رامي زهدي يكتب : هل تمتلك إفريقيا أدوات ضغط تفاوضية جديدة تمكنها من تمرير مصالحها مع العالم
“في عالم لايفهم الا لغة القوة والمصالح، لم يعد في الإمكان الإعتماد علي الضمير الدولي أو مبادئي الإنسانية العادلة”
في إفريقيا وعنها… الأزمات متكررة، والأمراض مزمنة والحديث مكرر بإصرار دون ملل، نتحدث كثيرا عن ثروات وقدرات الدول الإفريقية وعن الإستغلال الدائم للقارة سياسيا، اجتماعيا واقتصاديا بشكل رئيسي، ونتحدث عن تعهدات والتزامات قوي العالم الكبري تجاه القارة وأن معظمها مجرد التزامات دون تنفيذ، حتي أن مصر عندما ترأست قمة الأمم المتحدة لأطراف الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ في شرم الشيخ نهاية العام الماضي وضعت شعارا أساسيا حاكما للقمة وهو “الإنتقال من مرحلة التعهدات إلي مرحلة التنفيذ والوفاء بالإلتزامات”، وعاد الرئيس مرة ثانية في قمة التمويل الدولية في باريس متحدثا للعالم وأمام الجميع..” أين تعهداتكم…؟ “
في عالم لا يفهم إلا لغات القوة والمصالح، لم يعد في الإمكان الإعتماد علي الضمير الدولي أو مباديء الإنسانية العادلة، ولذلك مصر تحديدا وهي أبرز القوي الإفريقية إن لم تكن الأبرز والأكثر تأثيرا علي الإطلاق في القارة، تتحرك في إطار مخاطبة العالم بلغة المصالح المشتركة، الندية، التكافؤ واحترام الآخر وهو ما افتقدته القارة الإفريقية عبر مائة عام سابقة،
لكن.. “هل تمتلك إفريقيا أدوات ضغط تفاوضية جديدة تمكنها من تمرير مصالحها مع العالم مثلما تفعل القوي الدولية الكبري..؟ ” الإجابة نعم، وإن لم تكن كذلك فعلينا أن نبحث نحن الأفارقة عن هذه الأدوات ونطورها وإلا سنظل مائة عام قادمة ننتظر ضمير وإنصاف من عالم في معظمه لا يعرف هذه الكلمات إلا في رواياته وكلماته السياسية المنمقة، ولا يعرف من حقوق الإنسان في إفريقيا غير الحرية السياسية وهي هامة جدا ومقدرة لكنها بالتأكيد لا يمكن أن تسبق حقوق الأمن، الإستقرار، السلام، حق توافر مباديء الحياة الكريمة، لا أن يموت الأفارقة جوعا لأن هناك من أكل أكلهم، ولا يجدون دواءََ لان هناك من سرق أموالهم ونهب ثرواتهم ثم عاد ليبيع لهم علاج بمال لا يمتلكه وغير ذلك من الكثير من الأمثلة الإيضاحية في نفس الفكرة.
لكن ظهرت في العهود الأخيرة خاصة السنوات البسيطة الفائتة أدوات الضغط الإفريقي الچيوسياسي والإقتصادي لتشكل فرص جديدة مرجحة لنظام عالمي جديد ربما لن يكون عادل تماما لكنه قد يكون علي الأقل أفضل انصافا من الوضع الحالي، ومن أدوات إفريقيا الجديدة للضغط والتفاوض:
اولا: الكتلة الإفريقية
إن ظهور كتلة قوية تمثل كل دول القارة أو أكبر عدد ممكن من الدول الإفريقية ذات توافق إطاري عام دون التفريط في التوافق من أجل تفاصيل دقيقة، ووحدة قرار وتحرك أفريقي في إطار سيادة واستقلالية دول القارة وحقها المشروع في إدارة ملفاتها مع العالم كما تري وبما يتماشي مع مصالحها مثلما يفعل الجميع دون ابتزاز أو توجيه أو املاء، كتلة أفريقية موحدة متحدة أو شبه موحدة وشبه متحدة من شأنها وضع القارة في موقع تفاوضي جديد علي القارة ومؤثر في العالم.
ثانيا: اندماج الاقتصاد الإفريقي في الإقتصاد العالمي
حدوث هذا الإندماج وتحول الإقتصاد الإفريقي إلي محور يؤثر في الإقتصاد العالمي وليس فقط يتأثر به خاصة الجوانب السلبية منه، هذا الإندماج سوف يجعل العالم يهتم بقوة إقتصاد أفريقيا مثلما يهتم بإقتصاديات بلاده، لأن الأزمات في أفريقيا أو تراجع الإقتصاد سوف يكون له انعكاس سلبي علي العالم أجمع، والعكس صحيح، تحسن ظروف السوق ودخول الأفراد واقتصاديات الدول في أفريقيا يعني تحسن نسبي في ظروف مواطني العالم لأن أفريقيا سوق وموطن صناعي ومصدر خامات للعالم اجمع.
ثالثا: الخامات الطبيعية الصناعية الإفريقية
إن عجلة الإنتاج والصناعة في العالم تتوقف علي تحرك سلاسل الإمداد والتموين الإفريقية ولو تعاظمت الأزمات في أفريقيا سوف يتوقف الانتاج والاستكشاف في القارة وبالتالي يتوقف العالم.
رابعا: أفريقيا مصدر مرجح للطاقة الغير متجددة قي العالم
النفط والغاز الطبيعي يضع إفريقيا في موضع ملاذ آمن كمورد مرجح للعالم خاصة وأن معظم البيانات أو الاستكشافات في القارة مازالت غير مستخدمة ولا تتوافر البيئة والإمكانات الصناعية والتحويلية الكافية للإنتاج الكثيف للطاقة، وبالتالي فإن سلاح الطاقة احد اهم أدوات الضغط الإفريقي، من يملك الطاقة يملك كل شئ.
خامسا: افريقيا غنية بإمكانيات إنتاج الطاقة المتجددة والنظيفة والبديلة
أفريقيا هي مستقبل الطاقة في العالم، مع إرتفاع وندرة وعدم إتاحة مصادر الطاقة التقليدية الغير متجددة، تبرز مدي عظم ومستقبل الطاقة الممكن في المستقبل في افريقيا.
سادسا: السيطرة علي الممرات المائية والمضايق البحرية
حيث تمتلك إفريقيا مفاصل حركة التجارة في العالم، فبدون استقرار القارة والتخلص من مشكلاتها ولو نسبيا تكون هذه المفاصل مهددة وبالتالي حركة التجارة مهددة، ونتذكر تعطل سفينة شحن مرة أو مرات في أي من ممرات القارة وكيف اهتز العالم لذلك.
سابعا: إفريقيا كنز المياه العذبة والأمطار الكثيفة
المياه محور التنمية وتمتلك إفريقيا أنهارا متعددة، منها النهر الأطول في العالم، ورغم معدلات التصحر في بعض الدول الا أن المياه العذبة متوافرة في معظم النطاقات الجغرافية في القارة.
ثامنا: الكتلة التصويتية لإفريقيا في المؤسسات الدولية
55 دولة، 55 صوت، تستطيع بهم إفريقيا إضفاء أو نزع شرعية ما علي قانون أو موقف دولي، وهو تكتل قوي مؤثر في العالم، لو أحسن توجيه لصالح افريقيا.
تاسعا: مساحة يابسة شاسعة
مساحة إفريقيا 30.6 مليون كيلو متر مربع، يجعلها عنصر ضغط قوي علي العالم لأن هذه المساحات تستخدم في انشطة إقتصادية وعسكرية ومعلوماتية كبيرة ومتعددة ومنح أو حجب فرص إستخدام هذه الأراضي لصديق أو حليف لأفريقيا يجعل أفريقيا متحكمة في شكل ومضمون تحالفات عديدة جديدة ومختلفة للقارة الإفريقية.
عاشرا: ديمغرافية السكان وتصدير أو وقف المشكلات عن العالم
عدد سكان 1.4 مليار، وبكل هذا الحجم من المشكلات، خاصة وأن ديمغرافية السكان في القارة تشير إلي أن نسب الشباب تمثل 70٪ في معظم دول القارة بمتوسط أعمار 19 ل 20 عام وفئة الشباب هي الفئة والعمر القادرين علي العمل، كسب الرزق، تحقيق جهود التنمية، وحتي القتال أو الإنجاب، كل هذا يعطي موقف تفاوضي قوي للقارة خاصة وأن تعثر القارة وتعاظم مشكلاتها يعني خروج هذه المشكلات عن حدود القارة إلي العالم أجمع لو لم يتكاتف الجميع لمواجهة مشكلات القارة لأن إفريقيا منفردة لن تستطيع مواجهة كل هذه الأزمات.
أخيرا، عالم واحد، أرض واحدة، لا أمل لنا جميعا إلا استعياب كلا منا للآخر، وأفريقيا المشرقة تعني مزيدا من الضوء والسطوع للعالم اجمع.
* رامي زهدي خبير في الشؤون الأفريقية
إقرأ المزيد
رامي زهدي يكتب .. الديون الإفريقية تأكل الأخضر واليابس في القارة