القيسوني يكشف في حوار لـ ” أفرو نيوز 24 “ : شيخ المرممين أحمد يوسف لم يكن “نجاراً بسيطاً”بل الأول علي طلبة مدرسة الفنون
>> رفض إغراءات العمل في متحف بوسطن لأنه كان مؤمناً بأن الأثار المصرية فى حاجة ماسة له ولفنه وتخصصه
>> عمل مساعداً للمثال محمود مختار تحدي المرممين الأجانب وأعاد مقبرة حوتب حيرس ومركب الملك خوفو للحياة
>> كرمته جامعات العالم ومنحته الدولة أوسمة ونياشين وأخيراً حذفوا صورته من علي اعماله بالمتحف المصري
>> انجز معجزات في ترميم القطع الاثرية المصرية وفي معابد الأقصر وأعاد القطع الي ماكانت عليه.
كشف المؤرخ والمستشكف والخبير السياحي البيئي محمود عبد المنعم القيسوني، في حوار لـ ” afronews24.com “ أن هناك معلومات خاطئة متداولة في بعض الصحف المهمة في مصر وكذلك علي مواقع التواصل الاجتماعي، تقول أن شيخ المرممين أحمد يوسف الذي أنقذ العديد من الآثار المصرية من الضياع كمركب الملك خوفو، ومقبرة والدته الملكة حوتب حيرس وغيرهما العشرات والعشرات من أهم واروع الآثار المصرية، كان “نجاراً بسيطاً “وأن الصدفة لعبت دوراً مهماً في حياته، وهذه معلومات مغلوطة وغير حقيقية، لأن هذا الفذ قد تسلح بالعلم ودرس في مدرسة الفنون الجميلة المصرية وتخرج منها عام 1928 وكان الأول علي دفعته، بل عمل معيداً بذات المدرسة التي تحولت فيما بعد الي كلية الفنون الجميلة.
وعاب القيسوني علي من لم يكلف نفسه بالبحث قليلاً لمعرفة سيرة ومسيرة الافذاذ من الشعب المصري، قائلاً: هذا الخطأ يقع فيه أيضا صانعي الدراما المصرية وكاتبي النصوص الدرامية، والنتيجة أننا الآن نري غالبية ما يقدم لنا موضوعات سطحية ومبتذلة، رغم أن التاريخ المصري ملىء بالشخصيات والقصص العظيمة التي تتناول بعضها السينما العالمية.
وقال: من خلال حواري مع ” afronews24.com “ أقدم لكتاب الدراما وصناعها سيرة ومسيرة فذ مصري أصيل تحدي خبراء العالم في ترميم الاثار المصرية، مثل ترميم مركب الملك خوفو ومقبرة والدة الملك خوفو الملكة حوتب حيرس، وغيرها من عشرات الاعمال الإعجازية، لم توقفه مضايقات الخبراء الأجانب بل تحداهم وأنتصر عليهم جميعاً ووقف في النهاية شامخاً شموخ تمثال الملك رمسيس في بهو تمثال الملك رمسيستحفة متاحف الدنيا انه أحمد يوسف شيخ المرممين الذي اتمني رؤية عمل يتناول حياته وأعماله.
والي نص الحوار: –
ماذا تحوي صحيفة أحمد يوسف شيخ المرممين الآثاريين من معلومات؟
اسمه أحمد يوسف مصطفي، ولد بالدرب الأحمر – القاهرة تاريخ الميلاد٥/١/ ١٩١٢تخرج عام ۱۹۲۸ من مدرسة الفنون و كان ترتيبه الأول، فعمل معيد بالمدرسة وتمنى أن يكون مثال، وكان يحب نحت التماثيل، وكان مثله الأعلى المثال محمود مختار وعمل بالفعل معه كمساعد في تمثالي سعد زغلول بالقاهرة و الأسكندرية، وليس صحيحاً انه كان نجاراً بسيطاً كما يدعي البعض، إنضم لمصلحة الأثار عام ۱۹۳۰، بدأ حياته العملية في معهد النماذج أوائل الثلاثينات من القرن الماضي، وكان يهوى مراقبة المرممين الأجانب عندما كانوا يتسلموا تماثيل قيمة أثرية مكسورة أو أجزاء بسيطة محطمة منها، ويقوموا بترميمها وإعادتها إلى حالتها الأصلية، وكان كل عملهم في المثال محمود مختار فقط ولم يعملوا في الخامات الأخرى قط ك( الخشب – المعادن . الخ ) فدفعته هذه المراقبة الى اعادة حساباته فكان هناك العديد من المثاليين بمصر لكن لا وجود للمرممين المصريين نهائيا و كان معظمهم اجانب فقط .
