آسيا العتروس تكتب: ربع قرن على تأسيس المنتدى الصيني الأفريقي .. خطوة مهمة في انتظار الأهم
تتجه الأنظار إلى العاصمة الصينية بكين بلاد الكونفيشوس و حكيم الصين التاريخي الذي جعل القيم الإنسانية و الأخلاق عنوان العلاقات السياسية و محورها , وحيث تعقد هذا الأسبوع أشغال المنتدى الاقتصادي الصيني الأفريقي تحت شعار “التكاتف من أجل تعزيز التحديث وبناء مجتمع مصير مشترك بين الصين وإفريقيا”, و سيكون من المهم الإشارة إلى أن المنتدى بات فضاء منافسا لمنتديات مماثلة تبحث عن شراكة المستقبل في القارة الأفريقية و منها المنتدى الأمريكي الأفريقي و المنتدى الروسي الأفريقي و الياباني الأفريقي ، وهو ما يجعل من القارة الأفريقية محور اهتمام مختلف القوى الاقتصادية و السياسية والعسكرية التي تعتبر و بالاعتماد على تقارير و أبحاث ميدانية أن القارة الافريقية تمثل سوقا مغرية في المستقبل وهي مرشحة لتبلغ ملياري نسمة بحلول 2050 .
من هذا المنطلق فإن المنتدى الصيني الأفريقي يبقى حجر الزاوية في تحديد توجهات هذا المنتدى مستقبلا بعد نحو ربع قرن على تأسيسه لتحقيق رفاهية الشعوب المعنية بعيدا ن لعبة الهيمنة و التفرد.
و سيكون من المهم في هذه المرحلة تقييم ما تحقق لهذا المنتدى منذ سنة 2000 تقييما موضوعيا و تحديد الأسباب التي ساعدت في تحقيق ما أنجز في مختلف المجالات الممكنة فضلا عن ضرورة تحديد النقائص أو العراقيل التي لم تساعد في تعزيز هذا التقدم .. فالصين تبقى قوة اقتصادية و تجارية و مالية وعسكرية و لكن أيضا قوة ثقافية و معرفية و دبلوماسية باتت تفرض صوتها و دورها في العالم و في منطقة الشرق الأوسط .
و قد احتضنت الصين قبل أسابيع اثني عشر فصيلا فلسطينيا و دخلت بقوة على خط الأحداث في حرب الإبادة المستمرة في غزة منذ أكثر من عشرة أشهر، ويحسب و هي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي و بين يديها ورقة ضغط مهمة و هي الفيتو أنها تمكنت من جمع الإخوة الأعداء حول طاولة واحدة في محاولة لكسر التابوهات و تجاوز الخلافات وإعادة توحيد الصفوف و الخروج من تجاوز دائرة التشتت و الانقسامات .
صحيح أن الكثير من الجهود مطلوبة بعد صدور وثيقة بيكين لتجاوز حالة الجمود و الانهيار و لكن الأكيد أيضا أن الخطوة كانت مهمة لكسر الجليد و الإنتباه للمخاطر القادمة التي يخطط لها الإحتلال في غزة و الضفة .
يمكن للصين التي اقتحمت ميدانا كان حصرا على الإدارة الأمريكية أن تكون أكثر حضورا و أكثر تأثيرا في الأزمة الراهنة في الشرق الأوسط و تحديدا في القضية الفلسطينية فقد كانت الصين و منذ ستينات القرن المضي أساسيا للشعب الفلسطيني و حقه المشروع في السيادة و هي ايضا بامكانها ان تمارس الكثير من الضغط على الكيان الإسرائيلي الذي تربطها به علاقات قوية و سيكون من المهم لو أن الصين بادرت باعتماد ورقة المقاطعة و منع تمويل كيان الإحتلال بالسلاح لردع هذا الكيان .
و في انتظار لقاء بكين في دورته التاسعة بمشاركة نحو خمسين من الدول الأفريقية يبقى الأكيد أن لقاء بكين الذي يفتتح خلال الساعات القادمة تراهن عليه الصين كما الدول الأفريقية في أن يكون ها المنتدى أكثر من لقاء كلاسيكي لاستعراض مسار ما تحقق خلال السنوات الأخيرة و لكن و هذا الأهم في البحث عن أفضل الفرص و الآفاق الاقتصادية و التجارية و العلمية و المعرفية و الثقافية وصولا إلى الافاق العسكرية التي يمكن أن تجعل من المنتدى الصيني الأفريقي أرضية حقيقية واعدة نحو مستقبل أفضل للأجيال القادمة في زمن تفاقم الفوارق بين الشمال و الجنوب و تحديدا بين الدول الغنية و بين الدول الفقيرة و البائسة لا سيما بعد أن زادت جائحة الكوفيد الفقراء فقرا و بؤسا و عمقت العولمة و تحديات الذكاء الاصطناعي توحش أقوى .
لقاء بكين لا يمكن أن يكون لقاء لالتقاط الصور و توزيع الابتسامات و التداول على إلقاء الخطب و الكلمات الرنانة .
بالاضافة إلى قادة الدول الأفريقية يشارك في هذا المنتدى ممثلو منظمات إقليمية و دولية بينهم الأمين العام للأمم المتحدة و رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي ، ويأتي اللقاء بعد نحو ربع قرن على تأسيسه سنة 2000 وهي بالتأكيد مدة للتقييم و قراءة مستقبل هذا المنتدى الذي يمكن اعتباره بالواعد على مختلف المستويات لو توفر الحد الأدنى من الإرادة المطلوبة بين الشركاء المعنيين الصين بمختلف آلياتها الخمسين و تنوعها الثقافي وبكل ثقلها الاقتصادي وتاريخها و مكانتها و حكمتها المتوارثة على مدى آلاف السنين و بين أفريقيا أرض الحضارات و الفنون و التنوع و الحياة والفسيفساء الاجتماعية والثقافية و الفكرية الانسانية الاستثنائية بين مختلف قارات العالم. .
