زينة السرايجي تكتب .. مصر الـ 23 عالمياً في سوق خدمات التعهيد وفقاً لمؤسسة “كيرني”.
كفاءة التكاليف والبنية التحتية الرقمية القوية تعزز موقع مصر كوجهة مزدهرة لخدمات التعهيد
مع تطلع الشركات لاكتساب ميزة تنافسية والتركيز بشكل أكبر على تحقيق أهدافها الاستراتيجية، برزت خدمات التعهيد كحل مناسب يتيح لها زيادة الإنتاجية وتعزيز الكفاءة التشغيلية من خلال الحد من التكاليف المادية بالإضافة الى تقليل المدة الزمنية اللازمة لإتمام عملياتها اليومية.
وبفضل بيئة الأعمال الملائمة، وتوافر الكثير من الكفاءات المتمرسة، ودعم وتقدم الحكومة في خطة تعزيز التحول الرقمي في البلاد؛ نجحت مصر بترسيخ مكانتها كوجهة رئيسية لخدمات التعهيد؛ حيث احتلت المرتبة 23 من أصل 78 سوقاً لخدمات التعهيد على مستوى العالم، وفقاً لـ “مؤشر مواقع الخدمات العالمية 2023” الصادر عن مؤسسة الاستشارات العالمية “كيرني”.
كما تلعب الحكومة المصرية دوراً حاسماً في تعزيز نمو قطاع التعهيد. وإدراكاً لإمكاناته الكبيرة، فقد سعت الحكومة بشكل حثيث لدعم تطور قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الذي يساهم في جذب المستثمرين واختيارهم لمصر كوجهة تعهيد مفضلة ومركز متميز لخدمات الأعمال. ويعتبر قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأسرع نمواً في الجمهورية، فقد حقق نمواً كبيراً بلغ حوالي 17٪ خلال السنة المالية 2021/2022.
كما لعب إطلاق “استراتيجية مصر الرقمية للخدمات العابرة للحدود 2022-2026″ دوراً رئيسياً في ازدهار هذا القطاع. . و تهدف هذه الاستراتيجية الخمسية المبتكرة الى مضاعفة ايرادات التصدير الناتجة عن الخدمات الرقمية العابرة للحدود بالإضافة إلى ضم حوالي 215 ألف فرصة عمل في هذا المجال وبعد أن استقبلت 29 شركة عالمية في مصر العام الماضي، تتطلع الحكومة إلى توفير وظائف إضافية في قطاعات عديدة مثل خدمات تعهيد الأعمال (BPO)، وخدمات تكنولوجيا المعلومات، والهندسة،مع صادرات سنوية إجمالية بقيمة 1 مليار دولار وساهمت هذه المبادرات، إلى جانب الحوافز المالية والامتيازات الضريبية، في تعزيز جاذبية مصر كوجهة مفضلة لخدمات التعهيد.
مع وجود العديد من المؤسسات العالمية التي تتطلع إلى توسيع وتصدير بعض وظائف الدعم الخاصة بها إلى مصر، شهدت سوق التعهيد في الجمهورية نمواً ملحوظاً شمل العديد من القطاعات بما في ذلك مراكز الاتصال والموارد البشرية والتمويل والمحاسبة. وتعتبر شركتا “راية” و”تيلي بيرفورمانس” من بين أكبر مشغلي خدمات تعهيد الأعمال في مصر؛ فيما أدرك اللاعبون الرئيسيون بمجال خدمات مراكز الاتصال، بما في ذلك “ويب هيلب” و”ساذرلاند” و”كونسينتريكس”، إمكانات هذا البلد وأسسوا حضوراً لهم فيه. ومن المتوقع أن يشهد قطاع التعهيد نمواً كبيراً في السنوات القادمة على صعيد توفير فرص العمل (زيادة بنسبة تفوق 300٪ بين عامي 2022 و2026 في قطاع خدمات تعهيد الأعمال لوحده)، والمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد؛ حيث تتوقع هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا) أن يساهم قطاع خدمات التعهيد الأعمال بنسبة 1.2% – 1.4٪ من إجمالي الناتج المحلي للبلاد بحلول عام 2026.