متي كانت بداية إنجذابه فى إتجاه الترميم؟
لاحظ أحمد يوسف أن المسؤولين من المصريين والبعثات الأجنبية، كانوا يكلفوا أجانب فقط من دول مختلفة بعمليات الترميم، فكانوا يحضروا لمصر للسياحة الشتوية أساساً، ثم يقومون بتنفيذ مهام ترميم آثار بشكل ثانوي ، وكانوا يحصلوا علي بدلات سفر مرتفعة وأقامة فاخرة، لكن ورغم كل هذه الميزات كان العمل الذي يقومون به الترميم ليس بالمستوى المقبول .
لذلك بدأ يتطوع لعمل ترميمات محدودة بالمتحف المصري، فعمل بإخلاص لإقناع الأدارات الأجنبية بالإعتماد عليه بدلاً من الأجانب باهظى التكاليف لكنه واجه معارضة شديدة، وأبواب مغلقة، لتفضيلهم منح هذه المزايا المادية المبالغ فيها لأبناء جنسيتهم حتى لو كانوا دون المستوى مما زاده حماساً و غيره و تصميم – و عزم على تغيير مسار حياته ليكون مرمم آثار بلده بكل دقة وعناية.
وماذا فعل لكي يكون مرمماً؟
قام بتكوين معمل صغير بمنزله مكتمل الأدوات والخامات وعمل بإخلاص ودقة في الأعمال المحددة الثانوية التى كلفوه بها فى المصلحة بجوار صقل نفسه يومياً بمنزله لكن مع تطوره اليومي بدأ الأجانب يتذمروا منه ويحاربونه وبخاصة أنه كان لحوحاً ومصمماً علي الدخول في هذا المجال – وفي النهاية تأمروا عليه وطردوه من مصلحة الآثار.
لكن لحسن حظه كان هناك عالم آثار بريطاني يدعي مستر انجلباك وكان يشغل منصب كبير الأمناء بمصلحة الآثار فترة إحتلال الانجليز لمصر وكان يعتمد على أحمد يوسف كثيراً فى عمليات الترميم لأنه كان عالم ويؤلف الكتب وبحاجة لمتخصصين مثل احمد يوسف – فأعترض السيد انجلباك على فصل أحمد يوسف دون أسباب، ولتحقيق نوع من العدالة أتفق مع زملائه الأجانب على تكليفه بمهمة صعبة انجازها يحتاج الي معجزة.
وقال لهم إذا فشل فيها يفصل – لذلك أعطوه “شقفة بلاص من الفخار” وهي ( جزء من قاعدة بلاص فخار ) و بها خليط من الأتربة و خامات مختلفة سن فيل و أبانوس ذات أحجام صغيرة جداً و طلبوا منة ترميمها ….. فقبل هذا التحدى ولكنهم سخروا منه وشككوا في قدراته … و طلبوا منه تحديد مدة زمنية للترميم فكان رده حوالي أربعة أشهر على الأكثر، فقالوا له ساخرين بل خذ 20 عاماً، ولن تتمكن منها بل ولن يتمكن أبنك من ترميمها بعدك
هل نجح في هذا التحدي ؟
في البداية ضيقوا عليه الخناق، فقالوا له: لن تصرف راتباً أثناء هذه المأمورية لشكهم أنه لن يستطيع ترميمها، فوافق وتنازل عن راتبه مؤقتاً حتى إتمام هذه المأمورية، لكنه أشترط أنه في حال نجاحه في ترميمها يصرفوا له راتبه عن الشهور السابقة التي قضاها في هذه المهمة… فعلاً مرت شهور ثلاثة فقط، وحقق أحمد يوسف بإذن الله أول إعجاز فى حياته، فقد كون من هذه الشظايا و الأتربة والقطع الصغيرة صندوق مجوهرات أخناتون ( المعروض حالياً بالمتحف المصرى ) وعندما قدمه لأنجلباك إنبهر بعمله، فأصدر قراراً فورىاً بقبوله موظفاً ثابتاً بالمصلحة وحصل علي حقوقه كاملة وأبهر المرممين الأجانب لكن بعضهم شعر بغيرة منه.
