رامي زهدي يكتب .. الديون الإفريقية تأكل الأخضر واليابس في القارة
“إتساع الفجوة مابين القروض وفوائد خدمة الديون من جهة ومابين القدرات علي السداد للدول الإفريقية من جهة مقابلة، تزيد من إحتمالية التعثر مع إقتراب إجمالي قيم الدين الإفريقي من التريليون دولار أمريكي”
49 دولة إفريقية من إجمالي 55 دولة افريقية تعاني من ظروف صعبة لتجاوز حاجز الديون المستحقة علي هذه الدول، بينما تعاني أكثر من 22 دولة افريقية علي الأقل من اقتراب إعلان تعثرها رسميا عن سداد أصل وفؤائد وأعباء خدمة الدين.
فترة مظلمة في تاريخ القارة منذ العام 2010 حتي العام 2022 توسعت فيها الدول الإفريقية لتوفير الغطاء المالي والتمويلي لعمليات التنمية في هذه البلاد وسعت آمال عريضة بسرعة تجاوز فترات البناء والإنماء والبدء في جني ثمار الإصلاح الإقتصادي في هذ البلاد، إلا أن أسباب متعددة منها ماهو خارج عن إرادة الدول الإفريقية مثل الأوبئة والأمراض والأثار السلبية للتغير المناخي ولعل أبرز هذه الأزمات كانت جائحة كورونا خلال الأعوام 2019، 2020 و 2021 والتي سببت عجز في ميزانيات وموازنات الدول الإفريقية خاصة مع تعطل وتوقف سلال الإمداد والتموين وتوقف شحن المواد الخام إما لتدني سعرها أو انخفاض الطلب عليها أو تعطل الشحن ، وتمثل المواد الخام أبرز مصادر الدخل للدول الإفريقية، كذلك من الأسباب الخارجية التي أثرت علي القارة الصراع العالمي والحرب الروسية الأوكرانية بدءا من العام 2022 وحتي الآن، بينما من الأسباب الاخري ذات الصلة الصراعات والحروب والنزاعات في القارة الإفريقية، كل هذا ساهم في تعثر أو شبه تعثر أو احتمالية تعثر مرجح لعدد كبير نسبيا من دول القارة الإفريقية.
تضاعف الديون
تضاعفت ديون الدول الإفريقية عدة مرات خلال الفترة ما بين العام 2010 إلى نهاية 2022؛ ملامسة حاجز التريليون دولار، وسط توقعات مرجحة وبشدة بتعثر واسع عن السداد في العام الحالي 2023، بينما تتصاعد الأزمة خلال الأعوام 2024، 2025 وسط ضبابية الصراع العالمي العسكري والإقتصادي الدائر الأن ولا يبدو له بوادر نهاية حاسمة ايجابية في القريب العاجل.
ربما الأمر الأخطر في التناول في هذا الملف، أن الدول المتعثرة أو التي أوشكت علي التعثر، هي ليست فقط الدول الصغيرة في القارة ولكن الدول الإفريقية الكبري وصاحبة الإقتصاديات الضخمة تعاني أيضا، منها غانا علي سبيل المثال التي أوشكت علي الإعلان رسميا عن تعثر في السداد، بينما نيجيريا وجنوب أفريقيا وهما الدولتان الأولي والثانية كأكبر اقتصاد افريقي، كلا منهما تعاني ظروف صعبة، ربما لم تصل للتعثر لكن بالتأكيد الضغوط هائلة لتدبير الإستحقاقات في ميعادها وبالقيم المحددة والمطلوبة.
رسميا تم الإعلان عن تخلف غانا عن سداد ديونها الدولية البالغة نحو 30 مليار دولار في ظل استهلاك أكثر من 70 في المئة من الإيرادات في تغطية تكاليف خدمة الدين، مما سبب عجزا كبيرا، وكذلك إعلان نيجيريا عجزها عن تسديد متأخرات تصل إلى 50 مليار دولار من إجمالي ديونها البالغة 102 مليار .
ديون أفريقيا الخارجية
تتركز 66 في المئة من ديون إفريقيا الخارجية في 9 بلدان، تتصدرها جنوب إفريقيا بحصة 15 في المئة. ووفقا لصندوق النقد الدولي فإن 22 دولة إفريقية تعاني بالفعل من أعباء الديون أو غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين، مما أثر علي حركة الإستثمار المباشر للقارة الإفريقية، بينما تمارس الآن بيوت ومؤسسات التمويل الدولية سياسات مالية مجحفة وتخفيضات ائتمانية متكررة تجاه عدد من الدول الإفريقية، وأصبح سمعة القارة المالية وقدرتها الإئتمانية في موضع شك من الدول والجهات المانحة.
الأزمة الكبري
الأزمة الكبيرة التي حدثت خلال العشرة اعوام الأخيرة علي الأقل هي السياسات المالية الغير مناسبة التي انتهجتها عدد من الدول الإفريقية وهي التوسع في الديون دون تحديد مسار متنامي للإنتاج، الزراعة، الصناعة، التعدين، في وقت كان يجب توجيه الدين لدعم الأنشطة الإقتصادية الداعمة لإقتصاد هذه الدول، حيث تتجاوز أقساط الديون الإفريقية 100 مليار دولار سنويا، وبالتالي تستقطع أكثر من 15 في المئة من الناتج الإجمالي للدول الإفريقية التي في الأساس تعاني تراجع اقتصادي شديد اما بسبب تراجع الإقتصاد العالمي بصفة عامة واما لأسباب التراجع المختلفة والأزمات التي تحاصر تقريبا كل دول القارة دون استثناء.
هوة الديون
سقوط دول عديدة في هوة الديون، أثر كثيرا علي جهود التنمية في هذه الدول وأثر علي مواطنيها وسط إرتفاع غير مسبوق لمعدلات التضخم وعجز الميزانيات وارتفاع قيم ونسب الدين الداخلي والخارجي وسقوط عملات معظم الدول الإفريقية أمام الدولار الأمريكي وبقية العملات الدولية.
كارثة التعثر قد تكون الأزمة الأكبر في تاريخ القارة منذ انتهاء عهد الإستعمار، ولكن أيضا وحتي لاتكون الصورة قاتمة تماما، مازالت هناك دول افريقية رغم الظروف الصعبة التي تواجه الجميع الا انها متماسكة وتتحرك بثبات نحو الإستقرار فيما يتعلق بالديون ومن هذه الدول مصر، الجزائر، تنزانيا ودول أخري استطاعت ان توازن بشكل افضل نسبيا بين الديون وعجلة الإنتاج ودعم الأنشطة الإقتصادية وبالتالي هذه الدول ومنها مصر تحديدا اقتربت من تجاوز الأزمة وإن كان الصراع الحقيقي مع عنصر الوقت، وبالتالي كلما تمكنت هذه الدول من التحرك أسرع نحو تجاوز الأزمات، كلما وصلت جهود التنمية وعوائدها الإقتصادية في هذه الدول إلي الخطط المستهدفة وبالتالي يشعر المواطن بنتائج الإصلاح.
* رامي زهدي .. خبير شؤون افريقية
رامي زهدي يكتب .. هل يصل مد (بريكس) المتنامي للقارة الإفريقية؟