الكاتب الغيني محمد قطرب باري يكتب : الصراع الإعلامي المتأجّج بين رُوّاد التواصل الاجتماعي من أجل التحالف الثلاثي L’AES ومنظمة إيكواس
منذ أن أعلنت دول التحالف الثلاثي A, E, S – مالي ، بركينا فاسو ، النيجر – عن تشكيل “تحالف دول الساحل” في 16 سبتمبر عام 2023 لغرض الدفاع المشترك ، نشاهد نوعا من التعارض ، وشُبه الصراع الإعلامي ما بين رُوّاد التواصل الإجتماعي الذين يدعمون التحالف الثلاثي والذين ليسوا مع فكرة الانسحاب من الإيكواس .
يجب أن يُذكَر هنا أن الدول الثلاث انسحبَتْ من بعض المنظمات الإقليمية التي كانت أعضاء فيها ، بما في ذلك “إيكواس” و “مجموعة دول الساحل الخمس” التي أعلنت حل نفسها في ديسمبر 2023.
وهؤلاء القادة الحاليون في الدول الثلاث وصلوا للسلطة نتيجة انقلابات عسكرية خلال الفترة بين 2021 و2023.
ما محلّ النزاع بين داعمي إيكواس والتحالف الثلاثي ؟
– حسب قراءتي ومتابعتي : هناك مَن لم يدعم فكرة الإنسحاب من المجموعة الاقتصادية بغرب أفريقيا ” إيكواس” بينما يرى آخرون أنّ إيجاد الحلول لمُعضِلات إيكواس هو الحلّ الأمثل وليس الانسحاب يعدّ حلاّ مناسباً.
وعلى كِلا الحالَينِ : يجب أن أشير إلى أنّ لكلّ دولة سيادتها التامّة ، وليس بالضرورة أن تنسحب كلّ دول أعضاء الايكواس لتنضمّ إلى التحالف الساحل L’AES , وكما أنّ للدول التحالف الثلاثي مطلق الحريّة لتنسحب مِن إيكواس طالما لا ترى مصلحتها في عضويّتها ، ومهما يكن الأمر فإنّ لكلّ دول سيادتها ، والحالات الأمنية تختلف من دولة إلى أخرى ، ومن منطقة إلى غيرها ، وأينما وُجِدَتِ المصلحة فَثَمّة اتجاه الدول والقادة.
لماذا انسحبتْ هذه الدول الثلاث من إيكواس ؟
هناك عوامل متعددة للإنسحاب :العامل الأول : لقد فَقَدَتِ المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا سيادتها ، وأصبحتْ لا تتحمّل مسؤوليتها تجاه أزمات المنطقة الغرب أفريقي منذ فترة من الفترات ، وعلى سبيل المثال :
– قضية الانقلاب وما أدراك مالانقلاب ؟
الإنقلاب نوعين : انقلاب دُستوريّ وانقلاب عسكريّ، لكن الملفت للنظر ، إنّ سيدياو ” CEDEAO ” تتغاضى عن الانقلاب الدستوري وتحاصر بلد الذي حدث فيه الانقلاب العسكري ، بينما الانقلاب الدستوري لا يقلّ خطورة عن الانقلاب العسكريّ، وإنما الانقلاب الدستوري يؤدّي غالباً إلى المونارشية، والمونارشية عبارة عن الديكتاتورية بصورة الديموقراطية التي توحي إلى الديموكراسية أي البقاء على كرسي الرئاسة.
إذن، من الحياديّة أن تعاقب إيكواس كلّ مَن ينقلب على الدستور للبقاء على السّلطة باسم الولاية الثالثة قبل الإنقلاب العسكري.
العامل الثاني : بعض زعماء إيكواس هم بمنزلة ممثلي فرنسا في بلدان غرب أفريقيا ، إذ هم مع مصلحة فرنسا لا مع مصلحة بلادنا في منطقة الغرب الأفريقي ، وهؤلاء القادة هم الذين وقفوا أمام مشروع العُملة الموحَّدة على حساب العملة الفرنك سيفا، التي هي عملة الفرنسية التي تُستَعمَل في بعض بلداننا في غرب أفريقيا .
العامل الثالث : ازواجية المعايير للإيكواس في ظلّ الحصار .
إيكواس تدعم انقلاباً في دولة ، وتحاصر دولة أخرى من أجل الانقلاب ، وهنا ينجلي أنّ إيكواس لا تتعامل مع ملفات الإنقلاب بالإنصاف بل هي مع أوامر سيدها الأكبر فرنسا .
العامل الرابع : إيكواس لم تطرح أسئلة جادّة لسبب الانقلاب العسكري في البلدان التحالف الثلاثي بل حاصرتها وفرضتْ عليها عقوبات بدون البحث الحثيث عن الأسباب …
يجب أن نتساءل : هل هناك انقلابا بلا سبب ؟
عندما نتوقّف على فحوى هذا السؤال ، مِن ثم نفكّ شفرات السبب ليتّضح لنا ما أدّى إلى الانقلاب.