* وماذا فعل بعد هذا الحدث؟ وماهي قصته مع مقبرة حوتب حيرس أم الملك خوفو؟
في ذلك الوقت وصلت سمعته الى لآذان عالم المصريات الأمريكي ريزنر و كان يشرف على عمليات تنقيب بالهرم و يقيم بأستراحة هناك و كان قد أكتشف مقبرة أم خوفو ) حوتب حيرس ( على الجانب الشرقي للهرم و داخلها الأثاث الجنائزى و الحلى فى حالة سيئة للغاية و كان ذلك عام ۱۹۲٥، ريزيز فشل مع كل المرممين الأجانب الذين أستدعاهم من بلادهم لإخراج و ترميم محتوايات هذه المقبرة والذين أكدوا على إستحالة عمل أى شيء مع هذه المقبرة لدرجة وصلت به فى النهاية الى قرار اخراج المحتويات كما هي و عرضها بحالتها محطمة و مهشمة داخل صناديق زجاجية معزولة الهواء – وطلب ریزنر من أنجلباك مقابلة أحمد يوسف فأرسل له سيارته الخاصة لتنقله للهرم و كان ذلك فى الربع الأخير من الثلاثينيات .
وعندما تمت المقابلة بينهم عرض هريزنر مهمة اخراج و ترميم کنوز حوتب حيرس – فطلب احمد يوسف عدة ساعات لدراساتها أولاً بمفرده ومن ثم بقراره … وجلس يدرس المقبرة اربعة ساعات كاملة يرسم بدفتر خاص به حالة الكنوز ويسجل ما شاهده من خامات مثل رقائق الذهب و الخشب … الخ ثم قام احمد يوسف بسرد تفاصيل الأثاث الجنائزى و الحلى و تصوره لأصلها واشكالها ثم اخطر ريزنر أنه يمكنه تولى مهمة اعادة هذه الأثاثات و الكنوز لأصلها فأنفجر ريزنر ضاحكا ولأعتقاده أنها دعابة من احمد يوسف لكنه عندما تبين جدية أحمد يوسف توقف عن الضحك و نادى سكرتيرته الأنسة باركينز وطلب منها احضار الملفات الخاصة بالمكاتبات و المراسلات و المقابلات مع خبراء الترميم العالميين ووضعها أمام احمد يوسف و أخذ يصيح فيه من أنت؟ أنت لو قورنت بهؤلاء العالميين لا تساوي! كيف تؤكد قدرتك على تولى مهمة مستحيلة رفضها المرممين العالميين، ثم طلب منه مغادرة المكتب ….
وهل استسلم يوسف وقبل حديث مستر ريزنر المهين؟
الحاج احمد يوسف اراد أن بعلمه وقدرته، فنظر لمستر ريزنر بهدوء شدید و تواضع وقال: أنني لم أتشرف بمعرفة هؤلاء المرممين العمالقة، لكن أريد مقابلتك مرة ثانية بعد اسبوعين من الآن، وقال لريزنر لك الحق في البحث عن مرمم أخر، فوافق ريزنر على هذه المقابلة الثانية، وغادر احمد يوسف مكتبه، وعاد للمتحف و كان قد سجل في مذكرته ما شاهده في هذه المقبرة، فتوجه فوراً لشراء ثلاثة أفرخ مدهب مثل المستخدم في علب الشيكولاتة، ثم جمع نشارة خشب من اسفل منضدة نجار في طريق عودته لمنزله، ثم اشترى تشكيلة الوان بودرة وجلس يعمل بمسكنه بالغرفة التي حولها لمعمل ترمیم خاص به، وكانت أول خطوة أن قام بإحضار لوح خشب و وقام بخلط الخامات التي جمعها في طريق عودته للمنزل خلطها بشكل مقارب لما شاهده بمقبرة حوتب حيرس – ثم بدأ يفكر ويخطط لإسلوب رفع وفصل هذه الخامات عن بعضها .
