أخبار عاجلةالرأي

آسيا العتروس تكتب : على وقع مناظرة بايدن – ترامب .. الاصرار على السباحة في الوحل 

 تسعون دقيقة هي المدة التي استغرقتها المناظرة الأولى على قناة “سي ان ان “بين الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب اتجهت خلالها أنظار الأمريكيين و لكن أيضا انظار العالم و كل المهتمين بسباق الانتخابات الرئاسية الامريكية في محاولة لقراءة التوجهات السياسية الداخلية والخارجية المرتقبة للادارة الامريكية مستقبلا واستشراف ما سيكون عليه الحال بعد أربع سنوات من التقلبات والاهتزازات المناخية و البيئية والاقتصادية و الأمنية والعسكرية على وقع الحرب الروسية في أوكرانيا والحرب الاسرائيلية في غزة .

إلا أن ردود الافعال والتعليقات على مختلف المواقع الاعلامية لا تزال متواصلة بعد الأداء الهزيل الذي ظهر عليه المتنافسين الجمهوري دونالد ترامب و الديموقراطي جو بايدن حتى أن صحيفة نيويورك تايم طالبت الرئيس بايدن بالانسحاب من السباق وهو ما يتضمن دعوة صريحة لتجنب الرئيس الحالي الاسوأ و عدم المجازفة بدفع البلاد نحو مزيد الانقسام غير المحسوب .. غير أن رد بايدن لم يتأخر وقد اعترف الرئيس الامريكي بأن قدراته البدنية والذهنية و لئن تراجعت فإنها لن تمنعه من أداء مسؤولياته كرئيس للولايات المتحدة .

بايدن الذي يستعد لاستقبال قادة الحلف الأطلسي خلال الأسبوع الثاني من شهر يوليو في العاصمة واشنطن يسعى لاستثمار اللقاء لصالحه و الظهور بمظهر القائد الذي يجعل من الحلف الأطلسي درع الغرب ومعه القارة العجوز و سلاحه في مواجهة التحديات و المخاطر الأمنية لروسيا و الصين .

 المناظرة الانتخابية الأولى بين رئيس سابق يتطلع للعودة إلى البيت الأبيض و بين رئيس حريص على البقاء في موقعه في السلطة لم ترقى بأي حال من الأحوال إلى مستوى من يفترض أنه يمثل القوة الأولى في زعامة العالم .

و لعل من تابع المناظرة أدرك مبكرا أن اللقاء كان أشبه بمبارزة في الوحل أو بمباراة بين تلميذين فاشلين يبحثان عن النجاح بأي ثمن كان و قد اثبتا للمتتبع على مدى ساعة و نصف أنهما لا يتقنان فن الخطابة ولا يملكان القدرة على شد الناخب أو الاقناع أو التعاطي مع القضايا و الحروب و الأزمات المعقدة المرتبطة بالموقع والدور الأمريكي و أنهما فوق كل ذلك لا يليقان ببلد في حجم أمريكا .  

اعترافات بايدن أمام أنصاره في ولاية كارولاينا الشمالية بأنه “لم يعد يسير بسهولة كما كان يفعل سابقا، لم يعد يتكلم بطلاقة كما كان يفعل سابقا، لم يعد يناظر بالجودة السابقة نفسها “قد تشفع له لدى ناخبيه لسب مهم و هو أن صناعة القرار الامريكي لا ترتبط بشخص الرئيس وحده و أن لأمريكا مؤسسات دستورية لا يمكن اسقاطها من المشهد ..و ربما يتجه بايدن لاحقا الى اختيار نائب له يمكن أن يساعد في تجميل الصورة و التخفيف من الدعوات المتواترة للحزب الديموقراطي أن يعجل بتغيير مرشحه في ذا السباق .

الإعلام الأميركي يتحدث عن مخاوف حقيقية بعد المناظرة الأولى بين بايدن وترامب في صفوف الديموقراطيين، وهي تأتي قبل نحو ستة أسابيع من المؤتمر المفترض أن يُنصَّب فيه الرئيس الأميركي مرشّحا رسميا للحزب و حتى ذلك الموعد تبقى كل الاحتمالات قائمة .