لا خلاف في أن المنتدى الأفريقي الصيني يحمل تطلعات و يفتح آفاقا واسعة بين العملاق الصيني و بين دول الاتحاد الأفريقي التي تبحث عن شراكات تتجاوز الشراكات الكلاسيكية الأمريكية و الأوربية و اليابانية و الهندية التي ارتبطت بالقارة السمراء مع بدء تحرر الدول الأفريقية من ربقة الاستعمار الأجنبي و ارتهان المصالح الاقتصادية و التجارية و الاستثمارية للغرب .
و لقاء بكين 2024 يأتي يعد “بعد قمة فوكاك في بكين عام 2006، وقمة فوكاك في جوهانسبرج عام 2015، وقمة فوكاك في بكين عام 2018، و هي تعد أكبر حدث دبلوماسي تستضيفه الصين في الأعوام الأخيرة ويحضره أكبر عدد من الزعماء الأفارقة بما يعني أنه موعد مصيري في تحديد توجهات و خيارات المستقبل للصين و أفريقيا .
من المنتظر حسب ما أكدته مصادر عن الخارجية الصينية أن تعتمد القمة وثيقتين ختاميتين، إحداهما إعلان والأخرى خطة عمل، لبناء توافق كبير بين الجانبين ورسم مسار لتنفيذ التعاون الصيني-الإفريقي عالي الجودة في الأعوام الثلاثة المقبلة..و هو ما يجب أن يتحول من إطار الشعارات إلى أرض الواقع .
لقد أصبح المنتدى علامة بارزة في التعاون الصيني-الإفريقي ومثالا لتعزيز التعاون الدولي مع إفريقيا وتعميق التعاون بين بلدان الجنوب لمواجهة التحديات وإنشاء منصة لتشارك فرص التنمية.
في السادس و العشرين من أكتوبر عام 2011، افتتحت الدورة الثامنة لاجتماع كبار المسؤولين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي في مدينة هانغتشو بمقاطعة تشيجيانغ بحضور أكثر من 240 ممثلا من الصين و50 دولة أفريقية ومفوضية الاتحاد الأفريقي وغيرها من المنظمات الإقليمية والسفراء الأفارقة لدى الصين ومسؤولي الأجهزة المشاركة في لجنة الجانب الصيني لمتابعة أعمال المنتدى.
و اعتبر نائب وزير الخارجية تشاي جيون انذاك أن المنتدى قد أصبح نموذجا مشرقا للتعاون بين أفريقيا والمجتمع الدولي يجعل دول العالم تضاعف اهتمامها واستثمارها في أفريقيا.
لا بديل في ظل التغيرات المستمرة التي يشهدها العالم، للصين وأفريقيا غير تعزيز التضامن ومواجهة التحديات معا، بما يحمي المصالح المشتركة للدول النامية. وسيتعين على الدول الأفريقية أن تستفيد من الفرصة التي يصاحبها النمو السريع في الصين وتعمل على تعزيز التعاون مع الصين في مختلف المجالات وزيادة تطوير علاقات الشراكة القائمة على المساواة والمنفعة المتبادلة والاحترام والثقة المتبادلة، بما يخلق مستقبلا مشرقا للصداقة التقليدية والتعاون بين الصين وأفريقيا.
أكثر من سبب من شأنه اليوم أن يدعو لتقييم جدي وواقعي لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي الواعد الذي يحتاج لمزيد الدفع حتى تتحقق المصلحة المشتركة للقارة الأفريقية التي تذخر بالامكانيات و الطاقات و الثروات الطبيعية و البشرية و كل ما يمكن أن يوفر لشعوب القارة الطاقة البديلة في عالم يعيش تنافسا غير مسبوق بين القوى الكبرى التي تبحث لها عن موطئ قدم في أفريقيا الفتية .
هناك حقائق يجب الانتباه لها و هي أن التعهدات والخطابات في منتدى فوكاك تعكس إدراك أن الاحتياجات والأهداف الصينية والأفريقية لا تصل إلى التوازن التام دون تدخل وتصحيح، لقد نمت التجارة بين الصين وأفريقيا من 11.67 مليار دولار في عام 2000 إلى 257.67 مليار دولار في عام 2022حسب مركز سياسات التنمية العالمية بجامعة بوسطن، 2024..
على الدول الأفريقية دون استثناء أن تكون واعية بحجم و مستوى هذا المنتدى و أن تدفع إلى اصلاح اقتصادياتها و تصحيح اختلالات الماضي وتحقيق النمو المطلوب حتى يكون لهذه الشراكة اهداف واضحة .
تنعقد القمة التاسعة في منتدى بكين أفريقيا هذا لعام وسط مناخ غير مسبوق و على وقع تصاعد التوترات الجيوسياسية و من ذلك الحرب الروسية الأوكرانية و حرب الإبادة التي تشنها اسرائيل في غزة التي ستجعل الموقف الصيني على درجة من الأهمية أمام بقية القوى العالمية الأخرى.
* آسيا العتروس.. كاتبة صحفية تونسية.
اقرأ المزيد
تقرير : الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا لـ15 عاماً متتالياً