في النيجر كان الرئيس بازوم يخدم فرنسا بدلا من أن يخدم شعبه ووطنه ، وكان يدعم بقاء القواعد العسكرية الفرنسية في النيجر ومالي وبركينا فاسو بينما يموت الأبرياء كالصراصير ، وكان من أجل فشله التامّ احتشد الشعب النيجري لإقالته عن منصبه كرئيس الدولة، وبعد تكرار المظاهرة انقلب عليه جنرال عبد الرحمان تشياني ورفقائه في القوات المسلحة.
وفي بوركينا فاسو : حدث نفس الشئ تقريباً ، من حيث فشل داميبا ذلك القائد الذي لم ينجح بتاتاً لحماية الشعب المسكين من ويلات الإرهاب.
أمّا في مالي : أتى العقيد هاشم كويتا في مرحلة حَرِجَة حيث كان الشعب بحاجةٍ ماسةٍ إلى قائد حُرّ ، وقيادة رشيدة لتحرير كيدال ولمحاربة الإرهاب الفجرة ، وبجهوده وجهود الأبطال- FAMA – لقد خفّف الهجوم ، وما زالت العمليات مستمرّة رأساً على عقب ، وسينتصر الجيش المالي على خونة الوطن .
هل انسحاب الدول الثلاث من إيكواس لها مخاطر ؟
الجدير بالذكر : إيكواس – في الأساس – كانتْ تحمل فكرة بنافريقية خالصة التي هي عبارة لمّ شعوب غرب أفريقيا تحت راية واحدة ، وإيكواس كانتْ في مرحلة من المراحل أقوى منظمة في أفريقيا عامّة من حيث الرؤية والأهداف ، ولا تزال لدول هذه المجموعة إيكواس جواز سفر الموحَّد مما يسهل التنقّل بين شعوب بلدانها بدون أدنى صعوبة ، وهذا جانب إيحابي لهذه المنظمة إلى الآن ، ولا توجد منظمة إقليمية في أفريقيا توحّد شعوبها جواز سفر موحَّد إلا إيكواس ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه:
هل سيتمّ وضع التأشيرة بين بلدان التحالف الثلاثي مع دول إيكواس ؟
هنا قد يكمن المخاطر إن تحقّق – وإن لم نتمنى ذلك- ، لأنّ هذا سيزيد منطقتنا ” غرب أفريقيا ” تخاذلاً واضمحلالاً ، وإن زعم البعض أنّ هذا لا يضرّ بشئ ، ولكن في الحقيقة وضع الفيزا بين بلدان الأشقاء ليست علاَمة محمودة لحسن الجيرى.
العلاقة التجارية والجمركية : ليستْ في هذه الدول الثلاث ميناء واحد , يعني لا في مالي, ولا في النيجر’، ولا في بركينا فاسو، هذا قد يشكّل خطرا لهذه الدول من ناحية التنقلات التجارية تجاه بلدانها المجاورة التي تطلّ عليها الموانئ عبر المحيط الأطلسي، ك / توجو ، وكوت ديفوار ، وبنين ، وغينيا ، والسنغال ، وهذه الدول كلها في إيكواس . هنا قد يزداد الضرائب الجمركية من أجل انسحابهم من الإيكواس إن كانتْ لا بدّ مِن نقل بضائعهم من إحدى هذه الدول المذكورة أعلاه.
القواسم المشتركة بين الدول الثلاث :
هناك أسباب جعلتْ هذه الدول تتكاتف وتتحالف ، ومن بين تلك الأسباب أزمة الأمنية crise sécuritaire …إذْ تعتبر هذه الدول الثلاث من البلدان التي عانتْ ،ولا تزال تعاني شعوبها من هجوم الإرهاب منذ ردح من السنوات الطويلة ، ولذلك كان لا بدّ مِن التحالف والكفاح لمحاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة في تلك البلدان ، وهنا نفهم أنّ لهم كامل الحرية لتتضامن وتتعاون لمواجهة الأوبئة بكل سبل من الأسباب.
لماذا تمّ طرد قواعد العسكرية الفرنسية وترحيب الجيش الروسي ؟
طردتْ – هذه الدول الثلاث – قواعد العسكرية الفرنسية التي كانتْ في أراضيها جراء جريمة القوات المسلحة الفرنسية , وكانت تلك القواعد العسكرية الفرنسية عبارة عن ملجأ الجماعات الإرهابية والجماعة الإنفصالية، وباتتْ تدعم تلكم الجماعات المتطرفة للتسليح وسفك دماء الأبرياء في شمال مالي ، وكذلك في بعض القرى في بوركينا فاسو وعلى بطحاء النيجر ، وهذا كان سببا لاعتراض شعوب الدول التحالف الثلاثي لطرد قواعد العسكرية الفرنسية من أراضيهم ، لأنها كانتْ تزيد الطين بلّة والمشكلة علّة.
وبعد نجاح فسخ العلاقة العسكرية مع فرنسا ، رحّبوا بروسيا ، وكما يقول البعض : ” تبديل سيّد بسيّد آخر “.
