11 سبتمبر 1 ” توت” رأس السنة الفرعونية وبدء موسم الزراعة
يوم الحادي عشر من سبتمبر يوم مشهود، ففي مثل هذا اليوم من عام ٢٠٠١ حدث امر غير مجرى التاريخ خلال العشرين عاما الأخيرة وهو تفجير برجي مبني التجارة العالمي بنيويورك، لكن هذا اليوم كان له ذكرى أخري عند المصريين القدماء، كانوا يحتفلون فيه بعيد رأس السنة الجديدة، ويوافق 1 من شهر توت ووفقا للتاريخ الحالي فإن اليوم هو 1 توت سنة 6262 فرعونية، وفقاً لما وثق على جدران معبد دندرة، و«توت» تعني عند الفراعنة اله الحكمة والسحر والكتابة والفلسفة والعلم ، الذي عرفه الأغريق واطلقوا عليه «هرميس» فرأسه هو مستوحي من رأس طائر أبومنجل المصري .
أكد الدكتور حسين دقيل الباحث في تاريخ الآثار المصرية والرومانية، أن أعياد المصريين القدماء كثرت وتنوعت ما بين أعياد رسمية وأخرى شعبية، سواء كانت عامة على مستوى القطر، أو محلية في كل إقليم على حدة، وعرفنا أن المصريين القدماء احتفلوا بتلك الأعياد – بشكل عام – من خلال تزيين المعابد وإضاءتها وترتيل الأناشيد وتقديم القرابين والأضحيات، لأن الأعياد عندهم كانت ترتبط في مجملها بالعقيدة.
أما احتفالهم بعيد رأس السنة، فقد كان ذا طابع خاص، ولذا فإننا نستطيع ومن خلال ما وصل إلينا من أدبياتهم – التي لا تزال ماثلة أمام أعيننا على جدران المعابد والمقابر – أن نعرف أنهم قد احتفلوا بهذا العيد وأطلقوا عليه اسم «وبت رنبت نفرت» أي «عيد افتتاح السنة الجميلة»، وكان الاحتفال به يبدأ مع شروق شمس يوم الـ 11 من سبتمبر «توت»، وهو الشهر الرابع لموسم الفيضان، حيث كانت السنة عندهم ترتبط بالفيضان، فقد لاحظ المصريون القدماء أن الفيضان ظاهرة سنوية تتكرر بانتظام، وأن نجمة الشعرى اليمانية تظهر في الأفق مع شروق شمس ذاك اليوم، كما اعتقدوا أن الفيضان ما هو إلا عبارة عن دموع المعبودة إيزيس التي ظلت تبكي زوجها أوزوريس بعدما قتله أخاه ست.
وقال دقيل إن السنة عند المصريين القدماء كانت – كما هي عليه الآن – اثني عشر شهرا، وفي كل شهر ثلاثون يوما، أما الأيام الخمسة الباقية فكانت – عندهم – منسية، وأنسوها حتى من تاريخهم، وكان عيد رأس السنة يستمر طوال تلك الأيام الخمسة، وكانوا يقضونها في احتفالات وأفراح خارج البيوت، وكانت الاحتفالات تبدأ من المعبدحيث يذهبون إلى المقصورة العلوية الموجودة أعلى سطح المعبد، حاملين معهم الخبز والكعك والفطائر والنبيذ، وبعد ذلك يخرجوا إلى الحقول وعلى شاطئ النيل مستمتعين بالزروع والورود والرياحين والجو الهادئ الجميل، تاركين وراءهم متاعب الدنيا وهمومها التي أرقتهم طوال العام، وكانت مأكولاتهم في عيد رأس السنة تشتمل على البط والأوز والأسماك.
وأضاف أن مشروباتهم كانت النبيذ الطازج، حيث كانت احتفالات عصر العنب تتفق مع أعياد رأس السنة، وكانوا يحرصون على تبادل قارورات المياه المستديرة، التي كانت ترمز عندهم إلى المياه كرمز للحياة، وكانت تلك القوارير تمثل في صورة المعبودة «نوت» ربة السماء، وكانوا يعتقدون بأن هناك رابط دائم بين المياه والحياة وبداية العام الجديد، وكان من أجمل عاداتهم في أعيادهم – وعلى الأخص – في عيد رأس السنة، أن يتسابق المتخاصمون نحو بعضهم البعض نازعين عن قلوبهم العداوة والبغضاء ناسين في الأيام الخمسة تلك – المنسية – خلافاتهم وضغائنهم ومنازعاتهم التي ربما استمرت طوال العام!
وبالرغم من أن عيد رأس السنة قد اتخذ طابعاً دنيوياً شعبيا مرتبطا بالأفراح والمباهج والزينات، وبالرغم من أنه لم يتشابه كثيرا مع الأعياد الأخرى الدينية، إلا أنه لم يُنسِ المصري القديم آخرته، فها هم وبعد الخروج من المعبدوالقيام بالاحتفالات يتجهوا سويا نحو المقابر، حاملين معهم سلال الرحمة مملوءة بالطعام والكعك كتعبير عن إحياء ذكرى موتاهم.
وأوضح أن المصريين القدماء كانوا يصنعون الكعك على هيئة أشكالٍ هندسية متعددة، كما كانوا يصنعونه على شكل حيوانات أو زهور، وكانوا يحشونه بالتمر المجفف، ثم يقومون برصه على ألواح من الأردواز – لأنه صخر كان يسهل تقطيعه إلى ألواح – ثم يُخبز، وكان النوع المخصص لزيارة المقابر يتم تشكيله على هيئة تميمة ست «عقدة إيزيس»، وهي من التمائم التي تفتح للميت أبواب النعيم، وهكذا كان لكل عيد من أعياد المصريين القدماء رابط يربطهم بالآخرة.