وقام بتسجيلها بالرسم و الكتابة، ووصل بها الى الأشكال التي كانت عليها والألوان و الرسومات المطبوعة عليها وقام على مدار اسبوعين بتنفيذ هذا التدريب الذاتى على عدة لوحات خشبية تطابق تقريباً عدة طبقات من الأثاث المحطم و الحلى المهشمة الموجود داخل المقبرة، وعلى اعماق مختلفة ثم في الموعد المتفق عليه توجه لمقابلة ريزنر ومعه اللوحات التي تدرب عليها.
قام بسرد اللوحات أمام ريزنر على منضدة طويلة وكانت (ستة لوحات ) وشرح له الغرض من ذلك و أفكاره وخطته التى سينفذها على مقبرة حوتب حيرس و إسلوب رفع الأثار و فصلها ثم تجميعها بإسلوب فنى و علمى والبدء في إعادتها الى ما كانت عليه و أستمع ريزنر بتركيز شديد و تأمل اللوحات الستة دون أي تعليق ثم خرج من المكتب وعاد عدة مرات و هو يفكر بعمق ثم ينظر لأحمد يوسف، وقال له: تعود لأصلها فقال احمد يوسف: نعم، وكرر السؤال مرتين و تلقى نفس الرد ثم سأل احمد يوسف عن راتبه فى مصلحة الأثار فقال له مرتين أثنى عشرة جنيهات فقال ريزنر سوف اعطيك خمسون جنيها فى الشهر و ستعمل معى ستة شهور الشتاء هنا بمقرى على هضبة الهرم ثم نسافر الى الولايات المتحدة الأمريكية لتعمل معى بمتحف بوسطن حيث أشغل منصب مدير المتحف.
وماذا كان رد أحمد يوسف علي هذا العرض؟
رفض العرض بشكل فورى رغم أنه كان مغرىاً، لأنه كان مؤمناً بأن الأثار المصرية فى حاجة ماسة له و لفنه وتخصصه فالإكتشافات متلاحقة و عديدة و تحتاج لعمل جاد و مخلص قبل تسليمها للمتحف كما انه كان لا يحب العمل خارج مصر، بل أنه أقترح على ريزنر حل منطقى و هو أن يطلب ريزنر من مصلحة الآثار المصرية انتداب احمد يوسف للعمل معه في مهمة رفع وترميم محتوايات مقبرة حوتب حيرس دون اى تعديل في الراتب لأنه كان يعلم أن هذه الأثار مصيرها في النهاية العرض بالمتحف المصرى وأنها مهمة وطنية .
أما بالنسبة لريزنر فكان هدفه هو تسجيلها و تصویرها ثم طبع کتاب خاص بهذا الكشف، الذى يعتبر بمستوى كشف توت عنخ أمون من حيث الثقل التاريخي و العلمى.
وهل أختلفت معاملة ريزنر مع محمد يوسف عن المقابلة الأولي بينهما؟
وتستطيع أن تقول أن ريزنر هذا جذوره صعيدية، كان يثور لكن سرعان ما يعود لهدوءه وكان يتحدث العربية بطلاقة، لكن بلكنة صعيدية أيضا، وبالفعل انقلب الحال فبعد ان تهكم علي يوسف في المقابلة الاولي رحب به في مكتبه وبإسلوب حار واضح، بل قدم الشاى بنفسه لأحمد يوسف.
