مريم عماد تكتب : الصراع في منطقة شرق إفريقيا
شرق أفريقيا هي المنطقة الشرقية للقارة الأفريقية, تضم حوالي 19 دولة تعدادهم السكاني يبلغ حوالي 177 مليون مواطن جميعهم ذو تنوع عرقي و ديني وذلك التنوع يجعل عملية تعميم الصراع صعب لأن كل دولة لها الدينامية الخاصة بها, وبالرغم من أن التنوع يكون في أغلب الأوقات إيجابيًا إلا أنه جعل من منطقة شرق أفريقيا منطقة للمواجهات الطائفية المسلحة وحدودها أصبحت تري لباقي الدول علي أنها تأمن العديد من التنظيمات المسلحة وكل ذلك أدي إلي أضعاف مؤسسات الدولة بسبب عدم رضا الشعب وإنعدام الثقه في المؤسسات, ولذلك تعيش منطقة شرق أفريقيا حالة من عدم الأستقرار السياسي بسبب آثار النزاعات المسلحة كما يوجد في (جنوب الصومال – جنوب السودان – الكونغو ) وذلك بسبب عدم توافر امكانيات لإدارة الصراع , والجدير بالذكر أنها مازالت أهميتها الجيواستراتجية في إرتفاع لأنها تعمل علي تصدير حوالي 70 بالمئه من نفطها إلي دول القارة الأوروبية و الولايات المتحدة الأمريكية وبالإضافة إلي السعودية أيضًا تعتبر تلك المنطقة أمتداد لأمنها القومي بسبب :صراعها الأقليمي مع إيران ، دائمًا تسعي لفتح مجالات جديدة للاستثمار وتأمين مصالحها الأستراتيجية عن طريق الأندماج مع دول شرق أفريقيا.
»» السياق العام لأزمة الصراع في منطقة شرق أفريقيا :
ومن بعد المقدمة أصبح من الطبيعي أن يتم النظر إلي منطقة شرق أفريقيا علي أنها منطقة تعاني من النزاعات المسلحة الداخلية وأزمات أقتصادية وعنف مسلح والكثير من المشكلات الأجتماعية مثل الوقت التي تشهده الأن شرق افريقيا من أرتفاع التكاليف والكوارث المناخية, حيث يوجد ملايين العائلات التي تعاني من نقص حصصهم الغذائية مثل (الصومال) حيث أصبح يوجد فجوة بين الموارد المتاحة والاحتياجات مع زيادة عدد اللاجئين وكل ذلك ناجم عن الصراع داخل المنطقة مثل (الصراع الداخلي الإثيوبي) و الصراع في أوكرانيا, فأصبحت منطقة شرق أفريقيا تشهد عامًا من عدم الإستقرار السياسي والاحتياجات الإنسانية ارتفاع تكاليف المواد الغذائية والوقود, بالإضافة إلي الجفاف و الفيضانات المتكرره والتي أثرت بشدة علي (كينيا- الصومال- جنوب السودان – السودان – إثيوبيا) وسنعمل الأن علي تحليل الصراع في الداخل الإثيوبي و المجاعة التي تعاني منها الصومال حالياً ومن قبل مجئ الرئيس “حسن شيخ محمود” وماهي النتائج التي يمكن أن تصل لها.
»» الصراع في الداخل الإثيوبي:
اسباب الصراع:
أطراف الصراع هما الحزب الحاكم في إقليم تيغراي الشمالي “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” مع الجيش الإثيوبي “, وكانت الجبهة تمسك الحكم لمدة ثلاثون سنة قبل أن يصل “آبي أحمد” للسلطة في 2018 وكان أول رئيس وزراء من عرقية (أورومو) وهي أكبر عرقية في إثيوبيا , و كثرت الاضطرابات في هذا العام في عدة أقاليم وخاصة الأورومو مما دفع رئيس الوزراء السابق “هايلي مريام” للاستقالة وتحالف مع آبي أحمد .
وفي بداية حكمه عمل أبي أحمد علي فتح ملفات فساد متورطه بها الجبهة خلال العقود الثلاثة التي حكمت فيها الجبهة مما اعتبروا ذلك تهميش لهم ورفضوا التحالف مع الاحزاب الاخري الحاكمة , وازدادت الأمور سوءًا عندما قرر “آبي احمد” تأجيل الانتخابات في 29 أغسطس 2020 ورفضت أيضًا الجبهة ذلك القرار ونظمت انتخابات في 9 سبتمبر وكانت لم تعترف بشرعية “آبي أحمد”.