الكاتب و الصحفي توماس فريدمان صديق الرؤساء الأمريكيين وصديق بايدن وهو المقرب أيضا من عديد القادة العرب والخليجيين كتب في مقال له في صحيفة نيويورك تايمز”إن جو بايدن “رجل طيب، رئيس جيد، لكنه ليس في وضع يسمح له بالترشح لولاية ثانية”، كاشفا عن أنه “بكى” لدى رؤيته الرئيس الديموقراطي البالغ 81 عاما والذي بدا منهكا في بعض الأحيان، ومتلعثما خلال مناظرة استمرت 90 دقيقة أمام كاميرات شبكة “سي ان ان”.

إذا قرر بايدن الانسحاب فقد يكون في ذلك مخاطر كثيرة للديموقراطيين، و لكنها مخاطر قد لا تقل عن عدم الانسحاب والإصرار على الظهور بمظهر المرشح الضعيف  الحالة الصحية للرئيس الامريكية ليست من التابوهات و يفترض على كل من يترشح للبيت الأبيض الكشف عن وضعه الصحي للرأي العام .

مناظرة بايدن ترامب التي تعقد قبل نحو خمسة أشهر من الانتخابات في نوفمبر المقبل لم تخل من تبادل الاتهامات و الشتائم والبذاءه و تكررت خلالها عبارات مثل “فاشل وأحمق ومجرم” … اتهامات متبادلة بين شيخين يفترض أنهما تجاوزا سن المراهقة السياسية , ولكنهما أصرا على اظهار أسوأ ما بداخلهما و تقزيم بعضهما البعض و استخفاف بالقضايا المطروحة و بالشعوب المعنية أيضا .

مناظرة بدون جمهور وبدون تمكن أي من المرشحين من الرجوع إلى مستشاريه أثناء الاستراحة , مع كتم ميكروفون المتحدث بعد انتهاء مداخلته لمنعه من تجاوز الوقت المحدد أو في حال حاول التحدث في غير دوره.

المناظرة التي تحدث فيها المترشحان عن التضخم والهجرة غير الشرعية والإجهاض و لكن أيضا عن اوكرانيا و روسيا وعن غزة منحت الناخبين الأميركيين فرصة مشاهدة و تقييم أداء المرشحين الرئاسيين للحزبين الديموقراطي و الجمهوري اللذان يتداولان على حكم الولايات المتحدة ، و لكن أيضا لكشف أسوأ ما فيهما و في قناعاتهما و خياراتهما سواء تعلق الامر بالهجرة حيث اعتبر ترامب أنه يجب التخلص من كل المهاجرين أو خلال الحدث عن حرب الإبادة في غزة حيث طالب ترامب بضرورة و ترك إسرائيل تنهي ما تريد تحقيقه متهما بايدن بلغة لا تخل من العنصرية و التحقير بانه “فلسطيني” و كان في ذلك تهمة أو جريمة أن يكون المرء فلسطينيا متناسيا تصريحات بايدن في تل أبيب بانه “لا يحتاج أن يكون يهوديا ليكون صهيونيا ” ..

الدفاع احسن طريق للهجوم .. وهذا ما أدركه بايدن الذي استهل المناظرة بالقول إنه تسلم الرئاسة من ترامب وكان الاقتصاد ينهار وأن الأخير قام بإدارة أزمة تفشي وباء كورونا بشكل سيئ ليرد ترامب بالقول أنه ترك اقتصادا كان الأفضل في تاريخ الولايات المتحدة رغم جائحة كورونا.

و سواء فاز ترامب أو تمكن بايدن من الحفاظ عن موقعه فالأكيد أننا ازاء وجهان لعملة واحدة و أن الخيارات واضحة خاصة فيما يتعلق بغزة فإذا كان بايدن سمح حتى الآن بتزويد الحليف الإسرائيلي و منذ السابع من اكتوبر ب 14 ألف قنبلة زنة 2000 رطل ، فقناعتنا أن ترامب سيذهب إلى أبعد من ذلك بكثير و هو الذي لم يتردد خلال ولايته السابعة في اعلان اتفاقية ابراهام و نقل سفارة بلاده من تل ابيب إلى القدس المحتلة و أكثر من ذلك في منحه هضبة الجولان هدية مجانية لكيان الإحتلال …الاختيار بين ترامب و بادن ينطبق عليه المثل العربي كمن يستجير من الرمضاء بالنار …

* آسيا العتروس :  كاتبه صحفية تونسية 

اقرأ المزيد 

 السفير عبد المحمود عبد الحليم يكتب : أفريقيا .. والمناظرة

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »