محمد قطرب باري يكتب : فرنسا بين شفا جرف من السقوط في بعض البلدان الفرنكوفونية
لَــئِــنْ أَلْـمَـمْـنَا إلماماً دقيقاً وعَـمِيـقاً ، ورجـعنا البصـر كرّتينِ إلى الأزمان الغابرة منذ فجر – الإستقلال المزعوم – إلى يومنا الراهن ، سنكتشف حقائق جمّة عن مدى تداعيات التي تؤدّي بطلب انقطاع العلاقة الفرنسية مع بعض الدول الفرنكوفونية.
– سـتّون عاماً فرنسا حاضرة في البلدان الفرنكوفونية لنهب ثرواتها ، واختلاق المشاكل الداخليّة بين أبناء الأوطان .
– سِـتّـون عاماً فرنسا تغنّي وراء شعارات وهميّة التي تكمن في طياتها منتهى الخُدعة ، والضحك على عقول المستحمرة كبعض زعماء بلدان الفرنكوفونية ، خونة العملاء.
-ســتّون عاماً فرنسا لم تقدّم شيئا ذا بالٍ ، بل زادت الطين بلّة ، والحوادث علّة ، وجعلتِ البلدان الفرنكوفونية في قاع الديّون ، والصراعات المُـصـطنعة ، والخلافات المُـمَـنهَجة.
– سـتّـون عاماً فرنسا تتصّرف كيفما تشاء ، وأينما تشاء في بلدان الفرنكوفونية بدعوى الشراكة أو العلاقة..
– أخيراً , لا آخراً – قد اطلعت شمس الوعي ، وسقط رداء الخدع ، واتّحد شباب النبلاء لهذا الجِيل الراهن لتنديد ورفض المطلق حول بقاء جيوش فرنسا الغاشم لترحل إلى برّا ، وتبقى ماما أفريقيا حرّة..
الجدير بالذكر والتأكيد….لم يحدث ما نشاهده اليوم من تجمهر بعض جمهور الشعوب الفرنكوفونية ، وتكاتف بعضهم بعضاً إلا بعدما ذاق العباد والبلاد من كل أنواع الفِتَن والمِحن ، والوباء والبلاء ، وسوء الوضع الأمني الذي كان – وما زال – وراء ذلك الوضع السيّء أيادي طويلة وخُفية ، تلك الأيادي التي توفّر الأسلحة الفتّاكة لجزء من شعب بلد ماّ، ليتمرّد على بلده ، إمّا باسم القَبَليّة ، أو لإقامة دولة شريعة كما – في أوهامهم – ، أو انقسام البلد إلى زرافاتٍ وَوُحْـدَانًـا باسم دولة مستقلّة ، كما حاول ذلك الطوارق في شمال مالي ” آزواد. ” لكنهم لم يجدوا ضالّتهم، فضلاً أن يحقّقوا بُـغيتهم.
وماذا عن استبدال فرنسا بروسيا ؟ هذا هو السؤال المثير بين رأي الجمهور ، والملفت للنظر ، والذي يستحقّ البلورة والتوضيح بكلّ تأمّل وتُؤدة.
في قانون الدولي : هناك شيء يسمى بمسؤولية الدولية، وسيادة الدولة_ La souveraineté d’un état_.. بناءً على ذلك….يجب احترام سيادة أيّـة دولةٍ أرادتْ استبدال بلدان شراكتها التّـجارية ، أو علاقتها الدّبـلوماسية ، أو تعاونها العسكريّ ، فاستبدال فرنسا بروسيا إن دلّ على شئٍ فإنّـما يدلّ على عدم نجاح علاقة فرنسا بالدول التي ألغتْ علاقتها وتعاونها العكسري كما حدث مع العقيد رئيس مرحلة الانتقالية بجمهورية مالي الشقيقة ، وكذلك كابتن إبراهيم تراوري طلب مغادرة جيش الفرنسي في أرض بركينا فاسو بعد شهور من الإنقلاب.
واختيار روسيا كالبديل ، لا يعنـي- بالضرورة – اتخاذ روسيا كالصديق الوفيّ الأنقى.
ما يجب أنْ يعلم أشقائي الأفارقة أنّ في عالَم لعبة الشطرنج أي :” عالَم السياسة ” لا يوجد صديق دائم ، ولا عدوّ دائمٍ ، كلٌّ وراء مصلحته، فأينما وُجِدتِ المصلحة فثَـمَّـة اتّجاه السّـاسة.
والجدير بالذكر أنّ تواجد الروس في بعض البلدان الأفريقية لم يبدأ بعد هذه الأزمة الثورية الشعبية ضدّ فرنسا في بعض بلدان الفرنكوفونية ، بل كانتْ روسيا – أيضاً- حاضرةً في عدة بلدان الأفريقية منذ فترة قديمة ، إلاّ أنها لم تكن لها قوّة كفرنسا…
لماّ سقطتْ هيبة ومقام فرنسا على عيون الشعوب الفرنكوفونية ، كان البديل الأنسب في مجال التعاون العسكري هو روسيا.
لأنّ ببساطة….روسيا دولة قويّة في مجال اختراع الأسلحة ، وشامخة استراتيجيّة في المجالات العسكرية القِتالية والإقتحاميّة ، حسب رأيي ككاتب هذه السطور.
قد يكون ذلك سبباً من أسباب إلحاح بعض زعماء الدول الفرنكوفونية التي عانتْ بمصائب الإرهاب المصطنع ، لتتعاون مع روسيا في المجال الأمني.
وطالما أنّ الأمر بإرادة سيادة الدولة ، يجب احترامها بل وقبولها ، كما يقال: أهل مكة أدرى بشعوبها .
وأقول : شعب البلد وزعيم الوطنيّ الجسور أعلما بمشاكل بلدهما ، وأعلما بمن هم أهل للعلاقة ، والشراكة والتعاون.
المجد والشموخ للشعوب الأفريقية الواعية ، والفخر والعزّ والتقدير لكلّ زعيم مواطن غير عميل للغرب الغاشم.
* محمد قطرب باري : كاتب في الشؤون الأفريقية وباحث في التراث الأفريقي.
إقرأ المزيد
محمد قطرب باري يكتب .. أفريقيا : هي الماضي والحاضر والمستقبل