البيان الختامي لقمة « الناتو » في واشنطن يفتح حرب البيانات مع روسيا والصين
الأمين العام للحلف الأطلسي “وجهنا رسالة قوية وواضحة للصين “
أنظار الناتو تتجه نحو أفريقيا و المتوسط .. والأردن يحتضن أول مكتب للناتو
واشنطن – آسيا العتروس
أسدل الستار في وقت متأخر مساء أمس الخميس على قمة الحلف الأطلسي ” الناتو ” المنعقدة على مدى ثلاثة أيام بالعاصمة السياسية واشنطن على وقع احتفالات الذكرى ال75 لتأسيس الناتو, و لكن أيضا على وقع تداخل الأحداث و الجدل المثير حول الانتخابات الرئاسية الامريكية و ما أثارته صحة الرئيس الأمريكي جو بايدن من دعوات من معسكر الديموقراطيين للانسحاب من السباق إلى جانب تعدد الصراعات الإقليمية و التنافس الجيوستراتيجي الدولي ، و المخاوف من الطموحات الصينية وتواتر اتهامات الحلف لكل من الصين و كوريا الشمالية و إيران بدعم و مساعدة روسيا عسكريا في هذه الحرب .
في هذه الأجواء التي هيمنت على القمة و ما رافقها من لقاءات القمة و لقاءات ثنائية في الكواليس أو في أروقة البيت الأبيض صدر البيان الختامي لقمة واشنطن .. بيان مطول راوح بين الوعود و الاغراءات لدول الحلف و الشركاء الجدد و بين التحذير و التهديد المباشر للصين و إيران و كوريا الشمالية وروسيا التي وصفها الأمين العام للحلف الاطلسي بأنها أكبر خطر يهدد دول الحلف .
و في الوقت الذي كان فيه قادة الحلف يعلنون عن مزيد المساعدات لأوكرانيا كان عدد من المتظاهرين خارج المبنى يرفعون العلم الفلسطيني و يرددون شعارات مناهضة للناتو ويدعون لوقف الحرب في غزة.
و فيما يصر قادة الحلف على وصف القمة بالتاريخية في استمرار و بقاء و صمود التحالف وانجازاته الأمنية و العسكرية و السياسية لدول الحلف التي انطلقت قبل خمس و سبعين عاما باثني عشر دولة لتضم اليوم 32 دولة بعد انضمام كل من فنلندا و السويد , ترد الصين في المقابل بأنها فاشلة بعد الاتهامات المتواترة التي لاحقتها من الأمين العام للناتو ستولنبورغ و الرئيس جو بايدن بدعم روسيا و تسليحها في حربها على أوكرانيا .
و في بيان شديد اللهجة إزاء الصين أعرب أعضاء الناتو عن مخاوفهم بشأن الطموحات الصينية الواسعة و لكن ايضا بشأن ترسانة بكين النووية وقدراتها في الفضاء، كما حذر البيان من دورها في دعم روسيا في الحرب الأوكرانية.
رسالة قوية للصين
و في لقاءه أمس بالصحفيين قال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ الذي يترأس آخر قمة له على راس الحلف “أعتقد أن الرسالة التي بعث بها الناتو من هذه القمة قوية جدًا وواضحة جدًا، ونحن نحدد بوضوح مسؤولية الصين عندما يتعلق الأمر بتمكين روسيا من الحرب”.
كما دعا قادة الناتو الصين على “وقف جميع أشكال الدعم المادي والسياسي للمجهود الحربي الروسي”، ملوّحين بالدور الداعم وواسع النطاق “للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية”.
وجاء في البيان أنّ “هذا يشمل نقل المواد ذات الاستخدام المزدوج، مثل مكونات الأسلحة والمعدات والمواد الخام التي تُستخدم كمدخلات لقطاع الدفاع الروسي”.
غابت افغانستان و حضرت أوكرانيا
وقد بات واضحاً أنه انتهى زمن ظل اهتمام قادة الحلف الاطلسي في مختلف لقاءاتهم قبل الحرب الروسية الأوكرانية يتمحور حول كسب الرهان في افغانستان و القضاء على طالبان و كان الحلف يفتح الأبواب و يفرش السجاد الأحمر لاستقبال الرئيس الافغاني قرضاي , و قد غاب المشهد الافغاني نهائيا عن البيان الختامي الذي تضمن 38 نقطة من الدفاع المشترك و الردع إلى الامن السيبرياني إلى مواصلة الدعم المالي و السياسي و العسكري لأوكرانيا و تعيين ممثل رفيع المستوى لكييف في الناتو لتعزيز العلاقات و منه إلى زيارة الانفاق الدفاعي و تعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية و توسيع شراكة الحلف مع دول المحيط الهادي و الاطلسي لقمة واشنطن .
دموع قادة الحلف و تعاطفهم مع أطفال أوكرانيا و لا عزاء لأطفال غزة
قمة واشنطن سجلت كما القمتين السابقتين تعاطفا بلا حدود مع أوكرانيا و دعما واسعا للشعب الأوكراني في مواجهة القصف الروسي و قد ادان المتدخلون في القمة استهداف القوات الروسية مستشفى للأطفال في كييف و نددوا بالانتهاكات الروسية المفضوحة للقانون الإنساني الدولي , و في المقابل غابت غزة عن اهتمام قادة الناتو و لا يبدو أن ما يتعرض له أطفال و نساء و أهل غزة من مجازر و من استنزاف يومي منذ عشرة أشهر على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي و ما تحظى به من دعم عسكري من الغرب لم يبلغ أسماع قادة الحلف .
و حتى عندما يطرح السؤال عن المشهد الدموي في غزة و ضرورة التحرك لإيقاف المجازر يكون الرد جاهزا وأنه لا دور للحلف في الشرق الأوسط وأنه يدعم بقوة ايصال المساعدات الانسانية لأصحابها و يدعم حماية المدنيين .
و عموما يمكن القول أن وجود اكثر من 2500 صحفي من مختلف أنحاء العالم في هذه القمة يمكن أن يصنع الفارق و يحدد أهمية المعركة الاعلامية عندما يكون صوت الإعلام قويا و حاضرا في تسليط الأضواء على ما يجري في أوكرانيا على عكس ما يتعرض له أهالي غزة ،و كم كنا نتمنى خلال هذه القمة لو أن ربع هذا العدد من الصحفيين ينقل و يتابع الأحداث في غزة بنفس الحماس و الحضور لأمكن ربما كبح جماح العدوان الإسرائيلي .
قوس كان لا بد أن نفتحه و ملاحظة نسوقها في متابعة أشغال هذه القمة التي تتجه لتحديد مصير أمم و شعوب و تحديد حاضر و مستقبل التحالفات والشراكات الاقليمية و الدولية في ظل التنافس الحاصل بين القوى الكبرى و التنافس الأمريكي الروسي و الصيني و غيره على الشرق الاوسط و أفريقيا على ضمان مصالحها وأمنها واحتياجاتها أيضا من المعابر البحرية التجارية الدولية والثروات الطبيعية في ظل التحولات المناخية و التحديات الكبيرة ..
أفريقيا و جنوب المتوسط تحت مجهر الناتو
و بالعودة الى قمة الناتو فقد أفرد بيان واشنطن لمنطقة الشرق الاوسط البند (32) حول أهمية تعزيز الشراكة مع دول منطقة الشرق الاوسط الكبير، وشدد البيان على أهمية الأمن والاستقرار في عدة مناطق، بما في ذلك إفريقيا والشرق الأوسط. وذكر أن النزاعات في هذه المناطق، بالإضافة إلى هشاشتها وعدم استقرارها، تؤثر بشكل مباشر على أمن أعضاء الناتو وشركائهم، مما يسهم في ظواهر مثل النزوح القسري والاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية.
و اشار إلى أهمية افتتاح مكتب ارتباط للناتو في العاصمة الأردنية عمان للمرة الأولى وكذلك توسيع الدعم للمؤسسات الأمنية العراقية من خلال بعثة الناتو في العراق، كخطوات رئيسية.
كما سيتم تعيين ممثل خاص للجوار الجنوبي لتنسيق هذه الجهود. كما أكد البيان التزام الحلف بالتعاون مع شركاء في الشرق الأوسط وإفريقيا لمواجهة التحديات المشتركة ومواجهة التهديدات الارهابية .
و لا يخفي مسؤولو الحلف انشغالهم و هواجسهم من التمدد الصيني و الروسي في المنطقة ،و كانت رئيس الوزراء الايطالية ميلوني دعت أمس الحلف إلى الاهتمام بحوض المتوسط و قالت خلال حضورها القمة “حوض المتوسط استراتيجي انتبهوا إلى أهمية الجانب الجنوبي من الحلف “.