هنا يُراوِدني هذا التساؤل : هل – حقاًّ – روسيا بمنزلة سيّد جديد لهذه الدول ؟…بالمناسبة : علاقة هذه الدول بروسيا ليست علاقة السيد بخادمه كما يزعم البعض، وإنما هي علاقة مصلَحِـيّة بحتة، روسيا بحاجة إلى هذه الدول ، وكما أنّ هذه الدول أيضا بحاجة إلى روسيا – عسكرياًّ – وهكذا دواليك.
صحيحٌ ، يوجد مَن يرى روسيا كصديق وفيّ لأفريقيا ، هذا لمن لا يعرف شيئا عن العلاقة الدولية ، وإلا في الحقيقة: لا توجد الصداقة الدائمة ولا العداوة الدائمة في مجال العلاقات الدّبلوماسية أو علاقات الدُّوَلِيّة كما هو مشهور في مقولة لجنرال ديغول رئيس الأسبق لفرنسا القائل 🙁 Les États n’ont pas d’amis, ils n’ont que des intérêts ) ، يقصد : ( الدول ليست لديها أصدقاء ، لديها مصالح فقط) .
– علاوةً على ذلك ، إنّ الأزمة التي أجّجتْ في منطقتنا من أجل ما حصل حول انسحاب الدول الثلاث، يجب أن لا تأثّر تأثيراً سلبيّاً في النسيج الاجتماعي بين شعوب غرب أفريقيا ، لأنّ هناك مِنْ رُوّاد التواصل الاجتماعي يحاولون صبّ الزيت في النار بدعوى خيانة بعض الرؤساء للبنافريقية، بل وشتم بعض رؤساء دول إيكواس ، وكأنّ عدم الانضمام إلى تحالف الدول الثلاث يعدّ خيانةً للبنافريقية ، رغم أنّ الأمر ليس كذلك بتاتاً.
• أمانةً للتاريخ : ما يجمع هذه الشعوب أقدم وأفضل من إيكواس وناهيك عن التحالف الثلاثي الجديد، فشعوبنا تظل واحدة مهما حدث من خلافٍ سياسيٍّ بين القادة، فالقادة سيرحلون وستبقى أوطاننا ، وسيظل شعوبنا منسجمين ومتصاهرين كما كانوا منذ قديم الزمان الغابر.
• أخيراً لا آخراً : لكلّ دولة حقيقتها ، ومشكلتها، ومصلحتها، فالدول الثلاث ” مالي، النيجر، بوركينا فاسو ” تراعي مصلحة أراضيها وهذا من حقّ شعوبهم وقادتهم أن يدافعوا لسيادة دولهم ، هذا لا يعني أنّ عدم التحالف معهم يدلّ على خيانتهم ، فهناك قواسم مشتركة بين هذه الدول الثلاث كأزمة الأمنية من أجل جرائم الإرهاب ، هنا أقف لأطرح سؤالا آخر : هل في كل بلدان غرب أفريقيا مشكلة الإرهاب ؟ لا، وألف كلا…
هناك من البلدان في غرب أفريقيا لم تعاني من هجوم الإرهاب قطّ ، ولِحَقّ هذه البلدان أن تبقى في إيكواس- إن رأتْ ذلك مناسباً لها – لإيجاد الحلول الملائمة لمعضلات التي حلّتْ على هذه المنظمّة التي بأمسّ الحاجة إلى التجديد.
أمّا البان أفريكانيزم باختصارٍ شديدٍ : إنّ فلسفة البنافريقانية توحي إلى وحدة الشعوب الأفريقية لا انفكاكهم ، ولا تحريض بعضهم على البعض.
البان أفكانيزم: تدعو دائماً إلى التحرّر الأفريقي التامّ من ربقة الإمبرالية الغاشمة ، ومن زعم أنّ البانافريقانية هي عبارة عن انفكاك الشعوب والبلدان ، فَعَلَيْهِ أن يبحث عن حقيقة البنافريقية التي كانتْ عليه آباء الأوائل للتحرر الأفريقي ك/ كوامي انكروما رئيس الغاني الأول هو رائد فكرة اتحاد الافريقي ، وزيليس انيريري رئيس الأول لتنزانيا زعيم بنافريقي ، و سيكو توري رئيس استقلال غينيا قائد بنافريقي ، وباتريس لوممبا رئيس الوزراء الكونغولي الأسبق ، وتوماس سنكارى الذي تمّ اغتياله مِن قِبَل الغرب ولكن لخيانة قريبه الذي كان يعتبره حميماً له ألا وهو بيليز كومپاوري العميل الخائن.
عاشتْ بلداننا موحّدة آمنة ، وعاش الشعوب الأفريقية في ظلّ الوحدة الأفريقية والتنمية المستدامة.
* الكاتب الغيني / محمد قطرب باري – كاتب مهتمّ بالقضايا الجوهرية الأفريقية.
اقرأ المزيد
هل تنجح وساطة الرئيس السنغالي في إعادة « دول الساحل » لإيكواس ؟