وماذا حدث بعد ذلك؟
عاد احمد يوسف للمصلحة، وفي اليوم التالي صباحاً فور دخوله مكتبة حضر أنجلباك كبير الأمناء البريطاني و طلب منه تسليم نفسه فورآ لريزنر بالهرم وأنه منتدب للعمل معه حتى انتهاء مهمة رفع الآثار و ترميمها من مقبرة حوتب حيرس و علم أحمد يوسف أن الإتصالات و الإتفاقات تمت فور مغادرته لمكتب ريزنر فى اليوم السابق، وفعلا تحرك فوراً لهضبة الهرم واستلم عمله و مهمته ومعمله، وبدأ العمل الدؤوب لمدة ستة شهور داخل معمل معزول كان ينام فيه طوال الأسبوع بإرادته، ويقوم بزيارة اسرته يوم الجمعة من كل اسبوع، وكان يعمل مع ريزنر مجموعة من المتخصصين من جنسيات مختلفة، كان بعضهم يوفر الهدوء ليوسف داخل صومعته احتراما لعمله، ولتنفيذ هذه المهمة التاريخية.
تقول بعضهم هل هذا يعني أن غيرة بعض الأجانب من أحمد يوسف لم تنتهي ؟
نعم، لأن أحمد كان من حين الآخر يسمح بدخول زوار مهمين لمتابعة أعماله خصوصاً عندما بدأ الأثاث يظهر ويبهر الناظرين – وقد حدث خلال هذه الشهور الستة إن أحد مساعدى ريزنر وكان روسي الجنسية، كان من حين لآخر يدخل صومعة أحمد يوسف، لكن بإسلوب متعجرف متكبر دون تحية، يفحص أعمال يوسف، ثم يخرج بنفس الأسلوب – وكان يوسف لا يعيره أي إهتمام ويتغاضي عن تصرفاته علي اعتبار أنه ضيف مصر، لكن في نهاية الشهور الستة تمادي ذلك الروسي ودخل على أحمد يوسف بعد أن ركل الباب برجله وهنا لم يتحمل يوسف هذه التصرفات، فطرده شر طردة وحذره من أنه أذا تجاوز مرة ثانية فسيلقي رد يصعب تصوره.
*وهل أنتهت المشكلة عند ذلك؟
لا : لم تنتهي لأن أحمد يوسف أكتشف أن ذلك الروسي المتعجرف هو مدير المجموعة التي تعمل معه، وهنا أصر ذلك الروسي علي حتمية طرد أحمد يوسف فوراً، هنا تصرف يوسف بذكاء سريع، وأعلن للجميع أنه الوحيد الذى يمكنه ترميم كنوز بلده مصر وبخاصة كنوز أم الملك خوفو “حوتب حيرس” وتحدى الخبراء المرافقين لريزنر إن كان من بينهم من يستطيع القيام بالعمل الذي يقوم به، وأعلن للجميع أنه يعمل هنا بدافع وطني وأنه رفض كثير من العروض المغرية والرواتب المرتفعة لأجل هذا العمل، وأنه لم يقبل أن يتجاوز أحد في حقه وكرامته مهما يكن وأنه جند نفسه لخدمة وطنه وتاريخه المجيد والحفاظ عليه.
ومن أنتصر في آخر الأزمة..وكيف سارت الأمور؟
يبدو أن أحمد يوسف جذوره صعيدية، لأنه أعلن التحدي وتعهده أنه اذا ثبت أن الخبير الأجنبى أفضل منه فسيغادر المكان فوراً دون نقاش، لذلك أتوا له بلوحة من مستر “سميث” الذى تولى رئاسة متحف بوسطن بعد ریزنر و كان خبير ممتاز في التسجيل بالرسم وطلبوا من أحمد يوسف أن ينفذ لوحة طبق الأصل فجلس أربعة ساعات يرسم ثم سلم اللوحة لريزنر وسميث فأثارت إعجابهم ولم يصدقوا ما فعله هذا الرجل، لذا رفضوا الاستغناء عنه.
لكن أحمد يوسف برر سبب تصرفه مع الروسي بأنه لا يعرف مجموعة الموظفين العاملين تحت إدارة ریزنر، وطلب أن يقدموه لجميع الموظفين و يتم تعارف شخصی مباشر بهم، وفعلا قام السيد / سميث بتقديمه لكل الموظفين مع شرح تخصصاتهم و أعمالهم حتى وصل للمدير الروسى و كان مهندس معماري و تعرف علية لأول مرة. بعد هذا الحادث تعامل الجميع مع أحمد يوسف معاملة خاصة جداً بإحترام شديد و تقدير و عمل مع ريزنر لمدة اربعة سنوات حتى توفى ريزنر عام ١٩٤٢
وماذا حدث لأحمد يوسف بعد وفاة ريزنر ؟.
عاد أحمد يوسف لمصلحة الآثار ومعه معظم الأثاث الجنائزى المبهر لحتب حيرس والذي تم وضعه في قاعة خاصة بجوار اثار توت عنخ أمون، و للأسف الوقت لم يسعفة لإستكمال الأثاث الجنائزى فبوفاة ريزنر وتوقف بعثته أدت الى أن الأعمال لم تستكمل و تم تخزين جزء مهم جداً من أثاث حتب حيرس دون ترميم في صناديق بمخازن المتحف المصرى و منها كرسي رائع الجمال وصندوق ملابس و هى لازالت بالصناديق حتى يومنا هذا.
لكن في عام ١٩٦٠ طلب سليم حسن من الحاج أحمد يوسف ترميم العصا الذهبية الخاصة بحب حيرس- فرممها وتم وضعها مع باقى الكنوز بالمتحف، وبالنسبة للأثاث الجنائزى الذى تم وضعه فى صناديق و تخزينه بالمتحف فيتضمن کرسی أجمل بكثير من الكرسى المعروض بالمتحف و الذي رممه أحمد يوسف و الفرق أن الكرسى المرمم على أجنابه زهرات اللوتس بينما الذي لم يرمم على أجنابه صقور مغطاة بالذهب و الفيانس وأرجل الكرسى أرجل أسود، و كان أحمد يوسف قد أستعد لترميمها فعلاً و رسمها و درسها – أما صندوق الملابس فهو مغطى بالذهب على هيئة حصير مجدول .
ولماذا توقف أحمد يوسف عن ترميم باقي كنوز المقبرة؟
لا لم يتوقف لأنه حتى الشهور الأخيرة من حياته، كان يحاول الإتصال بالمسؤولين وبالهيئات الأجنبية، ليشجعها على تولى مهمة ترميم باقى الأثاث لعرضه كاملاً بالمتحف، لكن نشير هنا أن صندوق الستائر المعروض حالياً بالمتحف، أنشاْ شيخ المرممين أحمد يوسف صندوقاً مشابه له طبق الأصل تم إهدائه لمتحف بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وتلقى خطاب شكر منهم بتاريخ ١٢/١٠/ ١٩٣٩يشمل إعجابهم الشديد بعملة وفنه، وأحيل احمد يوسف للمعاش عام ۱۹۷۲.
وهل انتهت رحلة شيخ المرممين بإحالته للتقاعد؟
لأ فقد تم تعيينه بمصلحة الآثار خبيراً لأنجاز عمل تاريخي أخر لايقل أهمية عن مقبرة والدة الملك خوفــــو وهي إستكمال ترميم مركب الملك خوفو نفسه- وإستمر هذا العمل حتى إتمام المهمة في عام ١٩٨٢.
لكن باختصار شديد أعمال الترميم التى قام بها الحاج أحمد لا حصر لها ففي المتحف المصرى مثلاً قام بترميم تمثال الملكة حتشبسوت الجرانيتي و المحطم و تمثالي حورس و الإلهة انوبيس من الحجر البازلت و علبة مجوهرات أخناتون و انية أحشائه المصنوعة من المرمر و قناع الملك أمن أويت الذهبي من الأسرة الثانية و العشرين من منطقة تينس – كما قام بترميم أثاث الملكة حتب حيرس الجنائزى و بالمتحف القبطى ترميم أيقونات خشبية و صور زيتية و صندوق عاج – وبالمتحف الإسلامي أشرف على نقل مقبرة طينية عليها آيات قرآنية من العصر الفاطمي من مكان لمكان جديد – رفع جدار من مدينة الفسطاط علية رسومات الى المتحف الإسلامي .
