آسيا العتروس تكتب: صور من الذاكرة .. أبو اللطف ..مناضل عاش على أمل أن يحتضن تراب فلسطين و رحل على مرمى حجر من الوطن
بأي كلمات نرثيك أبو اللطف وقد اخترت الرحيل و فلسطين ومعها غزة تنزف دما وألما .. و هل تكفي كل لغات العالم لتدوين سيرتك و مسيرتك التي تحتاج موسوعة لرصدها حتى تكون مرجعا في القيم الثابتة للاجيال القادمة ؟
سنفتقدك أبو اللطف و نفتقد أحاديثك المطولة بمكتبك في مقر الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية بالمنزه التي كانت توشح الصفحات الأولى لجريدة الصباح ، و لقاءاتنا مع كل من الاعلامي الكبير الطاهر الشيخ مدير مكتب وفا و الصحفية سامية صابر , وسنفتقد قدرتك على استشراف الأحداث و قراءة المخاطر و أنت تقلب الوثائق والخرائط الفلسطينية على مكتبك وعينك على الأخبار القادمة من أرض فلسطين و خلفك الأقصى جاثما محملا بكل عناوين الصبر و الصمود .
كنت سخيا غير جحود أبو اللطف في التعاطي مع الإعلام فقد أدركت مبكرا على خلاف الكثيرين دور ومكانة و أهمية الصحافة عربيا و دوليا في مساندة و إعلاء القضية الفلسطينية منذ انتقال القيادات الفلسطينية إلى تونس قادمة من بيروت ، وها نحن اليوم نعيش على وقع صحوة شعبية تكتسح النخب و الجامعات في مختلف العواصم الغربية التي استفاقت على وقع التوحش الإسرائيلي في غزة على وقع زيف الرواية الإسرائيلية الصهيونية العنصرية وباتت تجاهر برفض سياسة المكيالين كلما تعلق الأمر بشعب فلسطين .
و قد امتهنت بدقة وذكاء لعبة الديبلوماسية إلى جانب الراحل أبو عمار وفتحت للقضية أبوابا كثيرة كانت موصدة في عديد العواصم الإسلامية ، و في الاتحاد السوفياتي سابقا و أفريقيا و حتى في إيران ..و سيكون لزاما اليوم استعادة مكانة الديبلوماسية الفلسطينية كسلاح ذو حدين في مختلف المنظمات الدولية والإقليمية خاصة بعد التحركات التي تواصل محكمة العدل الدولية القيام بها بعد الدعوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا لوقف جرائم الإبادة في غزة و بعد دعوى الجنائية الدولية لملاحقة مجرمي الحرب في كيان الإحتلال ..
تركت تونس قبل سنوات واتخذت العاصمة الأردنية عمان وجهة و قلت لي يومها “أريد أن أكون قريبا من فلسطين “.. كنت أعلم انك قريب من فلسطين أينما تنقلت و أنك تحمل القضية في دمك و أنفاسك في ترحالك الذي لا يتوقف بين عواصم العالم .
أبو اللطف كما كنا نناديك و نحن نجلس أمامك نحاورك و نستمع لاحاديثك المطولة في مكتبك بالمنزه الخامس الذي تحول إلي اطلال من بعدك .
لم ينتظر فاروق القدومي أبو اللطف طويلا بعد رحيل رفيقة دربه المناضلة الفلسطينية نبيلة النمر التي فارقت عالمنا قبل أسابيع و اختار الرحيل بعد مسيرة طويلة من النضال الميداني و السياسي , كان فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطيني منذ 1972 و هو أيضا وزير خارجية فلسطين ، كما يؤكد على ذلك ظل معارضا شرسا لاتفاقيات أوسلو و بقي وفيا لهذا المبدأ حتى نهاية المسار ، المقاومة و لا شيء غير المقاومة و البندقية يعيد الحق المسلوب هكذا كان يردد على مسامعنا , اختلف مع رفاقه في منظمة التحرير حول طريق النضال و لكن ظل دوما يقول لا نختلف حول الوطن .
بمجرد إعلان وفاة القيادي أبو اللطف ازدحمت مختلف المواقع الاجتماعية بصور المناضل الراحل و بيانات النعي من مختلف الفصائل الفلسطينية التي شددت على مكانة و قيمة و مآثر الرجل أحد القادة التاريخيين المؤسسين لمنظمة التحرير و ثباته على القيم و المبادئ التي قامت عليها الثورة الفلسطينية .
و برحيل أبو اللطف تفقد القضية الفلسطينية أحد أبرز رجالاتها ومناضليها الذين أطلقوا أول مسار التحرير الوطني وحق الشعب الفلسطيني المشروع في الحرية والكرامة ، أبو اللطف فاروق القدومي إسم آخر يترجل في جيل أحمد الشقيري وعرفات وجورج حبش و خليل الوزير وصلاح خلف وشفيق الحوت و آخرون تركوا بصمتهم العميقة في مسار القضية الفلسطينية في مختلف محطاتها ..
و الأكيد أن ما أسسوا له يستوجب استحضاره و الهام الأجيال القادمة التي تتوارث مسؤولية مواصلة الكفاح و النضال و التضحيات لتحقيق الأهداف و أولها ازالة الإحتلال .
ارتبط اسم أبو اللطف بمدينة نابلس بالضفة الغربية، تنقل بين يافا و حيفا بعد النكبة ..تنقل بين الكثير من الدول العربية حيث عمل في أكثر من مجال ..التقى الزعيم ياسر عرفات خلال مرحلة الدراسة بمصر حيث التقى كذلك صلاح خلف أبو إياد وعملوا معا على تأسيس حركة فتح في نهاية الخمسينات بمشاركة خليل الوزير أبو جهاد ومحمود عباس ..وفي عام 1969 رشحته حركة فتح لعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي أصبح رئيسا لدائرتها السياسية في عام 1973.
نودع أبو اللطف و في البال أكثر من لقاء و أكثر من حديث و أكثر من موقف و من صورة وعزاؤنا في ذلك أن القيادي التاريخي أبو اللطف يرحل و هو ثابت على مواقفه و قيمه التي لا تقبل الابتزاز وأولها الرهان على الوحدة الفلسطينية كلمة السر التي لم تغيب من على لسان أبو اللطف و ثانيها المقاومة بكل أشكالها لطرد الإحتلال .
* آسيا العتروس كاتبه صحفية تونسية.
آسيا العتروس تكتب : على وقع مناظرة بايدن – ترامب .. الاصرار على السباحة في الوحل