»» بداية الحرب:
في نوفمبر عام 2020 اتهمت الحكومة جبهة تيغراي بشن هجوم علي معسكر الجيش الأتحادي وصرح الجيش أنه سيستخدم القوة لتأمين بلاده, ومن ثم تم إعلان حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في ولاية تيغراي , وهاجم الجيش الاتحادي المنطقة الغربية للإقليم المتمرد علي الحدود مع السودان لمنع أي تواصل, وبسبب أن تيغراي تملك أسلحة ومحصنة بجبال طبيعية منيعة استطاعت أن تمنع الجيش من دخول عاصمتها ميكيلي, مما أدي الي بعض التغييرات في الجيش والمخابرات من قبل “آبي أحمد” ليوازن بين القوميات الإثيوبية الأخري ويحد من سيطرة التيغراي, وأعلنت إثيوبيا وقف عدد من القادة والمسؤولين العسكريين المنتمين إلي جبهة تحرير تيغراي وأستطاع الجانب الإثيوبي المدعوم من إريتريا و أمهرة إخضاع الإقليم لسيطرته في يونيو 2021 ودخل عاصمة ميكيلي وفاز بالحرب ولكن القتال كان مستمرًا, وأعلن آبي أحمد أن القادة المنشقين في تيغراي فروا إلي الغرب.
»» ما هي النتائج من الحرب؟
الصراعات مازالت مستمرة ولها جذور قديمة ونتأجها سلبية علي كل من آبي أحمد وقادة إقليم تيغراي لأن ذلك أضر بصورة آبي أحمد الحائز علي جائزة نوبل للسلام والتصادم بين القادة في إقليم تيغراي والحكومة المركزية مما أدي إلي ضعف حركة التنمية في إثيوبيا وخسائر بشرية فادحة وعدم إستقرار سياسي وانتشار العنف المسلح, والأن أصبح المنافس الأكبر لحكومة إثيوبيا هو إقليم تيغراي ولكن كلا الطرفين أدرك صعوبة ما وصلوا إلية فتم وقف إطلاق النار بسبب صعوبة حل النزاع بينهما عسكريًا ولكن تأزم الأمر مجددًا يمكن أن يحدث, وحرصت الدول الغربية علي عدم تفاقم الأزمة بسبب المصالح الإستراتيجية والإقليمية والدولية.
»» الجفاف والمجاعة في الصومال وتأثيرهما:
تعتبر المجاعة احدي الآفات التي تزهق أرواح مئات الآلاف من المواطنين في إفريقيا عمتًا و تختلف أثارها سواء كانت طبيعية أم بيئية وتتسبب في انتشار الأمراض و الأوبئة في المنطقة و في اندلاع الحركات المطلبية و الاحتجاجية و ندرة المحاصيل الزراعية والمواشي و في نزوح المواطنين من مناطقهم الأصلية. و قد أصبحت المجاعة أحدي الكوارث الإنسانية المتجددة التي تضرب القارة الأفريقية من وقت لآخر و ذلك في ظل عجز الحكومة الصومالية عن مواجهة هذه الكارثة و عدم وجود مساعدات كفايه من الخارج, وبالتأكيد أي نقص في الموارد الغذائية يصاحبه أحتجاجًا علي السلطة وأنتشار عدم الرضا.
وفي ذلك التوقيت الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود “الذي انتخبه البرلمان الصومالي في 15 مايو 2022 أمسك بمقاليد الحكم, والجدير بالذكر هنا قبل مجئ الرئيس حسن شيخ محمود إلي الرئاسة شهدت الصومال عامًا من التوترات والمشاحنات وعلي أساسه تم أنتخابهم للرئيس حسن شيخ محمود, يرجع فوز حسن شيخ محمود إلى نجاحاته السابقة خلال فترة رئاسته الأولي، ومن هنا يتمكن من إضعاف حركة الشباب المجاهدين المسلحة والموالية ذات الولاء القاعدي، حيث أستطاع من قبل طردهم من مناطق نفوذهم, بالإضافة إلى إدارته الناجحة للمراحل المتعاقبة في الانتخابات، فقام بعقد تحالفات ناجحة مع منافسيه فى الجولات السابقة من أجل الحصول على دعمهم وأصوات مؤيديهم, يسعى الرئيس الصومالي الجديد إلى تفعيل سياسة تصفير المشكلات سواء داخليًا أو خارجيًا خلال الفترة المقبلة وتلافى كافة الآثار التي خلفها الرئيس السابق فارماجو سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي دون الإخلال بمبادئ تحقيق المصلحة للصومال.
ولكن هو الأن أمام الكثير من التحديات من أهمها:أنتشار المجاعة والجفاف وتدهور أوضاع البلد بشكل كبير:تعد مشكلة الجفاف التى تضرب الصومال منذ أكثر من 4 مواسم متتالية وأسوأ جفاف حدث للصومال منذ أكثر 40 سنة, بالإضافة إلى جفاف الآبار والآبار الضحلة، ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية يعد أكثر البلدان تضررًا من الجفاف فى القرن الأفريقي هي الصومال، حيث تأثرت حياة أكثر من 4.5 مليون نسمة بشكل مباشر من الجفاف، ونزوح حوالي مليون شخص من ديارهم بحثًا عن الطعام والماء والمأوى. وبالطبع يتبع الجفاف أرتفاع أسعار المواد الغذائية والمجاعة وتدهور أوضاع البلد كثيرًا نتيجة للحرب الروسية – الأوكرانية، وهو ما يعنى تكاتف الجهود بين المانحين الدوليين والحكومة الجديدة من أجل وصول تلك المساعدات إلى السكان سواء فى المناطق التى تسيطر عليها الحكومة الصومالية والمناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب، وهو تحدى كبير يواجه الحكومة الصومالية الجديدة مع محدودية الامكانيات لمواجهة المجاعة والجفاف الذي يحدث في الصومال. مواجهة حركة الشباب المجاهدين:هي حركة إسلام سياسي قتالية صومالية تتبع فكريًا لتنظيم القاعدة , يشكل العنف الذي تمارسه حركة شباب المجاهدين الموالية لتنظيم القاعدة فى الصومال، تهديدًا خطيرًا للحكومة الصومالية الجديدة، حيث نجحت الحركة فى استغلال فترة حكم فارماجو وبات لها سيطرة واسعة على بعض المناطق، حيث أنها الأن تمثل دولة داخل دولة، تقوم بتحصيل الضرائب من المواطنين في مناطق سيطرتها، ذلك يعنى إمدادها بمزيد من الموارد التى تدعم وجودها بشكل قوى، كذلك الحكم فى القضايا وإجبار الأطفال والقصر على الانضمام إلى صفوفها، وقيامهم بتنفيذ العمليات الانتحارية، وهو ما يعنى توفير دعم بشرى ومقاتلين جدد باستمرار .
»» إعادة الاستقرار الداخلي في الصومال:
وذلك من خلال إجراء مصالحة وطنية شاملة تمهيدًا للعديد من التغييرات الجذرية في الصومال التي تعاني منها على مدار أكثر من 15 عام, وأيضا بعد أن تأجلت الانتخابات لمدة تزيد عن 15 شهرًا منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق فارماجو فى فبراير 2021 أدت إلي الكثير من الاقتتال الداخلى بين العشائر الصومالية، حيث شهدت تلك الفترة حالة من الاستقطاب، وبالتالي يجب علي الرئيس حسن شيخ محمود المنتخب الجمع بين النخب السياسية فى الصومال بما فى ذلك الخصوم السابقون، ومحاولة وضع رؤية مشتركة لدفع الصومال إلى الأمام وعدم أنحدارها وذلك يمكن من خلال أن يكتمل الدستور التابع للدولة الصومالية لأنه كان يشكل نقطة صراع بين الرؤساء و رؤساء الوزراء, أيضًا إنشاء محكمة دستورية لتسوية الخلافات السياسية والانتخابية وأخيرًا يجب تحسين العلاقات بين الحكومة الفيدرالية والحكومة المركزية.
»» احتلال إثيوبيا لمنطقة أوجادين في الصومال:
من الممكن خلال الفترة القادمة تدهور علاقة الصومال بجارتها إثيوبيا بسبب منطقة أوجادين، حيث أن يمثل فوز حسن شيخ محمود صدمة قوية، خاصة وأن هناك العديد من التقارير تشير إلى وجود علاقة قوية بين جبهة تحرير شعب التيجراى، وهو ما سيعيد بلورة العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا، مع احتمالات تعزيز العلاقات الصومالية الكينية، التى تراجعت كثيرًا خلال فترة حكم الرئيس السابق وذلك الذي سنتابعه مع فترة حكم الرئيس حسن شيخ محمود.
وفي الختام أستنتاجًا لما سبق يمكن القول أن منطقة شرق إفريقيا من المناطق الهامة لدي الكثير من الدول وتضم ثاني أكبر دول القارة الافريقية في عدد السكان , ولكن بسبب النزاعات المتكررة يجعلها في حالة عدم أستقرار سواء داخليًا أم خارجيًا, فيجب وجود آليات وموارد تجعلها قادرة علي إنهاء النزاعات ووجود أمكانيات لتدير حالات الجفاف والمجاعة التي تحدث من وقت لآخر لأن يصاحبها تدهور في الأوضاع الأقتصادية و السياسية .