسرعة هائلة لينقض علي أحد القرشين فيعقر وجه القرش كاملا ثم يلتف بجسدة المغطي بصفائح عظمية صلبة متراصة ومدرعة حول جسم القرش ليقيد حركته بينما أخذ القرش يلتف بعنف في محاولات مستميتة لإنقاذ نفسه دون جدوي ثم قام الكائن المجهول بسحبه خارج الحوض ليختفي بنفس السرعة التي دخل بها.

وهو ما ترك العلماء في حالة ذهول كاملة فقاموا بدراسة فيلم هجوم هذا الكائن ليلاحظوا أن ظهره مدرع وأنه مجهول تماما لجميع علماء البحار اليوم لكنهم توصلوا لحفرية كائن عاش بمحيطات العالم منذ خمسمائة مليون سنة يطابق تماما شكل الكائن الذي شاهدوه وكان يلقب بعقرب البحر وكان معروف بأنه أشرس الكائنات التي عاشت في محيطات العالم وأنه إنقرض منذ ملايين السنين ما وضعهم جميعا أمام لغز علمي جاري بسببه عمليات بحث بأجهزة علمية ردارية بالغة التطور بحثا عن هذا الكائن الأخطر أضعاف المرات من القروش، وفي النهاية نقول إن أعماق بحارنا ومحيطاتنا ما زالت مجهولة … فسبحان الله .
محمود عبدالمنعم القيسـونى
خبير سياحة بيئية
إقرأ ايضا:-

محمود القيسوني يكتب: كوكب المحيطات.. وحبار الأعماق المظلمة

محمود عبدالمنعم القيسوني يكتب : « الجلف الكبير » الصورة طبق الأصل لتضاريس المريخ

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »