رامي زهدي الخبير في الشؤون الأفريقية يقدم قراءة في مشهد الإنتخابات العامة بجنوب أفريقيا
بدا أن مؤشرات نتائج الانتخابات العامة بجنوب أفريقيا تشير الي تغيير سياسي تاريخي بعد 30 عام، حيث تتجه الأمور إلي فقدان الحزب الحاكم وهو حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي أسس في العام 1912 وتولي قيادة البلاد منذ العام 1994، الأغلبية البرلمانية وبالتالي مايؤثر ذلك علي آليات التشريع وتمرير القوانيين واختيار الرئيس الجديد، في انتخابات شاركت فيها 50 قوة حزبية بالإضافة الي مستقلين لاول مرة.
جنوب أفريقيا دولة الجنوب الأبرز، وأحد أكبر الدول الإفريقية إلي جوار كلا من مصر ونيچيريا، وهي دولة متقدمة من حيث مستوي جودة الحياة، وعلي المستوي الإقتصادي مركز ثقل قوي في القارة، وعضو مجموعة العشرين، و مجموعة بريكس، وعلي المستوي السياسي ومنذ انتهاء عهود الفصل العنصري، تمثل جنوب أفريقيا تجربة ديمقراطية مؤثرة في القارة الإفريقية.
27 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع
وفي 29 من الشهر الماضي، توجه أكثر من 27 مليون ناخب مسجل في دولة جنوب أفريقيا إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء البرلمان الوطني وبرلمانات المقاطعات، وذلك في ذكرى مرور ثلاثين عامًا على التحول نحو الديمقراطية وإجراء أول انتخابات ديمقراطية بها،وشهدت هذه الدورة الإنتخابية تعديلا في القانون الإنتخابي الذي سمح بمزيداََ من التمثيل الشعبي للمستقلين الي جوار القوائم الإنتخابية والتحالفات.
الإقتراع الذي بدأ في الخامسة صباح يوم الأربعاء 29 مايو وحتي السابعة من نفس اليوم في انتخابات عامة لإنتخاب أعضاء البرلمان الوطني وبرلمانات المقاطعات ومنها الوصول لإختيار الرئيس، وطبقا لإستطلاعات الرأي وهي دقيقة لدرجة كبيرة في دولة مؤسسية بحجم جنوب أفريقيا، تتجه نوايا المصوتين والمؤشرات الأولية إلي دعم احزاب المعارضة في مواجهة الحزب الحاكم، حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، حيث تسيطر حالة من فقدان الثقة وتراجع الشعبية لأداء الحزب الحاكم في السنوات الأخيرة، وهو حزب مانديلا الذي كان رئيسه الأول، ومثل حلماََ يتحقق أنذاك للأغلبية السوداء، لكن التضخم، الفساد الإداري، إنغلاق المجال العام السياسي والإقتصادي، والبطالة كلها كانت عوامل ترجح فقدان الحزب الحاكم للأغلبية فيما هو قادم، وبالتالي سوف يكون مجبوراََ علي الدخول في تحالفات للإستمرار في الحكم وقد يضطر لتقديم تنازلات سياسية واقتصادية داخلياََ وخارجياََ.
حتي الآن لا يتوقع للحزب الحاكم الحصول علي أكثر من 40٪ إلي 46٪ من نتائج التصويت الذي تبدأ مؤشراته في الظهور مساء اليوم، بينما تحتاج اللجنة العامة للإنتخابات إلي اعلان النتائج بشكل رسمي نهائي في خلال 7 أيام من إنتهاء أخر عملية اقتراع خلال يوم التصويت الوحيد.
في مواجهة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ANC (الحزب الحاكم)، يأتي حزب المناضلون من أجل الحرية الإقتصادية EFF والذي يتوقع له الحصول علي 10٪ من أصوات الناخبين ال27 مليون ممن لهم حق الإنتخاب من أصل 62 مليون جنوب أفريقي، ثم التحالف الديمقراطي تحت حملة “إنقاذ جنوب إفريقيا” الذي قد يصل إلي نسبة 25٪ وهو حزب يدعم ويمثل الأقلية البيضاء ويمتلك علاقات قوية بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وكذلك أوروبا، وقوة الحزب هي تواجده في تحالف يضم 6 أحزاب أصغر فيما يعرف بتحالف “الميثاق”.
تراجع الحزب الحاكم المتوقع، بدا واضحا من خلال النتائج والأداء في الإنتخابات البلدية والمحلية عبر سنوات، ولم تنجح جهود الحزب بإستبدال رئيسه “زوما” بالرئيس الحالي “سيريل رامافوزا” في العام 2018، وهناك حالة من الإنقسامات، وصلت لحد الإغتيالات السياسية والصراع من أجل مقاعد السيطرة داخل الحزب.
إن أي نتائج نهائية حاسمة تفيد بخسارة الحزب الحاكم للأغلبية، تعني أن ان الحزب سيكون مضطرا للدخول في إئتلاف وبالتالي شخصية واسم الرئيس القادم سوف تكون مرهونة بشكل التحالف وتكوينه، والحزب الذي حكم البلاد 30 عاما سوف يكون لزاما عليه تقديم تنازلات سياسية واقتصادية علي الصعيدين الداخلي والخارجي، ومن هذه القضايا هي الدعم الجنوب افريقي القوي للقضية الفلسطينية، وكذلك موقف جنوب افريقيا السياسي والإقتصادي من حرب روسيا وأوكرانيا ومن ملفات التعاون مع المعسكرين الشرقي والغربي وكذلك دور جنوب أفريقيا في القارة الإفريقية، كل شئ مرشح للتغيير، لان حجم التغيير الجذري في شكل الحكم وفكره في جنوب أفريقيا سوف يكون تغييرا جذريا مؤثرا، ما بين فكر الحزب الحاكم السابق، ومابين فكر المعارضة الليبرالية وكذلك فكر حزب المنضالون من أجل الحرية الاقتصادية وهو فكر اشتراكي مرورا بالحزب الذي أسسه الرئيس الأسبق “زوما” حزب رمح الأمة والذي أسس من رحم الحزب الحاكم ذاته، بالإضافة الي الأحزاب الأخري الأصغر التي شاركت في الإنتخابات وهي 46 حزبا إضافة لعدد من المستقلين.
ملامح المنافسة
شهدت ملامح المنافسة الانتخابية في انتخابات 2024 منافسة بين أربع جبهات رئيسية، تتباين أوزانها وقدرتها في ضوء عدد من الاعتبارات، وبالتالي ومع توقع عدم تحقيق أيا من هذه القوي لنسبة غالبة، فإن التحالفات هي البديل، والتحالف يعني مساحة من الإختلافات والتوافقات والإتفاقيات في شكل تباديل وتوافيق سياسية تثمر في شكلها النهائي ومضمونها علي صياغة جديدة لسياسة داخلية وخارجية وموقف سياسي واقتصادي قد يختلف عن الحالي، بداية، فإن جبهة الرئيس “رامافوزا” زعيم الحزب الحاكم، قد لا يتوقع استمراره مع خسارة الحزب للأغلبية، وبات مؤكدا عدم توليه رئاسة الدولة، وقد مثل “رامافوزا” فيما مضي مزيج السياسة بالمال والأعمال وأصحاب الثروات، لكن ادائه الداخلي لم يكن بالقدر المرضي، وأن كنا نحن داعمين القضية الفلسطينية ندين له ولحكومته بموقف قوي ضد الإحتلال الإسرائيلي، لكن هذا الموقف لم يعد من المؤكد الإستمرار فيه وبنفس القوة، علي الأقل علي المدي البعيد، خاصة مع صعود جبهة “جون ستينهاوزن” المنقذ الأبيض من الفساد، وهو البالغ من العمر 48 عامًا، وهو الزعيم الأبيض الوحيد لحزب سياسي من بين الأحزاب السياسية الكبرى في البلاد، حيث يُعدّ اللون محدّدًا رئيسيًا في الوعي السياسي، لكن الشعب الآن أكثر ادراكا لأن الألوان لن تفرق في الأداءات السياسية والإقتصادية المهم الوطنية والإدراك لمشكلات الوطن والقدرة علي العمل والحل، حزب التحالف الوطني الوسطي، وتحالف الميثاق بشعار انقذوا جنوب افريقيا يمتلك فرص كبيرة للصعود في هذه الإنتخابات بنسب متوقعة حوالي 25٪، لكنه أيضا يمتلك فرص دعم أكبر من الشعب الذي بات زاهدا في الحزب الحاكم، وهذا الحزب الذي يدافع عن الأقليات البيضاء، يمتلك علاقة وتفاهمات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ولا يمتلك نفس التوجه مع روسيا والصين، وهو حزب داعم لإسرائيل وأن أفضل ما يمكنه تقديمه للقضية الفلسطينية ليحافظ علي توجه جنوب أفريقيا في هذه القضية هو أن يبقي علي حياد شكلي، دون دعم للفلسطنيين أو إدانة لإسرائيل.
جبهة جوليوس ماليما
ثم الجبهة “جوليوس ماليما” ومحاولة فاعلة لعودة الإشتراكية في شكلها المعاصر المتطور، وداعما واضحا لروسيا، “جوليوس ماليما” هو سياسي يساري متطرف بالغ من العمر 43 عامًا، ولد في 3 مارس 1981 في بلدة “سيشيغو” بمقاطعة “ليمبوبو” الحدودية مع زيمبابوي وموزمبيق وبتسوانا في شمال شرق البلاد, وهو زعيم شبابي سابق في الحزب الحاكم، قبل أن يُطرد منه، ليُشكل في عام 2013 حزب “المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية” الذي يُشار له اختصارًا باسم (EFF)، والذي صعد في غضون خمس سنوات ليكون ثالث أكبر حزب في برلمان جنوب أفريقيا، يمتلك الحزب حظوظ حوالي 10٪ من أصوات الناخبين، لكنه يمتلك أرضية تزداد اتساعا علي مستوي الطبقات العمالية، وسوف يدعم في حالة دخوله في أي تحالفات قضايا الشرق والجنوب ضد الرأسمالية السياسية الغربية، لكن احتمال دخوله في تحالفات مع الحزب الحاكم أو مع التحالف الوطني أمر غير مؤكد، لكونهم لا يمتلكون نقاط تفاهم قوية مع أيا منهم، وبالنسبة لموقفهم من القضية الفلسطينية، يتوقع استمرار دعهم لها، لكن درجة تأثير هذا الدعم سوف تتوقف علي حجم ودورهم في أي إئتلاف حاكم، وافترض أن تركيزهم علي الشأن الداخلي والإقتصادي سوف يكون له أولوية أولي لديهم.
جبهة زوما
أما جبهة “جاكوب زوما” الرئيس السابق للحزب الحاكم والبلاد لمدة تسع سنوات منذ 2009 وحتى 2018، ونائب رئيس البلاد في الفترة من 1999-2005، ونائب رئيس الحزب الحاكم في الفترة من 1997 إلى 2007، ثم رئيسًا للحزب الحاكم من 2007 حتى 2017، وُلد في 12 إبريل 1942، وهو حاليا رئيس حزب MK أو رمح الأمة، وهو حزب خُلق من رحم الحزب الحاكم، ويتوقع له التأثير القوي في المشهد القادم لانهم يمتلكون خبرات الحزب الحاكم، ويطمحون لقبولا من الشعب كونهم يعلنون أنهم منسلخون عن الحزب الحاكم ويمتلكون سياسة إصلاحية، وعلي مستوي توجهات جنوب أفريقيا الخارجية، أتوقع استمرار كل شئ كما هو عليه، لأن هذه المجموعة عمليا لا تمتلك أي جديد إلا فقط “المحاولة مرة أخري” بعد تراجع الحزب الحاكم.
بقي أن هناك، مستقلون وأحزاب أخري قد لا يتسع المقال لذكرهم لكثرتهم، ولانهم غامضون نسبيا، لذلك أتوقع ان الأحزاب الصغيرة والمستقلون سوف يكونوا أفراس الرهان في هو قادم، وسوف يكونوا دائما محاور ربط وتواصل أو فصل وانشقاف في الإئتلاف القادم أيا ماكان شكله ومضمونه، والأمر ينطبق علي السياسات الخارجية والداخلية ومنها القضية الفلسطينية، حيث يتوقع ان تعيد جنوب افريقيا تحديد اهدافها، ومصالحها وشكل علاقتها مع العالم، سواء القوي الدولية الشرقية والغربية، أو القوي الإفريقية المحلية، وكذلك الكتلة العربية وهي الأكثر عناية بالقضية الفلسطينية.
إقرأ المزيد
زلزال سياسي يضرب جنوب أفريقيا .. حزب المؤتمر الوطني يتجة لفقدان أغلبيته التاريخية
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.