وماذا تبقي من تراثه غير الذي نراه اليوم؟
الحاج أحمد إحتفظ بملفات تضم صوراً للآثار وقت اكتشافها بحالتها السيئة، ثم صوراً لعمليات الترميم وحالتها بعد الترميم عندما نجح في إعادتها إلى ماكانت عليه منذ الاف السنين، وكل أثر عمل به له قصة جذابة و رائعة، وقد امتد نشاطه إلى مقابر الأقصر فرمم مقبرتي منا و نخت من عصر تحتمس الرابع بالقرنة ومقبرة أثرية خاصة ( رقم ۱۳۹ ) ( بالراهب الأمامي ) نفروميت – بالقرنة – الأقصر والذى عاش فترة حكم تحتمس الرابع – الأسرة الثامنة عشرة كانت تضم رسومات رائعة و معلومات تاريخية مهمة ومشكلة هذه المقبرة أو قصتها، هي أن كل هذه الرسومات الرائعة كانت مسجلة و مرسومة على مسطح رقيق من المصيص والذى يغطى الجدار المبنى من قوالب الطمي و ليس من الحجر – و قد بدأت تتشقق و تتساقط أجزاء منها كما حدثت فجوة و فراغ كبير بين الحائط الطينى والجدار الصخرى للمقبرة و كل ما كان يسند الجدار هو ثقله على الأرض و إلتصاقه بالسقف مما دفع هيئة الأثار عام ١٩٤٨ بتكليف الحاج احمد يوسف بالسفر للأقصر فوراً و عمل اللازم حيال أنقاذ هذا الأثر النادر و كان مقترح الحاج احمد هو حتمية رفع الجدار الطينى المرسوم عليه بالكامل صاحب المقبرة وزوجته قطعة واحدة لأهمية إجراء الترميمات على هذه الرسومات، وهى فى وضع أفقى فى مكان مناسب واسع وبعيداً عن المقبرة لإعطائه حرية في الحركة حولها و لتسهيل مهمة الترميم، ثم بعد إتمام المأمورية يتم إعادة الحائط ونقله وتثبيته في مكانه الأصلى داخل المقبرة.
وهل تمت الموافقة علي ذلك ؟
نعم- وافقت رئاسة هيئة الأثار على فكرته و طلبوا منه التنفيذ، وكان إرتفاع الحائط المعنى متر وثمانون سنتيمتر و عرضه متر وعشرون سنتيمتر وقد كانت أول خطوة فى عمله هو تغطية الرسومات بالكامل ) الواجهة ( بورق فضى لحماية الرسومات من أى أضرار أو رطوبة – ثم تغطية الواجهة المغطاة بالورق الفضى بطبقة رقيقة من معجون بلاستر سريع الجفاف – بعد ذلك تغطية هذة الطبقة الرقيقة بطبقة أسمك و مقواة بشباك من الكتان و بعد إكتمال هذا الدرع الحامى للرسومات تم مد هذا الخليط للأجناب – أى إحاطة الجدار الطينى إحاطة محكمة كاملة بهذه التغطية لضمان ترابط قوالب الطوب الطيني وعدم تحركها أو حدوث إنشقاقات بها تضر بالرسومات.
– بعد تمام جفاف هذا الدرع تم زحزحة الجدار بالكامل قطعة واحدة بعيداً عن الجدار الصخرى ثم رفعة بحذر و نقله الى الموقع المختار كمعمل للترميم و تم وضع الحائط على منضدة مناسبة والواجهة لأسفل والجدار الطيني لأعلى – و تم رفع و إزالة قوالب الطين بحذر شديد جدا و كل ما يتعلق بالحائط الطيني بالكامل، ولم يتبقى سوي المسطح المصيص الذى عليه الرسومات ( سمكة أقل من نصف سنتيمتر ) وبمهمة بالغة الدقة نظراً لأن أى ضغط على المسطح سيؤدى الى تشققات و شروخ فورية مما سيشوه الرسومات و الألوان، وهي مشكلة لا يمكن علاجها – لذلك تم سكب بلاستر سائل طبقة رقيقة سريعة الجفاف و تركها حتى جفت ثم طبقة ثانية لكن سائل أسمك و تركها حتى جفت – ثم طبقة أخيرة من البلاستر المخلط بالكتان للتقوية – و تركها تجف بعد ذلك تم رفع اللوح بالكامل والمتماسك و وضعة بالعكس أى الواجهة التى عليها الرسومات الأعلى و تم رفع الغطاء البلاستر من على الواجهة و ايضآ الورق الفضي والذي شكل عازل غير لاصق وبالتالي ظهرت الرسومات بالكامل و بدعت المرحلة الأخيرة وهى سد الشقوق بالبلاستر و الجبس مع تنظيف الرسومات و إعادة كل شيء الى ما كان عليه.
و من المثير أنه اثناء وجودة بالأقصر شاهد الآثار المقلدة أو المزيفة تزييف مذهل مما دفعه التقرب من العائلات و القبائل المعروفة في هذا المجال و هو أمر لم يكن سهلاً خصوصاً و أنه موظف بهيئة الآثار لكنه تمكن من أن يكتسب ثقتهم وتعرف تدريجيا على فن وأسلوب تصنيع و تزييف الآثار و كتب بحث في هذا المجال مفصل و خطير.
وهل أكتسب هذا العملاق مكانة في الاوساط العلمية العالمية؟
نعم وقد تم دعوته لإلقاء محاضرات عن مهمة ترمیم مرکب خوفو و ذلك عام ۱۹۷۹ بعدة ولايات بالولايات المتحدة الأمريكية وأيضاً ببريطانيا، ومنذ أوائل الثلاثينيات تم تسجيل اعماله المبهرة أولاً بأول في المنشورات الرسمية لمصلحة الآثار كما تم تخصيص فصول كاملة عن شخصه و أعماله فى كتب عالمية متعلقة بالمراكب الفرعونية وبالذات مركب خوفو .
ورغم أعماله الإعجازية المبهرة فى مجال الترميم الا ان اسمه و شهرته إقترنت بمركب خوفو الجنائزية، وللأسف الشديد تم رفع صورته وأسمه من المتحف المصرى خلال السنوات الأخيرة دون سبب منطقي و كان الأجدر تكريم هذا الرجل المخلص بوضع لوحة تذكارية عنه فى غرفة الأثاث الجنائزى للملكة حتب حيرس و ايضآ لوحة تذكارية بمتحف مركب خوفو و التى كرس لها ثمانية و عشرون عاماً من عمرة من عام ١٩٥٥ حتى عام ١٩٨٢
لكن وفقاً لما نشر في بعض وسائل الاعلام أن المتحف المصري الكبير الذي سيتم إفتتاحه قريباً وضع هذا الرمز في المكانة التي تليق به وبعلمه وفنه، وقد تم منحه عام ١٩٤٦ الميدالية الذهبية للمعرض الزراعي بالقاهرة بمناسبة تقديمه عدة نماذج عن الصناعات الدقيقة عند قدماء المصريين و عام ١٩٦٧ تم منحة وسام العلوم والفنون – و ميدالية المعهد الفرنسي للأثار الشرقية بمصر تكريماً لأعمالة وجهوده فى حفائر منطقتي ( بلاط ) و ( دوشن ) بالواحات الداخلة عام ۱۹۸۱ – و عام ۱۹۸۲ وتم منحه وسام الجمهورية من الطبقة الثانية بعد إتمامه ترميم مرکب خوفو وتركيبها لأخر مرة بالمتحف الحالي و إفتتاح المتحف الجديد.
ومتي توفي وهل كانت له وصية؟
وإنتقل الى رحمة الله۲/۲ / ۱۹۹۹وبناء على وصيتة لي شخصياً تم تشكيل لجنة من المجلس الأعلى للأثار مركز تسجيل الأثار المصرية فى الفترة من 14 أغسطس ١٩٩٩ حتى 26 من نفس الشهر من عام ١٩٩٩ لتتسلم كل كتبه و دراساته و أبحاثه و نماذجه وصوره ومعداته بالكامل والأثاثات التى كانت تحافظ على كل هذا التراث الفني كما أهدى مجموعة كتب ضخمة لجامعة المانيا
إقرأ أيضا:-
محمود القيسوني يكتب: كوكب المحيطات.. وحبار الأعماق المظلمة
القيسوني يكتب.. يوم أن قامت القيامة في “كراكاتوا “
مصر .. ولا تزال الأهرامات تبوح بأسرارها .. كشف جديد بالهرم الأكبر
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.