و كما كان متوقعا لم يخرج البيان الختامي لقمة واشنطن و الذي شمل 38 نقطة عن المسودة التي تم تسريبها عشية انعقاد القمة , و قد أعرب الحلف مجددا عن سخاء لا محدود إزاء أوكرانيا التي تصدرت جدول أشغال القمة و التي يحلف فيها الرئيس زيلنسكي ضيفا للمرة الثالثة على التوالي منذ قمة مدريد ثم ليتوانيا العام الماضي .
و قد تعهد الحلف الأطلسي بعدم التراجع عن ضم أوكرانيا إلى صفوفه , و في انتظار تحقيق ذلك سيتعين على الرئيس الاوكراني أن يقنع بما يحظى به من دعم عسكري غير مسبوق في هذه الحرب المستمرة منذ اكثر من سنتين .
لماذا أثار بيان القمة غضب الصين ؟
وقد أثار أمس البيان الختامي للقمة غضب الصين التي ردت بقوة على ما تضمنه بيان واشنطن من اتهامات بكين بالتحريض و بمواصلة دعم روسيا و مدها بالسلاح لضمان استمرار الحرب . وطالبت بكين أمس حلف شمال الأطلسي بالتوقّف عن “التحريض على المواجهة”، على خلفية ما ورد في تصريحات قيادات الحلف و امينه العام ستولنبورغ حيال العلاقات الصينية – الروسية الوثيقة واتّهامهم الصينيين بتقديم مساعدة حيوية لروسيا في غزوها لأوكرانيا.وقالت البعثة الصينية لدى الاتّحاد الأوروبي، في بيان”يجب على حلف شمال الأطلسي أن يتوقف عن تضخيم ما يسمّى تهديداً صينياً، وأن يتوقّف عن التحريض على المواجهة والتنافس، وأن يسهم بشكل أكبر في السلام والاستقرار في العالم”.و اعتبرت الصين ان البيان الصادر عن قادة الحلف “مشبع بعقلية جديرة بالحرب الباردة وبخطاب عدائي ومليء بافتراءات”.
و نفت الصين في البيان أن تكون قدمت أسلحة فتاكة لأي من طرفي النزاع وأكدت أنها تمارس رقابة صارمة على صادرات المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، بما في ذلك الطائرات المدنية المسيّرة”، و قالت الصين “الأزمة الأوكرانية مستمرة منذ فترة طويلة. وتسائلت عمن يصبّ الزيت على النار؟ ومن يؤجّج النيران؟ من يحاول الاستفادة منها؟
الانفاق العسكري لتطويق روسيا
دول حلف شمال الأطلسي أكدت في البيان الختامي ، التزامها بإنفاق دفاعي عند مستوى لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وقال البيان: “نؤكد من جديد التزامنا المستمر بالتنفيذ الكامل لالتزام الاستثمار الدفاعي المتفق عليه في ” فيلنيوس” بحد أدنى 2% من الناتج المحلي الإجمالي وندرك أنه يجب بذل المزيد من الجهود بسرعة للوفاء بالتزاماتنا كحلفاء في الناتو”.
كما أكد حلف الناتو دعمه الكامل لـ “مسار لا رجعة فيه” لاندماج أوكرانيا في المجتمع الأوروأطلسي وعضوية الحلف، وقال البيان: “نرحب بالتقدم الملموس الذي أحرزته أوكرانيا منذ قمة العام الماضي للناتو في ” فيلنيوس ” بشأن إصلاحاتها الديمقراطية والاقتصادية والأمنية المطلوبة.
وأضاف البيان ” أنه لن يكون بمقدوره توجيه دعوة إلى أوكرانيا للانضمام إلى الحلف إلا عندما يوافق جميع الأعضاء، وتستوفي كييف جميع الشروط المطلوبة.
كما أفاد البيان بأن القمة قررت إنشاء بعثة للمساعدة الأمنية والتدريب لأوكرانيا تابعة لحلف شمال الأطلسي لتنسيق الإمدادات العسكرية والتدريب لأوكرانيا من دول الناتو وشركائها، وتتمثل مهمتها في وضع المساعدة الأمنية لأوكرانيا على أساس آمن”.وأوضح أن “قمة الناتو قررت إنشاء مركز مشترك للتحليل والتدريب والتعليم مع أوكرانيا لدراسة وتطبيق تجربة الصراع في أوكرانيا”.
مساعدات لكييف بقيمة 40 مليار يورو على الأقل
وتعهّد قادة الحلف منح أوكرانيا مساعدات عسكرية بقيمة 40 مليار يورو على الأقل “خلال العام المقبل” لمساعدتها في القتال ضد روسيا، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.
كما دعا البيان جميع الدول إلى عدم تقديم أي مساعدة لروسيا، وأدان كل من يسهل ويطيل العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا ، و أمس دعا الأمين العام للحلف الأطلسي الدول الأعضاء إلى اتخاذ إجراءات فريدية لفرض عقوبات على إيران و الصين لدعمهما لروسيا التي وصفها الأمين العام للحلف بأنها ” أكبر تهديد لأمن دول الحلف و استقرارها ، وفي الوقت نفسه، نص البيان على أن حلف “الناتو” لا يسعى إلى المواجهة ولا يشكل تهديدا لروسيا.
تعزيز الوجود بالشرق الأوسط
كما أعلن أعضاء الناتو أن الحلف يهدف إلى تعزيز وجوده في الشرق الأوسط وأفريقيا من أجل “دعم السلام” في المنطقة، وأشار البيان الختامي إلى أن الجوار الجنوبي لحلف شمال الأطلسي يوفر فرصا للتعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك”.وتابع: “من خلال شراكتنا، نسعى جاهدين للمساهمة في تحقيق قدر أكبر من الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتعزيز السلام والازدهار في المنطقة”.
وأشار البيان إلى أن أعضاء الحلف اعتمدوا خطة عمل لتعزيز التوجه نحو الجنوب، وسيفتح الناتو مكتبًا في العاصمة الأردنية عمان، وسيواصل العمل مع السلطات العراقية.
الكرملين على الخط
و كما الصين أيضا الحاضر الغائب في قمة واشنطن , فقد أعلنت موسكو أنها ستتخذ تدابير لاحتواء التهديد الخطر الذي يمثله حلف شمال الأطلسي، وقال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف ” أن الناتو الذي يختتم قمته في واشنطن، أصبح الآن “منخرطاً بشكل كامل في الصراع في أوكرانيا”.
وأضاف”هذا تهديد خطر جداً للأمن القومي سيجبرنا على اتخاذ إجراءات مدروسة ومنسقة وفعالة لاحتواء الناتو.
وتابع: “نحن نلاحظ أن خصومنا في أوروبا وفي الولايات المتحدة ليسوا مناصرين للحوار ، وبالنظر إلى الوثائق المعتمدة في قمة (الناتو)، فهم ليسوا مناصرين للسلام”، مشيراً إلى أن هذا التحالف أداة للمواجهة وليس للسلام والأمن، و شدد بيسكوف على ان توسع الناتو إلى أوكرانيا يشكل تهديداً غير مقبول وأن الناتو يتبنى وثيقة تفيد بأن أوكرانيا ستنضم بالتأكيد إلى الحلف.
الأردن يعلن إنشاء أول مكتب اتصال لحلف “الناتو” ويبين السبب
و فيما غابت الأنباء عن مشاركة الدول العربية في هذه القمة حيث لم يسجل حضور أو مشاركة أي من الدول السبعة التي تم دعوتها من جانب واشنطن التي تحتضن القمة , فقد أعلن في قمة واشنطن عن انشاء أول مكتب اتصال في عمان، لتعزيز علاقات التعاون المشترك مع الحلف.
يذكر أن الرغبة في انشاء هذا المكتب سجلت في قمة الناتو في ليتوانيا في العام الماضي 2023و يعتبر الحلف أن المكتب سيكون مهما في تعزيز الشراكة في مكافحة التهديدات العابرة للحدود كالإرهاب والتطرف العنيف.
ويبقى وجود الحلف الأطلسي مفتوح على كل السيناريوهات و هو الذي يراهن على توسيع الشراكات على كل الجبهات من اسيا الى اوروبا الشرقية و افريقيا باعتماد لعبة العصا و الجزرة و الاغراءات و المساعدات و فتح الآفاق للتدريبات ت و المناورات .
اقرأ المزيد
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.