وتعتبر الكفاءة من حيث التكلفة من أبرز المزايا التي تتمتع بها مصر، إذ تتيح الحكومة المصرية وفورات في التكاليف بنسبة تصل إلى 80٪ بالنسبة لرواتب المبتدئين مقارنة بالدول المنافسة، بولندا والمغرب وتركيا.
وقد عززت تخفيضات قيمة العملة من جاذبية البلاد، حيث فقد الجنيه المصري أكثر من 50٪ من قيمته منذ يناير 2022. وقد ساهم هذا بدوره في تراجع تكاليف تعهيد عمليات الشركات الأجنبية إلى مصر من خلال انخفاض تكاليف العمالة لديها مع ضمان استمرار اشرافها على وظائفها الغير مولدة للدخل.
ولعل جاذبية مصر تعزى أيضاً إلى موقعها الجغرافي المميز وتمركزها على البحر الأبيض المتوسط. كما أنها تتشارك المنطقة الزمنية ذاتها مع أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، مما يضمن سلاسة التنسيق والإنتاجية للشركات التي تخدم عملاء عالميين.
وباعتبارها تحتضن نحو 75 مليون نسمة دون سن الأربعين، تتمتع مصر بثروة كبيرة من المواهب الإبداعية الشابة. كما يتحدث 80% من السكان العاملين فيها اللغة الإنجليزية واللغات الأوروبية الأخرى، مقارنة مع 20-65٪ في الوجهات الخارجية الأخرى لخدمات التعهيد. علاوة على ذلك، ينضم سنوياً أكثر من 600 ألف خريج شاب ومؤهل من جامعات مرموقة إلى القوى العاملة في البلاد، مما يوفر مهارات قيّمة في مجالي الأعمال والخدمات الرقمية لتعزيز مكانة مصر كمركز قوي لخدمات التعهيد.
ومع ذلك، ثمة فرصة سانحة يمكن للحكومة المصرية التركيز عليها في السنوات القادمة، الا وهي زيادة المعروض الذي توفره مجمعاتها التقنية لمراكز الاتصال وأنشطة التعهيد المختلفة التي يتم تصديرها، خاصةً وأنها صنفت بين أفضل 5 وجهات تعهيد لمراكز الاتصال، وفقاً لمسح المكاتب الأمامية الاستقصائي 2019 الصادر عن شركة “ريان للاستشارات الاستراتيجية”. وفي الوقت الحالي، تعتبر “منطقة المعادي التكنولوجية” المنطقة الأولى والوحيدة المتخصصة بمجال التكنولوجيا والاستثمار في مصر، وهي مكرسة لخدمة مراكز الاتصال من خلال دعم سلاسة العمليات، وتقديم حوافز متنوعة لمستثمريها (مثل الإعفاءات الجمركية، وما إلى ذلك). وعليه، ثمة توافر محدود لمثل هذه المراكز مقارنة بالطلب المرتفع نسبياً عليها.
باختصار، لا شك أن قطاع التعهيد في مصر يقف اليوم على عتبة نمو ملحوظ وتميز عالمي المستوى. وبالاستفادة من السياسات الحكومية المواتية، والمكانة الاستراتيجية، والقوى العاملة المتمرسة، والحلول الفعالة من حيث التكلفة؛ تعتبر مصر مؤهلة بالشكل الأمثل لتحقيق النجاح المستمر في عالم التعهيد الذي يتسم بالديناميكية والتنافسية.
زينة السرايجي، كبير محللي الأبحاث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مجموعة “جيه إل إل”
إقرأ أيضا:-
مصر .. مدبولي: الحكومة ملتزمة بإفساح المجال لتعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي
مصر .. البنك المصري الخليجي: قوة الإقتصاد المصري ساهمت في جذب الاستثمارات الخليجية
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.