أخبار عاجلةالرأي
الدكتور حمدي عبد الرحمن حسن يكتب : دون ” كلام ساكت ” في مسألة مصر والصومال
قد لا يعلم كثير من الناس ولاسيما من شباب جيل ” زد Z “وعالم الإنترنت أن مصر قدمت أول شهيد لها في تاريخ حركتها الدبلوماسية على تراب الصومال الوطني , ففي عام 1957 اغتالت يد الغدر الشهيد كمال الدين صلاح وهو صائم في أحد شوارع مقديشو نتيجة دفاعه عن هوية الصومال , وعندما جاء وفد الصومال لتقديم العزاء للرئيس عبد الناصر قال لهم:” إن لدينا 27 مليون كمال الدين صلاح، وهم مستعدون للشهادة من أجل حرية الصومال”, هذا هو تاريخ مصر في دعم أشقائها العرب والأفارقة , لن أتحدث في المقابل عن تاريخ الضم والغزوات الحربية التي عانت منها الصومال من أقرب جيرانها.
وقد أثارت المساعدات والاتفاقات العسكرية التي نفذتها مصر مع حكومة الصومال المنتخبة كثيرا من التعليقات التي اعتبرها كما يقول أهلنا في السودان كلام ساكت أي هو والعدم سواء: وهنا أوضح امرين:
أولهما أن المساعدات العسكرية المصرية للصومال تأتي في إطار اتفاق رسمي بين البلدين وفي سياق أوسع لمعاهدة الدفاع العربي المشترك حيث تعاني الصومال من تبعات صعود حركة الشباب الإرهابية والتي لم تفلح الجهود الأممية في القضاء عليها.
وبالمناسبة يوجد في مقديشيو معسكر ” تركصوم “والذي افتتح رسميا عام 2017، وهو عبارة عن قاعدة عسكرية وكلية حربية , والذي يمثل أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج , ورغم ذلك لم يتحدث أحد رغم ان تركيا ليست دولة عربية ولا تدافع عن الأمن القومي العربي, أضف إلى ذلك فقد تم توقيع بروتوكول دفاعي آخر مع تركيا أواخر فبراير 2022، يتضمن دعم الأصول البحرية للصومال، و”ردع” جهود إثيوبيا لتأمين الوصول إلى البحر عن طريق صوماليلاند.
ثانيا: أن مصر بمقتضى قرار الاتحاد الأفريقي سوف تشارك في بعثة الاتحاد الأفريقي الثالثة لدعم السلام في الصومال والتي تبدأ ولايتها في يناير 2025, لقد أعلن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في بيان بتاريخ 7 أغسطس 2024، ، بعد الانتهاء من دورته 1225 بشأن النظر في مفهوم العمليات لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال بعد انتهاء مهمة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي (أتميس)، الموافقة على اقتراح مصر بإرسال قوات حفظ سلام كجزء من بعثة دعم الاتحاد الأفريقي في الصومال، والتي من المقرر أن تحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الحالية في الصومال (أتميس) بحلول يناير 2025.
لقد كانت مصر دوما منذ الحقبة الناصرية قوة سلام وتوحيد في كل أنحاء أفريقيا , وهي اليوم تدافع عن مصالحها بانتهاج سياسة التحوط الاستراتيجي ولاسيما فيما يتعلق بمياه النيل بعد التعنت الأثيوبي واكتمال بناء سد النهضة دون التوصل لاتفاق ملزم وبما يتناقض حتى مع اتفاق اعلان المبادئ عام 2015.
وفي هذه المرحلة ينبغي أن يقف الجميع خلف القيادة السياسية للدفاع عن مصالحنا الوطنية التي تمس أمن وبقاء الأمة المصرية , إن قضايا المياه لها جوانب متعددة فنية وهندسية وأخرى سياسية ودبلوماسية إضافة إلى الجوانب القانونية والدولية , فهل نتخلص من عقلية الفيلسوف” فهلاو” أو أبو العريف الذي يفتي في كل شيء كما يقولون في العامية المصرية .
في المسألة الصومالية كي نفهم!
تاريخيا يشمل “الصومال الكبير” جيبوتي ومنطقة الحدود الشمالية لكينيا وكل إقليم أوجادين على حدود إثيوبيا مع الصومال. ومع ذلك فقد أدى تقسيم الأمة الصومالية ذات الخصائص الاستثنائية من حيث وحدة الدم والمصير إلى خمس إدارات استعمارية مختلفة – مستعمرة الصومال الإيطالية، وصوماليلاند البريطانية، والصومال الكينية (تحت الإدارة البريطانية)، و الصومال الفرنسية ( العفر والعيسى وهي جيبوتي حاليا)، وإقليم الصومال الإثيوبي (منطقة أوجادين تحت الحكم الإثيوبي) – إلى خلق مشاعر العزلة والانفصال بين الصوماليين.
في عام 1960، تم توحيد كل من الصومال الإيطالية وصوماليلاند البريطانية نتيجة لإصرار شعبي ورغبة جارفة في تحقيق الوحدة ولاسيما من جانب أبناء الشمال الذين ضحوا باستقلالهم بعد نحو خمسة أيام فقط مقابل تحقيق وحدة الصومال الكبير , وعليه ظهرت جمهورية الصومال التي اتخذت لعلمها الوطني شعار نجمة خماسية تمثل كل جزء من الأمة الصومالية الكبرى . تتكون أوجادين، المعروفة أيضًا باسم الصومال الغربي، من منطقتين منفصلتين في شرق إثيوبيا, يضم الجنوب الشرقي أوجادين نفسها ,الغالبية العظمى من الناس هنا هم صوماليون من عشيرة أوجادين، وهي مجموعة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعشيرة دارود, المنطقة الشمالية الشرقية، المعروفة باسم هود، هي منطقة رعي موسمية رئيسية للصوماليين من عشيرتي دير ودارود , كانت جيبوتي موجودة في الأصل كمستعمرة فرنسية لإقليم ما وراء البحار للعفار والعيسى، بينما كانت ولا تزال منطقة الحدود الشمالية جزءًا من كينيا.
وقد مثلت الصومال وعلى عكس جيرانها في القرن الأفريقي أو الفضاء الأفريقي الأوسع استثنائية قومية بسبب جملة من الخصائص التي يتسم بها الصومال.
أولاً وقبل كل شيء، الصومال استثنائي في أفريقيا لأن كل أو جل من يعيش على التراب الصومالي تقريبًا هم من أصل صومالي ويشتركون في ثقافة ولغة وتاريخ وبنية اجتماعية مشتركة.
ثانيا: إن البنية العشائرية خلقت اعتقاداً في أصل مشترك كأساس للتضامن الوطني.
وثالثاً، كان دور الإسلام مهماً في تعزيز التضامن الوطني الصومالي. لقد دخل الإسلام من بوابة مدينة زيلع وهي مدينة ساحلية في شمال الصومال، في الطريق إلى الحبشة وذلك قبل وصوله إلى المدينة.
إن مصر التي احتضنت من قبل الحاج محمد حسين رئيس حزب “الليجا” أي الرابطة الصومالية، المطالب باستقلال الصومال لن تتأخر عن مساعدة الرئيس حسن شيخ محمود الذي يطالب بتحرير بلاده من تطرف شباب المجاهدين وأطماع دول الجوار التي ابتلعت جزءا من أراضيه .. ولنعد لذاكرة التاريخ.. مالكم كيف تحكمون؟ .
* أ.د. حمدي عبد الرحمن حسن :أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وزايد
إقرأ المزيد :